عن جامعة المولى إسماعيل بمكناس أصدر الدكتور عبد الرحمن بن زيدان والأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل السفر الأول من مصنف موسوم ب: (تراجم أعلام حاضرة مكناس في القرن العشرين) يضم مقدمة تتناول بالتحليل الدور الهام الذي لعبته العاصمة الإسماعيلية عبر العصور في مختلف المجالات الحيوية التي أهلتها عمرانيا، وثقافيا، ووطنيا، وتربويا لتكون من بين المدن الأصيلة التي حافظت على ذاكرتها من خلال كل المصنفات التي أرخت لتاريخها، وقد ضمّ هذا المصنف ترجمة أكثر من مائتين وعشرين علما في مختلف المجالات والميادين ذات العلاقة بالحركة الثقافية والعلمية التي عرفتها المدينة خلال القرن العشرين.هذا المصنف الذي يقع في 523 صفحة من القطع المتوسط. ويقدم المؤلفان الحوافز التي دفعتهما إلى إنجاز هذا العمل الذي استغرق ثماني سنوات من البحث والتنقيب، وتدقيق المعلومات المكتوبة منها والشفوية، كما أنهما قدما صورا تاريخية تؤرخ لذاكرة مكناس وللأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب. وهكذا، كما يقول المؤلفان: «وأمام تراكم النتاجات الفكرية، والأدبية، والفنية، لفعاليات هذه الحاضرة، فإننا نجد أنفسنا أكثر من ذي قبل أحوج إلى التعريف بمن أنجبتهم هذه الحاضرة في فترة زمانية تتقاسمها مرحلتان من تاريخ المغرب الحديث، هما مرحلة ما قبل الاستقلال بما يكتنفها من إرهاصات فرضتها ظروف الحجر والحماية على البلاد، ثم مرحلة ما بعد الاستقلال التي أفرزت جيلا جديداً تحدوه تطلعات عهد التحرر والانعتاق لبناء الوطن الحر. ولا مراء في أن عملا من قبيل ما نُقدم عليه، لجدير بتخفيف معاناة الباحثين، والطلبة الذين يشتغلون في مجالات المعرفة، وذلك بإطلاعهم على تراجم أعلام حاضرة مكناس، ورجالاتها، خاصة منهم من طوحت بآثارهم يد التناسي والإهمال، وطوى ذكرهم الزمن، وحجب أخبارهم الرحيل إلى آفاق بعيدة عن مسقط الرأس، أو عن الوطن.ولا مراء في أنه مرة أخرى قمين بأن ينخرط في سياق الأعمال العلمية الرامية إلى حفظ جزء من تراثنا الوطني وذاكرته، وصيانته من الضياع في لجج الإهمال والنسيان. ذلك أن استنطاق ذاكرة الوطن، والحفاظ عليها من خلال التعريف بأبنائه، هما بالإضافة إلى الجدوى التاريخية عنوان الوفاء لبناة الوطن، وصانعي حاضره ومستقبله، وفيهما إلى ذلك ابتعاث لجوانب هامة من ثقافة الحاضرة الإسماعيلية، وإغناء رصيدها الوطني التليد في مجالات الفكر، والإبداع الأدبي، والفني،والعلوم الإنسانية. ومن أجل إنجاز هذه العمل، وفق المقاييس العلمية السليمة التي وضعناها، وفي إطار النهج الذي رسمناه لضبط المعلومات وتحقيقها، ومراجعتها، فلقد أرسلنا استمارات إلى الأشخاص المستهدفين مؤرّخة بتاريخ 2002، سواء منهم المقيمون بالمدينة، أو الذين استقروا خارجها، كما قمنا باستفتاء المصادر، والبحث في المراجع المكتوبة، والمخطوطة، وكتب التراجم، والببليوغرافيات، والتراجم التي كتبها أصحابها عن حياتهم، واعتمدنا على الروايات الشفوية في حال تعذر وجود المرجع المكتوب وذلك من أجل تقصي الحقائق، وضبط التواريخ، والتأكد من سلامة السياقات التي نضع فيها التراجم، وقمنا أيضا بعد جهد جهيد بتجميع العديد من الصور، سواء منها ما يتعلق بالأعلام، أو ببعض الأحداث التي عرفتها مكناس، وكان الإلحاح في الحصول عليها بغرض دعم التراجم بوثيقة لا تقل أهمية عن المكتوب، وهي وثيقة الصورة بوصفها تاريخاً، وعلامة تدل على زمانها. ومن هنا، فليس من المبالغة في شيء القول إن عملا كهذا هو أشبه بالمشروع المنفتح على الإضافات المتواصلة، طالما أنه قائم على رصد ما تفرزه الأيام من كفاءات في مجالات المعرفة والإبداع، والكشف عن المخبوء في رفوف الخزانات الخاصة، والكتب المتناثرة هنا وهناك. إن هذا العمل الذي نُقدم عليه، ليس وليد اللحظة العابرة، ولا هو بالإنجاز السريع الذي يلبي الرغبة الطارئة، ولكنه ثمرة وفاء دافق غمر قلبينا حبّاً لهذه المدينة، مثلما أنه ثمرة تأمل استغرق ردحاً من الزمن طويلا، واستدعى لقاءات متكررة، وقراءات متواصلة، وتطلب استنطاق المصادر، والمظان، والحوليات، والمراجع، بغية وضع التراجم في سياق الميزان النقدي السليم، واستخلاص المعلومات، وتنقيحها، وصوغها على نحو نرتضيه، ويرتضيه معنا المتلقي، ويعكس صورة جلية لحقيقة الواقع الثقافي، والوطني، والإبداعي لحاضرة مكناس عبر تاريخها الحديث». هذا المصنف يعتبر إنجازا ثقافيا مهما يكمّل ما بدأه المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان، وهو ما حدد له المؤلفان قرنا من الزمن لتقديم تعريف واف لأعلام مكناس حسب منهجية الانتقاء، والتوثيق التي سلكاها في تقديم التراجم، وهو ما يعتبر إضافة هامة في مجال التوثيق لأعلام المدينة ورجالاتها.