ترأس جلالة الملك، بمعية الرئيس الفرنسي، حدث انطلاق أشغال إنجاز أول خط سككي للقطار فائق السرعة (تي- جي- في) الرابط بين الدارالبيضاء وطنجة، وقد فصلت العديد من القصاصات وتصريحات الخبراء والمسؤولين في الحديث عن الأهمية الاقتصادية والتنموية والهيكلية لهذا المشروع الضخم، وليس المهم هنا أن نعيد تكرار ذلك. الحدث، وبالإضافة إلى طبيعته المومأ إليها أعلاه، لم يخل حفل الإعلان عنه، مع ذلك، من إشارات سياسية ورمزية تستحق التسجيل هنا. إن سعي المملكة إلى امتلاك القطار فائق السرعة، خصوصا عندما نضع الأمر ضمن الصورة العامة التي تتشكل اليوم في طنجة وفي كل الشمال المغربي المتحرك، يحيل على سرعة أصبحت تميز دينامية البلاد ومنجزها البنيوي والهيكلي، كما أن نجاح المغرب في تأمين التمويلات اللازمة للمشروع يدل على ثقة العالم، عربيا وأوروبيا، في... «الاستثناء المغربي». أما الإشارة الثانية، فتتعلق بكون (التي- جي- في) جاء ليضيف للمسار الوطني عنوانا آخر يحيل على مرحلة جديدة ولجتها البلاد، وهي مرحلة لها سرعتها التي تختلف عن كل الإيقاعات السابقة، كما أنها ليست محصورة في بعد اقتصادي أو تجهيزي، وإنما تشمل الجانب السياسي والمؤسساتي أيضا، ومن ثم فإن الزمن المغربي الجديد يخلق (استثنائيته) بالقطارات فائقة السرعة، وبميناء طنجة المتوسط، وبالاستثمارات الأجنبية، وبالطرق السيارة وبالترامواي، وأيضا بكسب كل الرهانات الديمقراطية. عندما حضر الرئيس الفرنسي للمشاركة شخصيا في الإعلان عن مشروع ( تي- جي- في )، فذلك ليس فقط بسبب الرساميل الفرنسية، وإنما أيضا من أجل بعث إشارات الدعم السياسي للمملكة، ومساندة مسلسل الإصلاحات الجارية في البلاد، كما أن وجود مؤسسات خليجية في ميزانية المشروع، وحضور مسؤولين سعوديين يبين الثقة التي يكرسها المغرب لدى الأوساط المالية والسياسية العربية والدولية، وهذا يعود إلى الاستقرار العام، وإلى الإصلاحات السياسية. المغرب إذن يتحرك، وفي قضايا الإصلاح السياسي والمؤسساتي نحتاج اليوم إلى سرعة القطار فائق السرعة حتى نسير ببلادنا في مرحلة جديدة يتقوى فيها بنيانها الديمقراطي والتنموي. (التي- جي– في) اليوم يصلح شعارا للمرحلة، دون أن تعني الاستعارة أي ميل للتسرع أو للطيش، إنما للوعي بكون المرحلة تتطلب تنزيلا ديمقراطيا وجديا لأحكام الدستور الجديد، وانتخابات نزيهة ومختلفة عن كل سابقاتها، وبرلمان وحكومة قويين ومغايرين لما عرفناه، وأحزاب قوية ومستقلة، وإعلام مهني ومستقل وقوي، وقضاء مستقل وكفؤ وسريع، وإدارة حديثة ومؤهلة وسريعة، وبالتالي إصلاحات حقيقية وذات أثر ملموس في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى الحياة العامة والعلاقات في المجتمع. إن زمن (تي- جي- في) في السياسة يتطلب اليوم الانتباه إلى إيقاعات المحيط الإقليمي والدولي، ويتطلب الإصرار على عدم التراجع، ويتطلب مواجهة المفسدين والمتربصين بحلمنا الديمقراطي، ويتطلب في الأول وفي الأخير تفادي وقف قطار الإصلاح، أو جره إلى الخلف، أو إرباك سيره.