حين تحضر مصطلحات الجغرافيا بكل ثقلها، وحين يراقص البحر البر، تطل الشمس على الأرض، يعانق السحاب السماء، هنا نتسلق جغرافيا من نوع جديد، بتساؤلات جديدة مبتكرة، وهنا تصبح القصيدة لها دلالات أخرى، وأفكار كثيرة مبتكرة. كم تختال قصيدة بيننا وتسير بشموخ حين تكون ما تحمله من أفكار يدعو إلى الكثير من التأمل في الكون، حركته ومدى جنوح مكوناته، القصيدة ضاجة بأفكار تخاطب العقل، بل أن شاعرنا يستعمل كلماته كوخز إبرة لنرى العالم بشكل مختلف، عن طريق صور شعرية ابتعدت عن المألوف العادي، المكرر الممل، الذي يُجتر ألان في العديد من قصائد الشعراء. كم يحمل هذا البر فوق ظهره من معاصي هذا الكون، كم يحمل على عاتقه من ذنوب البشر. لم نسأله قط ولكن سألته القصيدة وسأله جنون شاعر لا يتوقف قلمه عن التنقيب عن أفكار مجنونة ورؤى مختلفة لأشياء تعودنا عليها، ولكن شاعرنا التيجاني المبدع صورها بشكل مختلف حد الدهشة الكبرى. كتب الكثير عن معانقة وملامسة البحر للشط، حين امتداد الموج، حين ارتطامه بالصخر كلنا صور الثلج على قمة جبل ولكن ليس كما رآها الشاعر: واش البر عاصي؟ بما يحمله فوق أكتافه مجنون بتمرده أمام نقيضه البحر الممتد بحركاته مد جزر وموج.. هل بحر غاضب ؟ لا يتوقف طمعه ولا يُملأ جوفه واش البر عاصي…؟ ولا البحر هو اللي طماع…؟ هنا نبدأ ملحمة التساؤلات الغريبة التي ستنفتح عليها عيوننا ،وسنتأملها وهذا هو الممتع في هذه القصيدة التأملية. و البر ب ألوانه خرج من الإيقاع وخرج من رتابة استهلكناها سنينا وأصبحنا نبحث عن الجديد الذي يأسرنا بألوانه رؤيته ،بشكله ،برقيه، وحين تمتزج عذوبة الشعر مع صورة شعرية متقنة نكون قد ربحنا الكثير من الاستمتاع باللذة، لذة النص المتحرك النابض بحركة هذا العالم / نكون أمام قصيدة شاعرنا الملهمة بعنوان: مد وجزر واش الموج بوسات على خد الشط…؟ يعانق الموج شط البحر، يهمس له، أخيرا التقينا، سنستريح لحظات معا، لا يعرف سرنا إلا شاعر يراقبنا من بعيد. بقدر ملامستنا عناقنا، هناك وجه آخر نخبئه مليء بتناقضات اللي كلاه البحر ف الصباح مد يردو ف العشية جزر من جوعو البحر ياكل من البر بين بر وبحر هل هي عداوة؟ هل هو تلاحم؟ هل هو إيقاع الكون الذي يفرض هذه العلاقات؟ واش واش واش …علاش علاش واش لم تكن تطرح اعتباطا ولكن فلسفة كون كبيرة اكبر منا علاش هي نافذة فتحت هي وقفة أمام جمال هذا الكون الذي يأسرنا هذه الأضداد في العالم بر بحر جو بقدر ما هي مختلفة بينها ،هي متكاملة في تنسيق غريب لا يعرف كنه إلا خالقه علاش كل يوم يغذيه إلى كان البر خارج على الطوع علاش كل يوم يكب ف البحر بأنهار و وديان..؟ واش البر خايف لايذوب الثلج و يرجع واش كنا حوت و على البحر تمردنا …؟ .. ولا ولاد التراب ومن التراب خرجنا غرابة هذا الإبداع الكوني وغرابة أسرار هذا الكون الذي لازال العلماء يجهلون الكثير عنه، هو الذي فتح باب السؤال والخيرة التي انتقلت إلى مبدعي الزجل وفتحوا الباب على مصراعيه، وهاهو شاعرنا ينجح في حملنا على التفكير، التعجب، التساؤل، الحيرة ولكن يحملنا إلى أن نعشق القصيدة المتجددة في مواضيعها وفي مفردتها الشعرية. وهذاك الثلج اللي لهيه على راس الأرض واش اسير حرب شادو البر و حاكم عليه…؟ ولا سلاح من البحر كل يوم يهدد بيه.. جمال قصيدة شاعرنا التيجاني الدبدوبي “مد وجزر”، تكمن في ذلك التسلسل المنطقي لأسئلة كونية بدأت تهتم بها القصيدة الزجلية التي أصبحت تطرح إشكاليات كونية بعيدا عن مواضيعها الاعتيادية، الغارقة في المحلية والذاتية والتكرار الممل إلى حد العدم. الان نحن أمام قصيدة الكون وتناقضاته قصيدة العالم ومكوناته قصيدة السؤال عن الوجود ودورنا فيه قصيدة الضوء والنور و إحنا اللي هو ما حنا واش كنا حوت وعلى البحر تمردنا …؟ و هداك السحاب اللي تايسحاب ليه راسو سرق من البحر جغيمة و للبر هداها مدرسة القصيدة الكونية الآن أصبح لها روادها، مدرسة فتحت نوافذ جديدة للزجل، رؤيا مختلفة، يقودها شاعرنا المنظر الحكيم الأستاذ إدريس مسناوي، وثلة من شباب المبدع قاسم البريني، يوسف المساوي، إبراهيم ازنيدر، وطبعا شاعرنا المبدع التيجاني الدبدوبي الذي نقوم الآن بقراءة لأجمل قصائده التأملية قصيدة السؤال، قصيدة الفكرة قصيدة الصورة الشعرية التأملية. الشاعر المبدع التيجاني، وهو يشق طريقه في عالم الزجل، بخطوات مدروسة رزينة، وبانفتاح على تجارب الآخرين ليعمق تجربته الذاتية. ديوانه الأخير”وقتاش” شاهد على إبداعه المتميز وننتظر الجديد منه قريبا بنفس دهشة هاته القصيدة.