الموسيقى البديلة ستصدح في فضاء المجزرة القديمة بالدارالبيضاء شباب بأقنعة، وآخرون لطّخوا وجوههم بكلّ أنواع الماكياج والأكسسوارات. ملابس مغنّي ال«هيب هوب» الواسعة، وقصّات شعر عجيبة بين ضفائر طويلة ورؤوس حليقة، إضافةً إلى الوشوم... هذه ملامح بعض من يتحلقون كلّ عام في فضاء «ليزاباتوار» الثقافي (Les Abattoirs)، قادمين من مختلف أنحاء المملكة للمشاركة في Tremplin أشهر مهرجانات الموسيقى البديلة في المغرب والعالم العربي، من تنظيم جمعية «البولفار». تنطلق الطبعة الثالثة عشرة من المهرجان يوم غد الجمعة، وتستمرّ حتى 15 ماي الحالي، لكنّ الإعداد للدورة الحالية شهد الكثير من المشاكل، وخصوصاً بعدما بادرت (شركة اتصالات المغرب) إلى فسخ العقد الذي يجمعها ب «البولفار». باعتبارها الراعي الرسمي لهذه التظاهرة وقد راجت شائعات ترجّح أنّ الدورة لن تقام من الأساس، إلا أن المنظمين نجحوا في إبقاء موعدهم الثابت منذ عام 1999، بعد إعادة البرمجة، والتخلي عن بعض ضيوف المهرجان، والاكتفاء بفرق ستقدّم عروضها مجاناً... خلال عقد من الزمن احتلّ المهرجان موقعاً فريداً في عالم الأغنية البديلة، وبات مناسبة سنوية لاكتشاف الفرق الشابة المتخصصة في الفزيون، والروك/ الهارد روك، والهيب هوب. ويمنح المهرجان جوائزه هذا العام لستّ فرق من الهواة، ستتاح لها فرصة تسجيل أغنيتين في استوديوهات جمعية «البولفار»، كما ستُختار إحدى الفرق الفائزة للمشاركة في مهرجان دولي للموسيقى الشبابية في كندا. إلى جانب اكتشافه المواهب الواعدة، يمتاز «ترامبلان» بالفضاء الذي يقام فيه، والمعروف في العامية المغربيّة بال «باطوار». من بناء مهدّم ومعرّض للتدمير الكلي، تحولت المسالخ القديمة في الدارالبيضاء إلى مركز ثقافي يستقبل مشاريع شبابيّة مختلفة. المبنى الذي يعود إلى عام 1922، بني باستخدام الإسمنت المسلح وكان استعماله في تلك الفترة نادراً. وتحوّل ال «باطوار» خلال السنوات الماضية إلى فضاء ثقافي طليعي، يحتضن مهرجانات ومعارض وأنشطة الثقافة البديلة. وقد حرص ال «ترامبلان» على تشجيع الهواة وإطلاقهم. فخلال السنوات الماضية، مرّت على منصته مجموعات صارت رموزاً للموسيقى الشبابية خلال العقد الماضي، وعلى رأسها فرقة «هوبا هوبا سبيريت»، والرابر «دون بيغ»، وفرقة «هوسة» وآخرون. وهذه السنة أيضاً، يستقبل مجموعات بدأت تخطو خطواتها الأولى على طريق الشهرة. من العلامات الفارقة لبرنامج الدورة الحاليّة، استضافة الهارد روك السويدي مع Arch Enemy، إحدى أشهر فرق ال «ديث ميتال» العالمية. وهذا تقليد سنوي لدى «البولفار» الذي اعتاد استضافة مجموعات شهيرة في ميدان الهارد روك، كان آخرها المجموعة البرازيلية المساندة للمقاومة الفلسطينية «سيبولتورا». دورة هذا العام تشهد مشاركة فرق مغربية من الدارالبيضاء، والمحمدية، وطنجة، ومراكش، وأزمور، وسيدي قاسم، وخريبكة، مع غلبة الفرق القادمة من الدارالبيضاء خلافاً للسنوات السابقة. من ضمن المجموعات المشاركة في المسابقة، فرقة «تالفين»، التي استطاعت أن تحقّق مراتب متقدمة في مسابقة «أجيال موازين» قبل سنتين، فيما قامت أغانيها الأولى على الريغي والمزج أو الفزيون. من أبرز ضيوف المهرجان أيضاً فرقة Ribab Fusion التي تنتج موسيقى فزيون ذات جذور أمازيغية، وتعدّ إحدى أشهر الفرق الشابة الآن في المغرب. الأنواع الموسيقية الأخرى حاضرة أيضاً. في الفولك، تحضر الموسيقية الهولندية نيكول باس، التي حصلت على «الجائزة الهولندية الكبرى» لأفضل نص وأداء العام الماضي، وستصدر ألبومها الأول في الأشهر القليلة المقبلة. الرابر المغربي «موبيديك» سيقدم بدوره حفلةً خاصة. وكان المغني الشاب قد أصدر أغنية قبل أسبوعين، ينتقد فيها الأوضاع المغربية بلغة لا تخلو من الطرافة، كما يحضر باري، مغني الفيوجن المغربي، في حفلة تجمعه بفرقة الهارد روك الهولندية Ethereal. وتجدر الإشارة إلى أن إنزال الهولنديين الكثيف في المهرجان، يعود إلى شراكة بين ال «بولفار»، ومؤسسة ثقافية هولندية تعنى بالثقافة البديلة. وإلى جانب البرنامج الموسيقي، يقام «السوق الجمعوي» الذي تشارك فيه جمعيات محليّة، منها فرقة المسرح «دابا تياتر»، وجمعية «دعوة لصحوة شعب اليسار»، و«المجلس الوطني لحقوق الإنسان». وتضمّ لائحة المشاركين في السوق أصحاب ماركات لملابس الشباب، وصناعات يدوية أفريقية لملابس وآلات موسيقية، إضافةً إلى جمعيات تنظم حملات لتوعية الشباب حول أضرار المخدرات، فيما تقدّم «الجمعية المغربية لمحاربة السيدا» فحوصاً مجانية للشباب. قبل الانطلاقة الرسمية، شاركت مجموعة من الموسيقيين في سلسلة ورش عمل، أطلق عليها اسم «طرنزيك» (لعب على كلمة ترانزيت)، ضمن مشروع مشترك بين ثلاثة مهرجانات موسيقية هي البولفار، وLas Culturas Pirineos الإسباني وFesta2H السنغالي. وفكرة المشروع هي توجيه تحيّة إلى المهاجرين غير الشرعيين التائهين بين ضفتي المتوسط. ومن نتائج هذا العمل المشترك، ثماني أغنيات سيقدمها المشاركون خلال المهرجان، وتجمع بينها تيمة الهجرة السرية.