راجت خلال الأيام الأخيرة مجموعة أخبار مقرونة بتحليلات مرتبطة بحدث الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي كوهلر أمام أعضاء مجلس الأمن بخصوص نزاع الصحراء ،وذهبت هذه الأخبار والتحليلات إلى القول بأن كوهلر يدفع بخيار “وسط” بين ما يقدمه المغرب وما يقول به البوليساريو، ويتمثل هذا الخيار حسب العديد من المواقع والمحللين في “نظام الكونفدرالية”، ولايوجد لحد الآن مصدر رسمي ينسب هذه الأخبار للمبعوث الأممي، فان الأمر يقتضي التوضيحات التالية: اولا، إن الكونفدرالية نظام يكون بين الدول، وليس بين كيانات وهمية ودول، فالكونفدرالية اتحاد بين دول تتخلى عن جزء من اختصاصها لأجهزة توضع من طرف هذه الدول التي تختار النظام الكونفدرالي عن طريق معاهدة أو اتفاقية دون التخلي عن سيادتها، وهنا اوضح للذين يروجون لهذا الطرح كونفدرالية بين من ومن؟ فالكثير لاينتبه لخطورة هذا الطرح الذي تروج له الجزائر وتنسبه للمبعوث الأممي بأنه محاولة جزائرية لجر المجتمع الدولي إلى النظر للبوليساريو ك”دولة” وليس كيان وهمي انشأته الجزائر فوق أراضيها وظلت تبحث له عن الإعتراف، وبوصول المغرب اليوم إلى نقطة أنه لن تكون هناك مفاوضات إلا مع الجزائر انطلقت السلطات الجزائرية في هذه الحرب النفسية الجديدة التي تنتقل من مقولة تقرير المصير إلى مقولة الإتحاد الكونفدرالي، ثانيا، إن الطرح المزعوم المسمى ب”الحل الكونفدرالي” يهدف إلى التغطية على مقترح الحكم الذاتي الذي يتردد في قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، وهو الطرح الذي يجد سنده الشرعي والقانوني في ميثاق الأممالمتحدة مادمت الأممالمتحدة نفسها قد وضعت منذ البداية الصحراء ضمن الأقاليم الستة عشر غير المتمتعة بالحكم الذاتي، ويبدو أن التحول الذي يعيشه الملف بمواقف الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي بتقديم الأولى برصد مساعدات مالية بانتظام في ميزانيتها لتنمية الأقاليم الجنوبية وتجاوز الثاني لقرار محكمة العدل الأوروبية في اتفاقية الصيد البحري وقبوله بالسيادة المغربية كاملة بدون تحفظ، هذه التحولات جعلت الجزائر تبحث عن صناعة إشاعات جديدة ونسبها إلى كوهلر قبل أن ينطلق في جولة ما بعد إحاطة مجلس الأمن، ثالثا، تحاول السلطات الجزائرية والبوليساريو بناء مشهد، لم تنتبه فيه إلى التناقضات الموجودة حاليا في النظام الدولي، فهي تحاول بناء موقف واحد من قضية الصحراء يجمع الروس الأمريكيين ،وهي المسألة غير الممكنة، فالجزاىريون وجبهة البوليساريو يروجان في نفس الوقت لأسطورة عودة بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي وإمكانية تأثيره في نزاع الصحراء ووقوفه ضد فرنسا، هذا الموقف الذي يبدو من خلاله أن البوليساريو والجزائر لايعرفان جيدا أن السياق الأول الذي اشتغل فيه بولتون كسفير للولايات المتحدةالأمريكيةبالأممالمتحدة ليس هو السياق الذي يتحرك فيه بولتون كمستشار للامن القومي للرئيس الأمريكي ترامب ،أضف إلى ذلك أن المشهد الذي تحاول الجزائر الترويج بالقول بوجود دعم روسي للجزائر في ملف الصحراء ومحاولة التمويه بوجود تقارب أمريكي روسي في النظرة إلى هذا النزاع، لاينتبه إلى أن الأمريكيين يدركون خطورة إيجاد الروس لموطإ قدم في هذا النزاع، فالأمريكيون يدفعون ثمن خطئهم الذي سمح الروس بالوصول إلى شرق المتوسط ويضعون اليوم خطوطا حمراء أمام وصول الروس إلى المحيط الأطلسي، في حالة ارتكاب الأمريكيين لخطإ مواجهة فرنسا وإضعاف دورها في تدبير نزاع الصحراء ، لكل هذه الأسباب المختصرة، يجب الإنتباه إلى أبعاد ما تروجه الجزائر بخصوص أسطورة “الحل الكونفدرالي” التي لا يقبلها لا عقل التحليل الدستوري ولا عقل التحليل في القانون الدولي ولا يمكن لعقل التحليل الاستراتيجي بدوره القبول بها. *منار السليمي أستاذ جامعي في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس