خطاب الملك، نبرات من الجرأة والإيجابية والتفاعل السريع مع مطالب الشعب في هذه الظرفية الخاصة التي لم يسبق لها مثيل، على المستويين الوطني والإقليمي، شهدت وتشهد كل أقطار العالم العربي انتفاضات من أجل الحرية والكرامة، انتفاضات مطالبة بالديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، انتفاضات روادها شباب، صمموا على القطع مع الممارسات الديكتاتورية التي سلبت منهم حقهم في الحرية والتعددية والاختلاف. والمغرب اليوم، في هذا الخضم، لم تستثنيه القاعدة، وهبت عليه رياح التغيير والإصلاح، لتجد أمامها، سياقاً سياسياً متفرداً، سرعان ما تجاوب معها. فانتفض الشارع المغربي، وانتفضت الأحزاب الديمقراطية وكل القوى الحية، وانتفض الملك بثورة هادئة يطبعها التميز في سياق تاريخي منسجم ومترابط ينم على إنصات الملك لنبض شعبه. اليوم، وقد مر أزيد من شهرين على انتفاضة الشباب، نجد المجتمع المغربي برمته وقد تملك النقاش السياسي: أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات جامعية... نبض الشارع اليوم واحد، عنوانه الإصلاح: إصلاحات دستوريةً، مؤسساتية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، حقوقية. في خطاب 9 مارس الأخير نبرات من الجرأة والإيجابية والتفاعل السريع مع مطالب الشعب، تنم عن حس ديمقراطي حقيقي لدى الملك. إنها رغبة واضحة في التخلص من قيود المحافظين والرجعيين والماضويين الذين رهنوا سياسة المغرب لمدة عقود في واقع ميزته الفوارق الاجتماعية وسيادة الجهل وانسداد الآفاق وغيرها من المظاهر التي أصبحت لا تتوافق ومغرب القرن الحادي والعشرين. إنها فرصة لوضع حد لهذا «الجيل الجديد من الانحرافات»، الذي كاد أن يعصف بسنوات من التجربة الديمقراطية الفتية التي انخرط فيها المغرب عند نهاية عقد التسعينات في إطار ما يسميه حزب التقدم والاشتراكية ب «الحل الوسط التاريخي». إنها انحرافات، تصدى لها حزب التقدم والاشتراكية ، وقليلون من كانت لهم الجرأة والشجاعة لمواجهتها. إن الاقتراحات التي شملتها المذكرة الأولية التي تقدم بها حزبنا حول الإصلاحات الدستورية والتي انخرط فيها بقوة، تنبع من قناعات راكمها الحزب خلال مساره السياسي التاريخي. وهي إصلاحات تهدف بالأساس، الاستجابة الموضوعية للحاجيات المعبر عنها من لدن المجتمع في هذه المرحلة. إصلاحات من شأنها مواكبة المشروع الديمقراطي والحداثي الذي نصبو إليه، والذي رسمنا جميعاً معالمه من خلال وثيقتنا السياسية التي صادق عليها مؤتمرنا الوطني الثامن. وفي هذا الإطار فنحن مطالبون اليوم في حزب التقدم والاشتراكية بمختلف الهياكل والتنظيمات القاعدية والموازية بتثمين تلك الاقتراحات التي علينا أن نغنيها وأن نساهم في تدقيق محتواها، دون السقوط في المزايدات أو من خلال تغليب الشكلي على المحتوى. إن من يأخد المبادرة للمطالبة بالتغيير، عليه أن يكون حاضراً في كل الواجهات والمواقع من أجل تحقيق المكاسب، ولو بالتدرج. وهذا ما تعلمناه في حزب التقدم والاشتراكية. وأستحضر هنا وبكل أسف هؤلاء الشباب الذين دشنوا مسارهم السياسي بالمقاطعة، وجعلوا أنفسهم خارج السياق المؤسساتي للتغيير. علينا ألا نغفل أن هناك قوى سياسية محافظة، مؤثرة في المجتمع، لم ترق اقتراحاتها إلى مستوى ما جاء به خطاب الملك، ستحاول بكل ماتمتلكه من قوة أن تقلص ما أمكن من الجنوح التقدمي للمشروع وأن تضفي شكليات ورتوشات عليه، تجعل من مبادرة الإصلاح إصلاحا شكليا حتى لا يلامس الواقع المغربي وقضايا الشعب الحقيقية حفاظا على مصالحها. وللتصدي «لجيوب المقاومة» هاته، علينا أن نوحد صفوفنا ككيان حزبي أولاً، وكقوى يسارية وتقدمية، وأن نظل يقظين خلال هذه المرحلة الحساسة وأن نكتسح الشارع ونستمع إلى نبضه. وعلينا أن نفتح أبوابنا لشباب الحرية والتقدم وأن ننفتح أكثر على المجتمع. وإذا كانت التلقائية هي السمة القوية التي ميزت هذا الحراك السياسي والاجتماعي ببلادنا، دون أي مخطط مسبق، فإن هاته القوة تكاد تتحول إلى ضعف في غياب حد أدنى من التنظيم والتنسيق والتناغم داخل مكونات تلك الحركات الاجتماعية الشبابية منها خاصة. وهذا الضعف يتجلى في الانقسام الذي يمكنه أن يحصل، والانقسام بطبيعته المطلقة هو عدو للانتقال والتقدم. وهنا يأتي دور الأحزاب الجادة في تأطير هذه المرحلة ويبقى دورالمؤسسة الملكية هنا حاسما في رعاية هذا الإصلاح باعتبارها مؤسسة حكما وهذا ما يمكن تسميته «إصلاح النظام بالنظام». إن الإصلاحات المرتقبة والتحولات التي ستواكبها، تتطلب لا محالة رد الاعتبار للعمل السياسي والنهوض به، عبر إعادة النظر في العمل الحزبي بإعطائه الوسائل الكفيلة لإعادة الثقة والمصداقية إليه، وتمكينه من الاضطلاع بدوره في تأطير وتمثيل المواطنين ومن التنافس السياسي الشريف من أجل الوصول إلى الحكم. إن حزبنا – حزب التقدم والاشتراكية- الذي كان سباقاً، كعادته، إلى تبني سياسة قوامها: الانفتاح والديمقراطية الداخلية والشفافية وتجديد النخب وتشبيب الهياكل وفتح المجال أمام الطاقات والكفاءات الخلاقة للنضال داخل صفوفه، يوجد اليوم في وضعية مريحة. تلكم الوضعية، التي علينا أن نستغلها أحسن استغلال، عبر انخراط واسع لرفيقاتنا ورفاقنا في حياة الحزب وبخاصة أعضاء اللجنة المركزية، وكذلك من خلال استمرارنا الدؤوب وسعينا الحثيث إلى تحديث وتطوير آلياتنا التنظيمية والانتخابية والتواصلية والتكوينية والمالية، وفي جعل عملنا أكثر احترافية وأكثر نجاعة وفعالية. سنكون إذا صرنا على هذا المنوال من رواد المرحلة المقبلة التي ستدخلها بلادنا وسنسعى فعلاً آنذاك إلى تحويل أفكارنا إلى تقدم. عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية