لازلنا نتذكر القرار الحكيم والشجاعة الملكية في الاهتمام وإرسال طائرة من أجل طلبة المغرب في مدينة ووهان، التي انطلقت منها أول الصور للعالم تعرض حالة المصابين بكورونا، والتي تحولت من وباء إلى جائحة عالمية في أشهر معدودة. لقد كان القرار الملكي في ظرف لم تصل فيه المأساة الإنسانية لما نعيشه اليوم على مستوى ثلاثة دول من الدول المتقدمة في العصر الحديث ايطاليا وإسبانيا وفرنسا وبشكل اقل ألمانيا وانجلترا قرارا استباقيا استبصاريا رحيما بطلبتنا في الصين. بدأت بعده عملية و مسلسل منتظم فريد وهادئ. داخل المغرل، فقد عرف عن شخص الملك انه يفضل قليل الكلام مع الحرص على الانجاز بذكاء وصمت وهدوء، من هنا سنتناول الوعي المغربي ملكا وشعبا ومؤسسات الذي رافق هذه الجائحة بمستويات ثلاثة وتجليات متعددة. لقد ظهر ذكاء القيادة في تنزيل الحجر الصحي، من حيث طريقة التنزيل والفواصل الزمنية وتفعيل المؤسسات، فعلى المستوى العلاقات الخارجية والدولية، أغلقت الحدود في الزمن المناسب د، رغم ما ترتب عنها من كلفة اقتصادية، ودفبناء على اكتشاف الحالة المصابة في كل بلد أو انطلاقا من الحالات المكتشفة من المغاربة القادمين من البلدان المصابة، اتخد المغرب قراراته واثبت سيادته على مجاله الجوي، والبحري، والبري، مع مراعاة مصالح ومشاعر حسن الجوار. فقد كانت الآلة الديبلوماسية تشتغل بتنسيق من أجل الإغلاق الحدود و تتفيذ الأمر في وقته وزمانه. القرار الثاني ويتعلق بأكبر كثلة بشرية مجموعة داخل بنايات وفي زمن يمتد من السادسة صباحا الى الثامنة مساء، حيث تمثل هذه الكتلة العمق الاستراتيجي الديمغرافي للمغرب، واصابتها لا قدر الله ستكون كارثة بكل المقاييس، وهم الطلبة والطالبات والتلاميذ التلميذات ومع هم الألف الموظفين والموظفات و نساء ورجال التعليم اي حوالي ثلث المغاربة، فتوقف الدراسة وإغلاق المؤسسات كان قرارا استباقيا استبصاريا، نظرا لكثافة وعدد الفئة المستهدفة، حيث لن ينجو بيت من بيوت المغاربة من الإصابة لو بقي نظام التعليم يمارس مهامه وعمله بشكل عادي. تعتبر عملية إغلاق المساجد قرارا حكيما مستقلا مؤسساتيا، بحيث أصدرت الفتوى بأركانها، وشروطها وسياقها، وأغلقت الباب عن كل جدال أو فتنة أو تنطع وروعي فيها التعليل والاستشهاد والمقصد من الإغلاق، وما رافق ذلك من جد إيجابي على معظم دول العالم الإسلامي من اقتداء واهتداء حيث إن المغرب نظم فعل الافتاء، ولاحكم لشارد جاهل سمى الأمر أن اغلاق المساجد يجعل من المغرب أرض حرب، وقد تعاملت السلطات بمنطق دولة القانون، واحد القضاء مجراه لتقول العدالة كلمتها. أما على المستوى الاقتصادي والأمني فقد تمت العملية بطريقة تدريجية ومتلازمة، فإلى جانب طمأنة المغاربة بتزويد السوق بكل الحاجيات، بعث رسائل عبر جميع الوسائل المتاحة والتي اشتغل فيها الاعلام بروح وطنية وحس مسؤول على عدم نشر الهلع والجزع، لقد كانت عملية البيانات تحمل منطق المراحل و تنزيل الحجر الصحي بهدوء ويقضة. لقد كانت وزارة الصحة على الرغم من محدودية إمكاناتها خاصة في مواجهة مثل هذا النوع من التحدي، المتمثل في وباء كورونا ملتزمة بالشفافية، ورصد الحالات وتتبعها ، كما اظهر طاقمها توعية نوعية ورسائل لا تحمل لغة الفزع والتخويف ولاكن لا تكفي حجم وخطر ما يحدق بنا، بل حرصت على تدريب المغاربة على الوقاية و تحمل المسؤولية الجماعية. مااشرنا إليه هو ما يبدو على السطح ويمكن أن يلمسه اي مواطن ومواطنة بدرجة متفاوتة، غير أن هذا الأمر رافقه ميلاد أفكار انطلقت من عمق هذا الوطن ومعذنه هذا العمق الذي يسكننا والتي تبقى روحه وقيمه ساكنة في الوعي و المخيال الجمعي، وستبقى حاضرة لبناء المستقبل، أو هو اسمنت بناء هذا الشعب، تتجلى هذه القيم والتي بدأت تأتي أكلها وستأتي أكلها بإذن الله في المستقبل و المتوسط والبعيد. أولها وأقواها هي قيمة التضامن، فقد كان قرار جلالة الملك بإحداث صندوق للتضامن ضد هذه الجائحة، وإعطاء القدوة من خلال التبرع بمليارين من الدراهم من ماله الخاصة إشارة سامية صامة حكيمة و عمل نبيل لبعث برسالة مفادها أن الأزمة الاقتصادية يتابعها مباشرة أزمة اجتماعية الأمر الذي يستوجب حلا لها في القريب العاجل وان هذا الحل بيد الشعب المغربي وانا اولكم في الامر، لقد انطلقت هذه القيمة وهي تشع وتسطع بين أفراد المجتمع، بل أصبحت بابا من أبواب الفضل، و الخير بين المغاربة وشعارها الضمني من جلالة الملك ” لنتنافس بيننا كل على قدره واستطاعته” القيمة الثانية التي اكتشفها الوعي المغربي مع كورونا، تتمثل في إعادة تنظيم المجتمع وفق الانضباط والالتزام والاصطفاف، فلا ننسى أن الواقع الاجتماعي يؤكد أن عملية التربية على هذه المفردات الثلاث انطلقت مع عملية فتح باب التجنيد، فقد عبر كثير من الشباب أن التحاقهم بالجيش الملكي لأداء الخدمة العسكرية قد أعطت معنى لحياتهم د، من هنا يمكن ربط الخاص على العام، فقد اصبحنا أمام فرصة إعادة ترميم المجتمع، على هذه القيمة المتمثلة في التدريب على الانضباط للامر د، فالحجر الصحي يفرض بالطبيعة والضرورة الانضباط والالتزام و و يسهل مع الانضباط التكوين والوعيى بقيمة مرادفة لها ومتممة لمعناها د، انها قيمة الوعي فالثقة في العلم د، وسحب الثقة من الخرافة والشعوذة والأساطير والجهل، ليس من السهل زرعها في المجتمع، أو توطينها، والقضاء على أفكار الجهلة ودعاويهم، وعلى رأس الجهل صناعة الكذب والافتراء، وزرع الوشاية الكاذبة، والدفع بمئات الفيديوهات التي تهدف إلى زرع الرعب والفزع والخوف في المجتمع، من هنا نستحضر القيمة الرابعة وهي قيمة الثقة في المؤسسات والبلاغات الرسمية و معطيات وزارة الصحة، إنه أمر يدخل في بناء الوعي العام المغربي، لقد وصل منسوب الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة قبل جائحة كورونا أمرا مقلقا وأثر ذلك على المشهد السياسي بالعزوف، والثقافي بالغياب من طرف النخب، والاقتصادي والاجتماعي وتجليات كثيرة أهمها جمود في الاستثمار وهيمنة ونزوع الشباب نحو الهجرة بكل أشكالها سواء السرية في صفوف الشباب دون الشواهد اووالعلانية في صفوف الاطر وحملة الشواهد العليا ، من هنا فهذه المحنة اي جائحة كورونا جاءت لتخلق تحديا يتجلى فيى مد الجسور بين المجتمع ومؤسساته من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى، وقد ظهرت بعضىتجلياته سواء في المؤسسات الأمنية بكل أجهزتها، أوالمدنية مثل وزارة الصحية في ما تمد به من معلومات وإجراءات أو وزارة التربية والتعليم بكل مستوياته.د، في تسابقها مع الزمن لربح هندسة للتكوين عن بعد، القيمة الاخرى تتجلى في الذكاء الجماعي أو روح الفريق، فقد ظهرت روح التطوع والمساعدة بين المغاربة بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والمهنية والثقافية، مما يدل على أن هناك رصيد من الوطنية تسعى وتوجد داخل مختلف الطبقات الاجتماعية، ليس فقط هناك إرادة للتعبير عنها، وإنما السعي لتنزيله واستحضارها عمليا وليسا وهما، فقيمة التطوع يجب رعايتها في المستقبل، وتطويرها والتكوين فيها، بمهنية، وتحويلها إلى رصيد وطني يوظف عند الحاجة وفي الطوارىء. لقد ساد نوع من الصمت الذكي داخل الطبقة السياسية في هذا الظرف العصيب، فقد اعتبر الوعي السياسي العام أن اللحظة لا تحتاج للمزايدات أو الاستغلال أو تصفية الحسابات وهو ارتقاء بالفعل السياسي و تحريره من الشوائب والجزئيات او الجدال العقيم، والقيمة التي يمكن تطويرها، هي كيف نجعل السياسة تنافس في البرامج، او كيف يمكن ممارسة السياسة بسمو وطني، وان منطق الصراع الأعمى والاقصائي أو الاغتيال السياسي والمعنوي لا يرتقي بالفعل السياسي، وان المزايدات باسم الوطنية أو النزاهة أو الاستقامة على اساس أن أحد الأطراف يمثلها والآخر خصومها لغة لا مستقبل لها، ولن تمثل حلولا لمشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية ويمكن القول أن قيمة ممارسة السياسة بمسؤولية ستكون جزءا من الوعي الذي استحضره الفاعل السياسي مع كورونا بشكل ملموس وان كان موجودا بنسبة متفاوتة عند السياسيين بغض النظر عن اللون أو الحزب السياسي. القيمة المسؤولية لن تنتشر وتسود في مجتمعنا الا عبر فاعل سياسي يمارسها ويؤمن بها وهي سابع قيمة ظهرت في الوعي المغربي مع كورونا. لقد اكتشف كثير من المغاربة انه ليست هناك حلول فردية لمشاكلنا، و أن قيمة روح الفريق هي سفينة النجاة لنا جميعا ومن هنا وجب التإكيد أن هذا الإحساس هو الغالب. لا يمنع ذلك من القول أن فردا واحدا إذا غلبته انانيته استحوذ عليه جهله، وأراد أن يتمرد على الحجر الصحي فإن المنظومة الاجتماعية تصبح مهددة بكاملها، فلو افترضنا أن مجموعة قليلة من الأشخاص تركت لجهلها و خرقت سفينة الوطن فإننا سنغرق جميعا، وما وجد القانون الا ليضرب على يد هؤلاء الجهلة، إن افضل الحلول الاجتماعية والاقتصادية هي التي يستطيع شعب بكامله المساهمة في إيداعها و تنزيلها وتنفيذها. لقد عرت كورونا على مسلمة وبديهية والتي تتمثل في كون العلاقات بين الدول في الرخاء ليست مشابهة للعلاقات في الشدة، فلقد لقي كثير من نداء ايطاليا وإسبانيا استجابة ضعيفة من دول الجوار، ان الدرس والعبرة الملموسة والواقعية انه مطلوب منا مغاربة نساء ورجالا العيشةبثقافة الانفتاح والتعاون و أن نبني ونساهم في تقوية بلدنا وان مفهوم Etat Nation لازال قائما وحقيقة الى زمن ليس باليسير إن الوعي المغربي كان عبر التاريخ تشكله اربع مصادر أساسية ذاكرته التاريخية تجاربه عند المواجهة لعدو يهدد وجوده وكيانه روحه الوطنية التي قد تعرف نوما شتويا وجيزا ولكنه يستيقظ منها عند الواجب وانفتاحه المتوازن فهو لا يتعصب لهويته، ولا يفرط في مقوماتها. أن الدرس التاريخي الثابت في البلاد أن الملك بشعبه والشعب بملكه هذا الترابط تعرض للاختبارات تاريخية كثيرة، وانتصر فيها هذا الوعي المشترك فالتبادل الذكي والتنفيذ الجماعي صمام أمان وبقاء، ومن شك فليسأل معركة وادي المخازن و معركة الاستقلال ونموذج المسيرة الخضراء واليوم التضامن بكل أشكاله أمام جائحة كورونا، على سبيل الدرس والعبرة، قد يقول قائل لازالت هناك مجموعات لم تستجب بالشكل المطلوب ولم تظهر عليها هذه القيم، وطلبنا أنها قلة ستزول مع الايام وحسبي أنها معدودة، واننا جميعا قادرون على ردها إلى جادة الصواب فلن نترك السفينة تغرق ولو اقتضى الأمر بالاخد على يدها. *أستاذ التعليم العالي بفاس