استضاف صالون مازغان للثقافة والفن بالجديدة، ضمن أنشطته الثقافية والعلمية السنوية، الناقد المغربي عثماني الميلود في لقاء مفتوح بعنوان "التخييل أفقا للتفكير" سيره الأستاذ يونس الإدريسي، وذلك يوم الخميس 15 يونيو الجاري بفضاء المكتبة الوسائطية التاشفيني بالجديدة. افتتح اللقاء بكلمة الأستاذ محمد مستقيم مرحبا بالحضور، ومعبرا عن شكره للأستاذ عثماني الميلود الذي قبل دعوة الصالون، مؤكدا أن كل مكوناته سعيدة بهذا اللقاء والاحتفاء بأحد الأسماء البارزة ضمن النقد المغربي والعربي. إثر ذلك استهل يونس الإدريسي حواره مع عثماني الميلود بكلمة ترحيبية؛ عبر فيها عن شكره لصالون مازغان للثقافة والفن على تنظيمه لهذا النشاط، مبرزا أهمية ما يقوم به الصالون من أنشطة ثقافية وعلمية عديدة لها صدى إيجابي ودينامي على الشأن الثقافي بمدينة الجديدة. كما عبر عن سعادته بهذا الحوار باعتباره يجمعه بأحد الأسماء البارزة في المشهد النقدي والثقافي المغربي، مؤكدا أن عثماني الميلود ترك بصمة بارزة منذ تسعينيات القرن الماضي باشتغاله في حقول معرفية مختلفة تتمثل في النقد والترجمة والثقافة والبيداغوجيا والديداكتيك، وهو ما تؤكده سيرته العلمية ومختلف إصداراته من كتب ومقالات وترجمات. وبعد كلمة عثماني الميلود التي عبر فيها عن سعادته الكبيرة بهذه الدعوة التي عدها فرصة يتشارك فيها تجربته البسيطة والمتواضعة مع المشاركين في اللقاء، استهل يونس الإدريسي حواره مع الضيف، الذي استغرق ما يقارب الساعة والنصف، ركز فيه المحاور على ثلاثة مسارات بصمت أعمال الضيف هي: مسار الأكاديمي والناقد، ومسار المربي والمكون ثم مسار المثقف. ففي ما يتعلق بالمسار الأول تطرق الحوار لقضايا عديدة ارتبطت بالمسار العلمي الذي بدأه الناقد منذ تسعينات القرن الماضي من قبيل: الانتقال في التعامل مع الظواهر الأدبية والتخييلية من المعالجة البنيوية إلى المعالجة التشييدية البينية، ومفهوم التخييل ووظيفته، وعلاقة التخييل بالأدب والفلسفة، والتخييل بوصفه منتجا للمعرفة والفكر، والتخييل التاريخي… وفي تفاعله أكد عثماني الميلود أنه كان في مرحلة أولى متأثرا بالسياق العام الذي عرف خلال فترة ماضية دينامية كبيرة خلقتها "البنيوية"؛ وهو ما يتجلى في اشتغاله بالشعرية البنيوية في مؤلفه "شعرية تودوروف 1990″، ثم الشعرية التوليدية في مؤلفه "الشعرية التوليدية 2000″، مبرزا أنه سرعان ما بحث عن أفق جديد عبر البحث عن معالجة الظواهر الأدبية والتخييلية بعدم الاقتصار على القراءة المغلقة، نحو قراءة مفتوحة تنظر إلى هذه الظواهر والكيانات بالاستناد إلى إطار مرجعي متعدد الاختصاصات يسمح بدراستها انطلاقا من علاقاتها بالخارج وبسياقات نشأتها، رابطا ذلك بمؤلفيه الصادرين عام 2022: "التخييل موضوعا للتفكير" و"فاعلية التخييل الروائي في نماذج عربية وكونية". تبعا لذلك، بين عثماني الميلود أن تناوله لمفهوم التخييل إنما يشتغل به بوصفه منظارا يمكن النظر إليه من مختلف الممارسات الإنسانية وتمظهراتها الأنتروبولوجية والاجتماعية والسياسية والتاريخية، مؤكدا أن التخييل غير الأدب لأنه يفرض نفسه في مختلف الكيانات سواء اللغوية (رواية، قصة، شعر…)، أو الترابطية (السينما، الرسوم المتحركة…). ومن تم فالتخييل، في نظر الناقد، يعد مصدرا أساسا من مصادر المعرفة تضاهي المصادر التقليدية للمعرفة (الفيزياء، التاريخ، علم الاجتماع…)، وهو ما جعله يبني أطروحته القائمة على كون مقولة التخييل لم تعد مجرد مقولة فلسفية عصية على الفهم، بل هي بمثابة منظور ثقافي تعكس لنا نظرة المجتمعات عبر ما تقدمه من ممارسات تخييلية للعالم وللإنسان ولتحولاته. بناء على ذلك أكد الناقد أنه اتجه إلى الاشتغال على التخييل بمختلف صيغه خاصة التخييل التاريخي الذي جعل منه أحد الأدوات الأساس التي وظفها في أعماله النقدية، وقد بين أن اشتغاله بهذا المفهوم مرده إلى أنه لاحظ أن مجموعة من المؤرخين والفلاسفة والسوسيولوجيين ممن يشتغلون خارج دائرة الأدب قد كتبوا في الرواية التاريخية وهي الفرضية التي تبرز أن الرواية تسمح بوصف الواقعة التاريخية بشكل أكثر تحرر من الكتب التاريخية. وبخصوص المسار الثاني؛ فقد كان فرصة لاستعادة مجموعة من القضايا تتعلق بالسياسة التعليمية، وواقع تدريس اللغة العربية، وقضايا التعليم وطرائق التدريس. حيث أكد عثماني الميلود أن الواقع التعليمي المغربي يتصف بغياب نموذج بيداغوجي تربوي مغربي، ما يعني أننا لا يمكن أن نتحدث أن "أزمة النموذج" بحكم أننا لا نملك نموذجيا مغربيا، بل هو نموذج مستورد، ومن ثم فبدل الحديث عن أزمة "النموذج البيداغوجي" فإننا نتحدث عن "أزمة النقل". كما أشار عثماني الميلود إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات التعليمية بما يسمح بإعادة أدوار المدرسة الحقيقية بوصفها فاعلا أساسا داخل المجتمع.. وبالانتقال إلى المسار الثالث عبر عثماني الميلود، في تعليقه على التحولات التي عرفها الشأن الثقافي المغربي والمثقف المغربي، عن كون المثقف في حاجة ماسة إلى تجديد أدواره خاصة في مثل مجتمع مغربي مركب ومعقد، مما يتطلب منه مناهضة التيارات السائدة للوقوف في وجه الظلم واللاعدل ومن لا صوت له، وهو ما قد يسمح بخلق دينامية حيوية تعيد للشأن الثقافي المغربي حالته الطبيعية. وبعد تفاعل عثماني الميلود مع أسئلة الحاضرين التي قاربت المسارات الثلاثة، اختتم اللقاء بتوقيع مؤلفات الضيف.