بمناسبة انعقاد الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة في موضوع «تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية»، (يوم الإثنين 17 يوليوز)، وافتنا الرفيقة سومية منصف حجي بهذه المقالة التي وضعت فيها الأصبع على كثير من الاختلالات في السياسات العمومية الموجهة للمرأة، متسائلة عن مصير عدد من المراسيم والقوانين التي تستجيب لمتطلبات المرحلة، مسجلة جملة من الملاحظات على السياسة الحكومية المتبعة في باب المساواة والتمكين الاقتصادي للمرأة.. فيما يلي نص المقال. استبشرنا خيرا بتخصيص الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة لموضوع «تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية»، واعتبرناها فرصة ثمينة سيستغلها السيد رئيس الحكومة ليطلع الرأي العام الوطني على إنجازات تهم النهوض بأوضاع المرأة وحقوقها، قامت بها حكومته الموقرة، وغابت عنا كمواطنات ومواطنين، أو لم تقم بالتعريف بها أو التواصل بشأنها مادام التواصل حلقة مفقودة في عمل هذه الحكومة. واستبشرنا خيرا أيضا لما أكد في مستهل كلمته معتبرا قضية المرأة مدخلا أساسيا من مداخل بناء المجتمع المغربي المواكب للتحولات. لكن ما لبث هذا الاستبشار أن تلاشى مع تطرق السيد رئيس الحكومة لصلب الموضوع والذي خصص في أساسه للتمكين الاقتصادي للمرأة. صحيح، لا أحد يمكنه أن ينكر الأهمية القصوى للتمكين الاقتصادي للمرأة، فهو حق أساسي من حقوقها الكونية، نصت عليه الاتفاقيات الدولية ومن أهمها اتفاقية سيداو التي صادق عليها المغرب. وهو أيضا عنصر محوري لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الفقر والتمييز وكل الفوارق المبنية على النوع، في أفق 2030. الأهمية ذاتها هي التي جعلت الأمين العام للأمم المتحدة يعين لجنة رفيعة المستوى لتنكب على إشكالية التمكين الاقتصادي للنساء. ومن المؤكد أن التمكين الاقتصادي هو طريق المرأة نحو تحقيق الاستقلالية ونحو توفير عيش كريم لها ولأسرتها. فلا أحد يجادل في مساهمة المرأة بقدر كبير، متى تمكنت من ذلك ماديا، في تحسين ظروف عيش أطفالها وأسرتها، وهو ما يمكنها أيضا من الخروج من خانة الفقر والهشاشة، خصوصا بالنسبة للواتي تعملن في القطاع غير المهيكل وتعتبرن المعيل الوحيد لأسرهن، بدون أن تكون لهن أي تغطية صحية واجتماعية وهو الواقع المأساوي الذي عرت عنه جائحة كورونا. ولا أحد يجادل في ما يمكن أن يجنيه الاقتصاد المغربي من التمكين الاقتصادي للمرأة وكذا أهميته، لذا خصص له السيد رئيس الحكومة الاجتماع الأول للجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وتم خلاله عرض الإطار الاستراتيجي للخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026 التي تشمل برنامج التمكين الاقتصادي أساسا. ودعوني أفتح قوسا وأعرج على بلاغ رئاسة الحكومة آنذاك حول فحوى هذا الاجتماع حيث أذكر فيما تضمنه ما يلي: «تمت خلال هذا الاجتماع مناقشة واعتماد الإطار الاستراتيجي للخطة الحكومية للمساواة الذي شاركت في بلورته كل القطاعات الحكومية، كما اعتمد توصيات المجتمع المدني والفاعلين ذوي الصلة بالموضوع». شيء جميل، ويصفق له، أن يتم الإنصات لرأي المجتمع المدني وكذا إدماج الممثلين الجادين عنه في هذه اللجنة، وهو لعمري اعتراف بما يساهمون به في النهوض بأوضاع المرأة ببلادنا، ولكنني أتساءل لم لم يتم استدعاء ممثلين عن الأحزاب السياسية، على الأقل الممثلة منها في البرلمان، والحاملة لمشروع المساواة والمناصفة، خاصة الأحزاب التقدمية التي تحمل في جيناتها قضية المرأة وتضعها من ضمن أولوياتها كحزب التقدم والاشتراكية. الحزب الذي ناضل ويناضل منذ نشأته، وهو الذي سيحتفل في الأشهر القادمة بذكراه الثمانين، من أجل أن تتبوأ المرأة المغربية المكانة التي تستحقها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتلعب دورها كاملا غير منقوص في تنمية بلادها، حيث لا تنمية حقيقية إلا من خلال استراتيجية تنموية تؤكد على أهمية تمكين المرأة وعلى المساواة بين الجنسين كما أورد ذلك النموذج التنموي الجديد. التمكين الاقتصادي أو الحقوق الاقتصادية للنساء، السيد رئيس الحكومة، هي مسألة هامة وهامة جدا، ولكن الحقوق هي كل لا يتجزأ وحقوق النساء هي منظومة مترابطة لا تستقيم بحق دون الحقوق الأخرى. لا يمكن أن نتغافل عن حق الفتاة في التعليم وعن ضرورة محاربة الهدر المدرسي وتوفير الظروف الملائمة لها لتنخرط في أسلاك الدراسة، مما يعني أيضا محاربة ظاهرة تزويج الطفلات والتصدي لها من خلال تغيير العقليات ولكن أيضا تغيير القانون وإسقاط المادة 20 من مدونة الأسرة. التعليم نفسه الذي يتوجب إعادة النظر في مقرراته ومناهجه التي تطوي بين كتبها صورا ونصوصا تكرس لنمطية الأدوار المنوطة بالمرأة. هذه المرأة التي تنص المدونة على أن الأسرة تحت مسؤوليتها ومسؤولية الزوج في نفس الآن ولكنها تحرمها من الحق في ولايتها الشرعية على أطفالها عند حدوث الطلاق بل حرمانها من حضانتهم عند زواجها. هذه المرأة التي تجد نفسها وحيدة لتحمل أعباء طفل ولد خارج إطار الزواج ولا تلزم المدونة أباه بالاعتراف به، تحقيقا للمصلحة الفضلى لهذا الطفل ورأفة بهذه الأم. هذه المرأة أيضا هي نفسها التي تحرم من جزء من إرثها من والديها عند تطبيق قاعدة التعصيب في حال عدم وجود أخ لها. مواد متعددة تلك التي تضمها مدونة الأسرة بين دفتيها والتي هي في حاجة إلى إصلاح كما أعلن عن ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش للسنة الماضية. والإصلاح لا يهم المدونة فحسب، بقدر ما يهم أيضا ما كان مفروضا أن يواكبها من تدابير حكومية تهم تسهيل ولوج العدالة للمرتفقات وإيجاد الظروف الملائمة لهن خصوصا وأن للقضايا الأسرية حرمتها. الإصلاح يجب أن يهم أيضا منظومة القانون الجنائي فيما يتعلق بالإجهاض، وتجريم الاغتصاب الذي تطغى عليه التراتبية في التعامل مع الضحايا، ومسألة الحريات الفردية، وإصلاح مدونة الشغل، وضرورة إعادة النظر في القانون التنظيمي وفي المرسوم الصادر بتنفيذه والمتعلق بالتعيينات في المناصب العليا الذي لم يشر لأي آلية تحفيزية من شأنها تعزيز التمثيلية النسائية في مواقع القرار، وضرورة إدماج مقاربة النوع في الميزانيات الخاصة بالسياسات العمومية والتأكد من استعمالها فيما يفيد المرأة، وكذا ضرورة السهر على تفعيل عمل هيآت المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الموجودة على مستوى الجماعات الترابية، والتي تعتبر إحدى آليات تفعيل الفصل 19 من الدستور الذي ينص على المساواة والمناصفة بين الرجل والمرأة ومكافحة كل أشكال التمييز، وكذا على ضرورة أخذ مقاربة النوع بعين الاعتبار عند إعداد المخططات الجماعية للتنمية. وعموما يتوجب إدخال الإصلاحات اللازمة على الترسانة القانونية واتخاذ التدابير الضرورية التي من شأنها تعزيز مبدأ المناصفة والمساواة الفعلية والاستفادة من جميع الفرص التي تخول للمرأة التمتع بجميع حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية على قدم المساواة. إصلاحات وأخرى عديدة لا يسمح المجال لذكرها ولكن يتوجب على الحكومة القيام بها تماشيا مع مقتضيات دستور 2011 ومع المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ولكن قبل هذا وذاك مع التحولات التي عرفها المجتمع المغربي. وعندما نذكر دستور 2011، فمن المؤكد أننا يجب أن نشير إلى أننا ما زلنا ننتظر خروج هيأة المناصف ومكافحة كل أشكال التمييز والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة لحيز الوجود. وهكذا، يتبين لكم السيد رئيس الحكومة المحترم، أن الأمر لا يتعلق بتمكين اقتصادي بقدر ما يتعلق بضرورة الحرص على أن تتمتع المرأة بكافة حقوقها وفي جميع الميادين وعلى كافة المستويات. الأمر يتعلق بسياسة شمولية وبمقاربة استراتيجية يتداخل فيها ما يتوجب من إصلاح قانوني أصبح ملحا اليوم أكثر من أي وقت مضى، وما يتعلق بمواكبة للسياسات العمومية وما يرتبط بتغيير للعقليات الذكورية السائدة في مجتمعنا وما يتصل بالتحسيس والتوعية وما للإعلام من دور هام في هذا الباب.