دعا الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، أول أمس الأربعاء بفاس، إلى ضرورة تكريس حسن الاستقبال وحسن التواصل مع المشتبه فيهم خلال الأبحاث الجنائية، من أجل تعزيز ثقة المتقاضين في العدالة، وضمان شروط المحاكمة العادلة. وأكد الداكي، في افتتاح أشغال دورة تكوينية لفائدة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية، تحت عنوان "العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية"، أنه كلما تم تكريس حسن الاستقبال وحسن التواصل واحترام حقوق الأطراف، كلما ارتفع منسوب ثقة المتقاضين في عدالتهم. وسجل أن هذا المعطى دفع بالمشرع المغربي إلى سن مجموعة من النصوص القانونية على مستوى قانون المسطرة الجنائية التي تحدد ضوابط وإجراءات إنجازه والحقوق المكفولة لأطراف الخصومة الجنائية. وأبرز المسؤول القضائي، في السياق ذاته، أنه يقع على عاتق المكلفين بإنجاز الأبحاث الجنائية والمشرفين عليها الحرص على ضمان تمتع المشتبه فيهم بكافة الضمانات التي خولها لهم القانون، من قبيل إشعارهم بالأفعال المنسوبة إليهم، والحق في التزام الصمت،والحق في المساعدة القانونية، والحق في مؤازرة الدفاع، واحترام مدة الوضع في الحراسة النظرية وضوابط تمديدها واحترام الكرامة الإنسانية. كما سجل أن الإخلال بهذه الحقوق يشكل أساسا للدفوع الشكلية التي قد يثيرها الدفاع أثناء المحاكمة، وهو ما قد يترتب عنه التصريح ببطلان المحاضر أو الإجراء المعيب، وقد تكون هذه الإخلالات في بعض الأحيان مدخلا لتقديم تظلمات أو شكايات أمام القضاء الوطني أو المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان". وأكد رئيس النيابة العامة أن البحث الجنائي يعتبر أحد المقومات الأساسية للعدالة الجنائية وأحد المؤشرات التي يستند إليها كل متتبع لها بما في ذلك الدفاع وأطراف الخصومة لتقييمها. واعتبر الداكي أن انعقاد هذه الدورة التكوينية يعكس الرغبة في استعراض وضعية العدالة الجنائية بالمغرب، والإحاطة بآليات تجويد الأبحاث الجنائية المرتبطة بها وتطوير أساليبها وتعزيز مرتكزاتها من خلال تأهيل المكلفين بإنجازها من ضباط الشرطة القضائية والمشرفين عليها من قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق، من أجل تحقيق عدالة فعالة وسريعة ومنتجة، تراعي حقوق أطراف الخصومة الجنائية. وبعدما ذكر بمخرجات اللقاء التواصلي الذي انعقد بالرباط يومي 11 و12 يونيو 2021 ، أكد أن هذه الدورة التكوينية ستعقبها دورات أخرى ستنظم في نفس الموضوع بكل من مدن الدارالبيضاء وطنجة ومراكش وأكادير في إطار برنامج طموح وغير مسبوق يروم تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمديرية العامة للأمن الوطني، وقيادة الدرك الملكي، لمعالجة كافة المعيقات والإكراهات التي تحول دون إرساء مقومات عدالة جنائية قوية وضامنة للحقوق والحريات. وسجل، من جهة أخرى، أنه إذا كان تطور آليات البحث الجنائي تعتمد بالضرورة على تطوير مهارات المحقق وإبراز مجهوده الشخصي في البحث الجنائي الذي يقوم بإنجازه، فإن تطوير آلياته أصبح يقتضي من أجهزة إنفاذ القانون اعتماد الأساليب التكنولوجية والرقمية في إطار الأبحاث التي تقوم بها لفك لغز الجريمة وملاحقة المجرمين من خلال اعتماد الخبرات التقنية والعلمية. وأبرز أنه "إذا كان الرفع من جودة الأبحاث القضائية يتوقف على الاستغلال الأمثل للتطور العلمي والتكنولوجي وتطوير أساليب البحث، فإن ذلك لا يكفي لوحده لتعزيز ثقة المتقاضين في عدالتهم"، مؤكدا أن قيم النزاهة والمروءة والتحلي بالأخلاق المهنية هي صمام الأمان في العدالة الجنائية. وأوضح أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بادر إلى وضع مدونة الأخلاقيات القضائية التي حددت مجموعة من قواعد السلوك التي ينبغي على القضاة إما الالتزام بها أو تفاديها في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي، وكذا مدونة قواعد السلوك التي وضعتها المديرية العامة للأمن الوطني وميثاق الأخلاقيات والسلوك مع المبادئ التي وضعتها قيادة الدرك الملكي، حيث تتقاسم هذه المدونات جلها قواعد للسلوك تنصب على قيم أخلاقية ومهنية من قبيل النزاهة والتجرد والشرف والحياد التي ينبغي التحلي بها خلال مباشرة المهام المذكورة، كل من موقعه. ومن جهته، أشاد المدير المركزي للشرطة القضائية، محمد الدخيسي، بالتعاون الوثيق القائم بين المديرية العامة للأمن الوطني ورئاسة النيابة العامة والسلطة القضائية. وأكد الدخيسي، في كلمة له، أن مستوى التنسيق والتعاون لأعمال الشرطة القضائية وإجراءات البحث الجنائي، الذي تضطلع به مصالح ووحدات الأمن الوطني العاملة بالميدان، على اختلاف مستوياتها التنظيمية ومجالات تدخلها العملي، يبين أن المبادرات ومستويات التبادل والتعاون بين هيئات النيابة العامة ومصالح الأمن الوطني المكلفة بمهام الشرطة القضائية لم تعد قاصرة على تنظيم لقاءات ظرفية، إن على المستوى الوطني أو الجهوي أو القطاعي، بل تتعداها إلى مواصلة عمليات التنسيق والاتصال والتواصل المؤسساتي لتنفيذ ما تم التوصل إليه وكذا الأهداف المحددة من قبل الأطراف. وأشار، في هذا السياق، إلى أن المديرية العامة للأمن الوطني أعطت تعليماتها لتنفيذ التوصيات الصادرة عن الاجتماع التنسيقي رفيع المستوى المنعقد برحاب المعهد العالي للقضاء بتاريخ 11 يونيو 2021، بين المسؤولين القضائيين ونظرائهم بالمديرية العامة للأمن الوطني، الرامية إلى إطلاق دينامية التعاون المؤسساتي بهدف الرفع من مستوى أداء المصالح الأمنية المكلفة بمهام الشرطة القضائية. وذكر الدخيسي أن المديرية العامة للأمن الوطني، قامت أيضا بتكليف المديريات المركزية المعنية – الشرطة القضائية والأمن العمومي – بوضع مخطط عملي من أجل متابعة تنفيذ التوصيات، وإعداد تقارير دورية في سياق مخطط المديرية العامة في الفترة الممتدة ما بين 2022 و 2026، مضيفا أن التوجيهات المعممة لهذا الغرض تركزت حول اتخاذ ما يلزم من تدابير تنظيمية وتأطيرية تروم الرفع من مستوى أداء المصالح الأمنية المكلفة بمهام الشرطة القضائية، بما في ذلك دوائر الشرطة ومصالح حوادث السير، من خلال تجويد المساطر المكتوبة والقيام بإجراءات البحث والتحري بمهنية وفق الضوابط القانونية والمسطرية. وتابع الدخيسي، أنه مواصلة لأوجه التنسيق والتعاون مع رئاسة النيابة العامة وعموم السلطات القضائية، انخرطت المديرية العامة للأمن الوطني في مخطط عمل قوامه تنظيم دورات تكوينية مشتركة لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية من أجل الرفع من جودة الأبحاث الجنائية ومن مستوى أداء القائمين بها والمشرفين على تسييرها، عبر التركيز على الجوانب المهنية والتقنية للبحث والمسطرة وإنجاز مختلف الإجراءات المطلوبة في إطار الاحترام الدقيق للحقوق والحريات الأساسية التي يضمنها القانون. وأكد أنه يتم الحرص أيضا على إيلاء نفس القدر من الاهتمام والتركيز لأخلاقيات العدالة الجنائية ومحاربة الفساد بجميع أشكاله، بهدف توفير الشروط الموضوعية المطلوبة لتحقيق عدالة جنائية كفؤة ونزيهة، التي هي أساس النجاعة القضائية ومصدر الإحساس بالأمن والعدالة والطمأنينة لدى المواطنين.وأعرب عن أمله في أن تشكل مثل هذه اللقاءات مناسبة للتطرق للإشكالات والصعوبات العملية التي تتم مواجهتها خلال ممارسة مهام الشرطة القضائية، معربا عن يقينه من أن تثمين وتعزيز الممارسات الجيدة، ومواجهة الصعوبات والتحديات المطروحة. وسجل الدخيسي الانخراط التام والمسؤول للمديرية العامة للأمن الوطني في تكثيف وتنويع أوجه التعامل والتنسيق الرامية إلى الرفع من مستوى أداء مصالح الشرطة القضائية في القيام بمهام البحث والتحري وتنفيذ المأموريات القضائية، من خلال تنسيق وتنفيذ برامج الوقاية من الجريمة والتصدي للتهديدات الإجرامية والمساهمة في التأهيل والتأطير المهني لضباط الشرطة القضائية وكذا مرؤوسيهم الإداريين، خاصة في مجالات البحث والمسطرة الرامية لمكافحة الجرائم المستجدة وإعمال التكنولوجيات الحديثة، والاستفادة من التقدم العلمي وجعلها في خدمة العدالة الجنائية. يذكر أن هذه الدورة التكوينية، المنظمة من 24 إلى 26 ماي الجاري، بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي، تعتبر الأولى ضمن سلسلة دورات تكوينية ستقام بعدد من جهات المملكة لفائدة حوالي ألف مشارك من قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية. ويتناول المشاركون في هذه الدورة التكوينية محاور أساسية تهم على الخصوص " تدبير الأبحاث الجنائية"، و"البحث الجنائي وحماية حقوق الإنسان"، و"تعزيز التواصل وتكريس المبادئ والقيم الأخلاقية".