دخلت شوارع إقليم كردستان العراق مرحلة الصمت الدعائي للاستفتاء المقرر يومه الإثنين، بانتشار عسكري وأمني واسع غير مسبوق، لأكثر من 100 ألف عنصر من «البشمركة» و»الأسايش» (أمن كردستان)، بمشاركة متطوعين مسلحين وأعضاء من الأحزاب المؤيدة للانفصال، في ظل مخاوف حقيقية من اشتباكات ومواجهات في المناطق المتنازع عليها بين العرب والتركمان من جهة، وقوات «البشمركة» من جهة أخرى. ووسط استعدادات الإقليم، التقى رئيس الأركان العامة التركي خلوصي أكار، يوم السبت الماضي، نظيره العراقي عثمان الغانمي في العاصمة أنقرة، وتباحثا، وفقاً لوكالة «الأناضول»، بما وصفاه «التدابير التي ستُتخذ من أجل حماية وحدة التراب العراقي، والمكافحة المشتركة للإرهاب». مع العلم أنه تمّ تداول أنباء عن مقاطعة حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» الاستفتاء في كركوك. وظهرت أجواء أقرب إلى الحرب الحقيقية في البرلمان التركي، يوم السبت، لدى مناقشة تمديد مذكرة التدخل العسكري في كل من سورية والعراق. ووفقاً لمفوضية الاستفتاء الخاصة بالإقليم، فقد تم تجهيز 12 ألف صندوق اقتراع، موزعة على ألفي مركز اقتراع في محافظاتالإقليم الأربع، أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة، فضلاً عن المدن والمناطق المتنازع عليها مثل كركوك وسهل نينوى ومخمور وسنجار ومندلي وخانقين وكلار وبلدات أخرى ذات خليط عربي تركماني كردي وآشوري. وتُفتح صناديق الاقتراع عند الساعة 7 صباحاً، وتُقفل عند الساعة 5 مساءً. ويحقّ ل 5.2 ملايين شخص الاقتراع، علماً أن إقليم كردستان يضمّ 3.5 ملايين نسمة، إلّا أنّ شمول المناطق المتنازع عليها زاد من عدد الناخبين، في سهل نينوى شمالي الموصل، والتي يبلغ عدد سكانها 750 ألف نسمة من العرب. كذلك سُجّل غياب الأممالمتحدة وكل منظمة غربية في مراقبة عملية الاقتراع، رغم توجيه حكومة الإقليم دعوات رسمية لها، إلّا أنّ 10 منظمات يمينية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، فضلاً عن منظمة إسرائيلية مشاركة في العملية، حسبما أكدت مصادر خاصة من داخل مفوضية الانتخابات، فيما منحت حكومة الإقليم ترخيصاً مفتوحاً لجميع وسائل الإعلام الأجنبية والعربية لتغطية عملية الاقتراع. وانتشرت قوات كردية مدججة بالسلاح في المناطق المتنازع عليها، ووزّعت منشورات محذّرة من أن «أي إخلال بالأمن في يوم الاقتراع سيتم التعامل معه بحزم»، في وسيلة اعتبرت ترهيباً للسكان، وسط مخاوف من توترات أمنية في مناطق عدة على تخوم الإقليم. بدوره، أكد مسؤول سياسي رفيع في بغداد، أنّ «رئيس الحكومة حيدر العبادي عقد اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين والسلطة القضائية والقادة العسكريين لبحث آخر تطورات الاستفتاء»، مبيناً أنّه «درس احتمالات المرحلة المقبلة، والتي تعد من أخطر المراحل التي تمر بها البلاد». وأوضح المسؤول أنّ «الخيار العسكري مطروح على طاولة مباحثات العبادي، إذ إنّ رئيس الإقليم بإصراره على رأيه ضرب هيبة الدولة العراقية، واستطاع من خلال ذلك أن يخرج من سلطة الدولة العراقية ويتمرّد عليها وعلى قرارات المحكمة الاتحادية، الأمر الذي يفتح الباب أمام صراع جديد في البلاد». وأكد أنّ «زيارة الوفد الكردي لبغداد لن تغير أي شيء بشأن الاستفتاء، إذ إنّ الزيارة متأخرة جداً، ولا فائدة منها، والوقت لا يتسع لأي اتفاق جديد يغير من شأن الاستفتاء». وأشار المصدر إلى أنّ «العبادي وجّه بتحريك قطعات عسكرية نحو كركوك، ونحو الحويجة التابعة لها، وأنّ تلك القطعات وأعدادها الكبيرة تشي بنية عسكرية غير مبيتة، الأمر الذي يجعل من الخيار العسكري خياراً غير مستبعد في هذه المرحلة، وهو من أصعب الخيارات، والذي ستكون له تداعيات وخيمة على البلاد في حال أجبرت بغداد عليه». وعدّ مسؤولون عرب عن محافظة كركوك نتائج الاستفتاء، بمثابة «إعلان حرب»، وقال النائب عن المحافظة محمد تميم، في بيان صحافي، «سنتعامل مع نتائج الاستفتاء في كركوك على أنّه احتلال وإعلان حرب». ومما زاد من احتمالات المواجهة العسكرية في كركوك وفي المناطق المتنازع عليها، هو وجود مليشيات «الحشد الشعبي» في بعضها وعلى مقربة من أخرى، إذ إنّ أغلب فصائل المليشيات حرّكت قواتها نحو كركوك ومندلي وخانقين وبدرة وسنجار وسهل نينوى والبعاج والطوز وغيرها من المناطق المتنازع عليها الأخرى. وأعلنت مليشيا «العباس»، وهي جزء من «الحشد»، في بيان لها، عن «استدعاء ألفي مقاتل من عناصرها الاحتياطيين إلى كركوك»، فارتفع عدد مقاتليها في المحافظة إلى 3500 مقاتل، منضمة إلى فصائل الحشد الأخرى، وهي أرقام كبيرة جدا قياسا بمعركة الحويجة وهي بلدة صغيرة. بالتالي اعتبر مراقبون أن الخطوات العسكرية هذه «مؤشر على إمكانية دخول بغداد وأربيل مرحلة صدام عسكري في كركوك والمناطق المتنازع عليها». في هذا السياق، رأى الخبير السياسي أحمد عبد الرحيم، أنّ «إصرار (رئيس الإقليم مسعود) البرزاني على إجراء الاستفتاء وضع البلاد أمام خيارات صعبة للغاية»، مبيناً أنّه «على الرغم من أنّ الموقف القانوني بالنسبة لبغداد واضح، وهي تستند إلى القانون وقرارات السلطة القضائية برفض الاستفتاء، إلّا أنّ الخيار العسكري خيار محتمل جدّاً». وأضاف أنّ «هناك تحاملاً من بين القوات الكردية ومليشيات الحشد، والتي لا يمكن السيطرة عليها، الأمر الذي يفتح باب الصدام على مصراعيه في المناطق المتنازع عليها، ومنها كركوك»، مشيراً إلى أنّ «الخيار العسكري لا يصب بصالح البلاد، وأنّه سيدخلها في مرحلة خطيرة جدّاً لا تقل خطورة عن مرحلة داعش». ولفت عبد الرحيم إلى أنّ «البرزاني لن يتراجع عن الاستفتاء، وأنّ توجهه هو توجه الشخص الذي لا يمتلك شيئاً يخسره، ويحاول كسب الشعب الكردي من خلال هذا التوجه الخطير، والذي يحظى بتأييد الشعب الكردي». وضمن الخطوات السياسية، أصدر وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري قراراً ب»إيقاف مهام أي سفير عراقي كردي يشارك باستفتاء الإقليم، وتكليف الشخص الثاني بالسفارة بالقيام بمهامه رسمياً». في الوقت عينه، دعا قادة التحالف الوطني الحاكم في البلاد، رئيس الحكومة إلى «اتخاذ قرار يجمّد كل المواقع القيادية الكردية الداعمة للاستفتاء». وقال النائب عن التحالف، صادق اللبان، في بيان صحافي: «أدعو العبادي والحكومة العراقية ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية إلى تجميد المواقع القيادية التي يشغلها الأكراد الذين لم يرفضوا الاستفتاء». وأضاف أنّ «التزام المسؤولين الأكراد جانب الصمت إزاء الاستفتاء يعد تواطؤاً أو موقفاً خجولاً، ويتحتم علينا حماية حقوقنا وسيادتنا». كذلك أطلقت تركيا تحذيراً وصفته ب «الأخير» لإقليم كردستان من مغبة إجراء الاستفتاء، وقال المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، إنّ «تركيا تدعو إقليم كردستان للمرة الأخيرة، لإلغاء الاستفتاء»، مؤكداً أنّ «الاستفتاء يهدّد أمن تركيا القومي بشكل مباشر». ولم تكن الأجواء في تركيا بعيدة عما يشبه إعلان الحرب، أكان في التصريحات السياسية أو في الإجراءات الحدودية. وقد رفعت الأركان التركية من مستوى المناورات التي بدأها الجيش التركي على الحدود العراقية، في منطقة سيلوبي التابعة لولاية شرناق، والتي تواجه منطقة زاخو في إقليم شمال العراق. وقال رئيس الحكومة بن علي يلدريم، رداً على سؤال عما إذا كان القيام بعملية عسكرية أحد الخيارات المطروحة على الطاولة التركية، إن «هذا طبيعي للغاية، الخيارات الأمنية والاقتصادية والسياسية موجودة، لكن أي منها سيدخل حيز التنفيذ؟ هذه مسألة توقيت، سيحددها تطور الظروف». ووصلت حدة الكلام التركي إلى مستوى قول يلدريم: «حذرنا البرزاني، ولكنه لا يفهم الكلام، نستطيع تحدث اللغة التي يفهمها». كما حمل كل من بيان مجلس الأمن القومي التركي وتصريحات المتحدث باسم رئاسة الوزراء التركية، بكير بوزداغ، إشارات متعددة إلى عدد من الاتفاقيات التي وقع عليها كل من العراقوتركيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي توضح الحدود المشتركة بين البلدين، وتضبط آلية التعاون ضد أي تمرد في جانبي الحدود. وفي رده على كون القيام بعملية عسكرية على الجانب الآخر أحد الخيارات المطروحة على الطاولة، قال يلدرم: «إن هذا طبيعي للغاية، الخيارات الأمنية والاقتصادية والسياسية موجودة، لكن أي منها سيدخل حيز التنفيذ هي مسألة توقيت، سيحددها تطور الظروف».