في ظل التحولات والتغيرات التي شهدتها العشرية الأخيرة من القرن الماضي، دخل المغرب سلسلة من التحديات السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية، خاصة بظهور التكتلات الاقتصادية و انفتاحها على الأسواق العالمية و تحريرها، بالإضافة للثورة التكنولوجية السريعة التي ساهمت في تحقيق “عالمية السوق”، بحيث لم يعد هناك سوق وطنية أو إقليمية كل هذا التأثير استوجب الاهتمام بضرورة التسويق بصفة عامة و التسويق الترابي بصفة خاصة[1]، نتيجة التنافسية الشديدة للسوق. و في إطار الفلسفة الجديدة التي تستند عليها الليبرالية في شكلها الحديث أصبحت الجماعات الترابية إلى جانب القطاع الخاص تتكلف بالدور المتراجع عنه من طرف الدولة، في إعادة هيكلة الاقتصاد و جلب الاستثمارات، مما جعل دورها يتنامى و يتعاظم في ظل القرن الحادي و العشرين[2]، قرن منطق العولمة و ما يحيل إليه من إكراهات و تحديات أبرزها التنافسية التي امتدت من القطاع الخاص إلى الجماعات الترابية بكل مستوياتها[3]. هذا الطرح الذي فرض على الجماعات الترابية خاصة الجهة كإطار ترابي اقتصادي، الدخول في المنافسة لاستقبال و جلب الاستثمارات الأجنبية فوق ترابها الجهوي، الشيء الذي حتم على الجهات ضرورة تبني سياسة التسويق الترابي كوسيلة أو آلية لإنعاش الاستثمارات الجهوية. هذا ما دفع ب P.Kotler إلى القول بأن “من الواضح أن أي منظمة أو هيئة تمارس أنشطة تتعلق بالتسويق، حتى إن لم تسلم بذلك”، من هذه المقولة تبرز لنا بجلاء مدى أهمية وظيفة التسويق الترابي في جذب و إنعاش الاستثمارات الجهوية، هذا الأخير التسويق الترابي الذي يجب الوقوف عند تأصيله المفاهيمي، قبل القيام بأي محاولة لرصد معالم تطوره في القطاع العام. لذا وجب تحديد مفهوم كل من التسويق الترابي ثم الاستثمار. و مما لاشك فيه أن مفهوم التسويق تمت صياغته و تطويره في الولاياتالمتحدة منذ بداية القرن 20 في ميدان تدبير المقاولات بهدف مساعدتها على التأقلم مع المحيط الاقتصادي المطبوع أكثر بالتنافسية، كما أدى تطور هذا المفهوم بإعطاء تعريف آخر له يتماشى و التطورات التي لحقت بالسوق، بحيث عرفته الجمعية الأمريكية للتسويق[4] سنة 1970 بأنه “نوع من التخطيط و كذا العمل الذي يعتمد على إعداد و تصنيف، إنعاش و ترويج فكرة ما أو سلعة أو خدمة قصد التبادل و التلاقي المحمود بين الهيئات كما هو الحال بين الأشخاص”[5].كما عرفه القاموس الفرنسي Le Robert أنه “مجموعة من الأعمال التي تقوم بنوع من التحليل للسوق في حاضره أو مستقبله، و تقديم أحسن الخدمات بالوسائل التي تسمح بالرضا عن العرض أو عند الاقتضاء و التنشيط و التشجيع و الإحداث”. إذن نستشف من مختلف هذه التعاريف على أن التسويق، يزاوج بين بعدين اثنين، أولها، هو استراتيجي يعتمد بالأساس على التخطيط و التحليل المسبق للسوق، أما الثاني، فهو عملياتي يعتمد بالأساس على مجالات التطبيق من خدمات، السلع… أما مفهوم التراب بمرجعيته العربية فيحيل إلى مفهوم الأرض[6]أي ذلك الحيز المكاني أو المجالي من الأرض، أي المجال السوسيواقتصادي، بينما في مرجعيته اللاتينية الفرنسية فيحيل إلى ثلاث معاني[7]، الأول يفيد الحيز المجالي من الأرض الذي تقطنه مجموعة بشرية، و الثاني إلى المجال الجغرافي الذي تمارس عليه سلطات الهيئات العامة، أما الثالث فيرتبط بالشخصية المستقلة لبعض المناطق، رغم أنها لا تشكل دولة مستقلة بالمفهوم السياسي المتعارف عليه. كذلك فمفهوم الاستثمار، يفيد الإنفاق على الأصول الرأسمالية التي تستخدم في الخدمات أو إنتاج السلع أو أصول مالية، أيضا يحيل على “التضحية بالموارد يف الوقت الحاضر لغرض الحصول على أموال مستقبلية”[8]. أما أمر المزاوجة بين كلمتي التسويق و التراب، فيحيل إلى المجهودات المبذولة لتنمية الجهات (التراب) في ظل أسواق تنافسية، للتأثير عليها من أجل تحسين أداء القطاع العام بشكل دائم. هذا النشاط بصفة عامة، عادة ما يدخل في نطاق عمل مشترك للجهة مع وكالات التنمية و السلطات الحكومية و القطاع الخاص[9]. إذن، فالبحث عن إنجاز تنمية ترابية و الرفع من إنتاجية التراب المحلي بصفة عامة و الجهوي بصفة خاصة، أصبح الأمر يستلزم إعداد خطة لإعادة تشكيل التراب انطلاقا من مسلسل منهجي جديد يرتكز على ضرورة إخضاع الشأن الترابي للمبادئ الحديثة للتدبير أهمها التسويق الترابي كآلية لجذب و إنعاش الاستثمار الجهوي[10]. و لقد تم تطوير مفهوم التسويق الترابي في القطاع العام، انطلاقا من القطاع الخاص، و خاصة القطاع التجاري الذي مكنه علم التسويق من حل مجموعة من الإشكاليات التي طرحها ترويج و توزيع سلع و بضائع المقاولات و الشركات و كيفية اكتساب زبناء جدد داخل أسواق تتسم بغنى و جودة السلع و بطابع التنافسية[11]. و منه امتدت هذه المقاربة لتشمل القطاع العام، مع محاولة التأقلم مع طبيعة و مناخ هذا القطاع ذو الخصوصية الاستثنائية، إلا أن هذا التطور قد يبدو متناقضا، بحيث أن القطاع العام في الاقتصاد الرأسمالي، يضطلع بمهمة الإجابة على حاجيات المواطنين التي لا يمكن للسوق أن يشبعها، لكن يمكن تبرير ذلك بأزمة التدبير من جهة و عدم فعاليته. و في هذا الإطار، تعد الدراسة التسويقية أحد الاتجاهات الحديثة التي برزت في الفكر الإداري الحديث، لذا فهذا الإسقاط الذي تم من الخاص إلى العام و تطور بالنسبة للإدارة العمومية و الجهوية، طور إمكانية الإدارة في إدراك كيفية تحقيق إشباع الحاجات و الرغبات من خلال تنظيم الأنشطة خاصة الاستثمارية منها داخل حيز ترابي معين، و لهذا فتطور مفهوم التسويق الترابي في ظل القطاع العام أصبح يخلق ديناميكية للتراب الجهوي متأثرا بالبيئة الخارجية و الداخلية التي تضم العديد من المتغيرات و المؤثرات سواء الاقتصادية، التكنولوجية أو القانونية، الشيء الذي أصبح معه التسويق من الوسائل و الآليات التي عرفت طريقها من القطاع الخاص إلى القطاع العام و تحديدا في الجماعات الترابية[12]. و من هذا المنطلق أصبح لزاما على الجهة إعطاء أو بالأحرى تسويق صورة تتسم بجودة التراب الجهوي الذي له من الخصوصيات و المميزات، ما يؤهله للدخول في منافسة التراب الجهوي الدولي، انطلاقا من وضع إستراتيجية تسويقية تأخذ بعين الاعتبار واقع و خصوصيات ترابها، الشيء الذي يفسر الأهمية العلمية و العملية للتسويق الترابي، فالأولى العلمية تكمن في راهنية وجدية الموضوع ليس على المستوى الوطني فحسب بل حتى على المستوى المقارن، يمكن في دراسة كيفية ماهية التسويق الترابي في ترسيخ الحكامة الجيدة على المستوى الجهوي، أما الثانية العملية فتبرز جليا من خلال فهم ميكانيزمات التسويق الترابي في تحقيق سياسة استثمارية تدعم دور الجهة و تنمي قدراتها الاستثمارية بناء على ما تمتلكه من مؤهلات و مميزات. و أمام هذه الأهمية التي يحضى بها الموضوع، يتبادر إلى الذهن الإشكال التالي: كيف يمكن استثمار التسويق الترابي كحافز و دافع لإنعاش الاستثمار الجهوي؟ الشيء الذي يثير التساؤل حول: v ما هي مرتكزات التسويق الترابي في علاقته بالتنمية الجهوية؟ v ما هي الحدود و الإكراهات التي تحد من تفعيله بشكل يستجيب لمتطلبات التنمية؟ v ما هي الآفاق التي يمكن أن ينفتح عليها التسويق الترابي لتجاوز هذه الإكراهات؟
المبحث الأول: مرتكزات التسويق الترابي الجهوي إذا كان التسويق الترابي مادة تتعارض فيها المصالح و تتباين و تتداخل فيها الأدوار و الوظائف و تتقاطع فيها الثقافات و القيم و الإيديولوجيات، فإن الأمر يستلزم إخضاع تدبيره لتخطيط استراتيجي هدفه إشراك الفاعلين المعنيين، بغية الوصول إلى تحقيق فضاء منسجم، مندمج و متوازن يوازي بين متطلبات التنمية الجهوية و يراعي مصالح الأفراد و يحترم خصوصياتهم و يجعل منهم آلية من آليات التنمية الجهوية. الشيء الذي سيجعل منه أحد المداخل الأساسية لتنفيذ السياسات العامة في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية على صعيد التراب الجهوي، وفقا لمنهجية و مقاربة جديدة تعتمد تقنيات التدبير الحديث التي ستأخذ بالمبادئ الكبرى للحكامة الترابية. إذن فالتسويق الترابي، هو عبارة عن مجموعة من العمليات التي تهدف إلى حسن تسويق المنتوج الترابي، الشيء الذي يعني استعراض كل جهة ما لديها من مقومات و مؤهلات لجلب الرساميل الوطنية و العالمية، و بالتالي البحث عن آليات جديدة لإنعاش الاستثمار الجهوي، الشئ الذي لن يتأتى دون مجموعة من المرتكزات التي تعد قاعدة لاستثمار التسويق بشكل فعال على مستوى الجهة، و التي يكمن حصرها في المكتسبات السياسية و تتمثل في الخطب الملكية والتصور الدستوري (المطلب الأول)، وكذا المكتسبات الإدارية و الطبيعية والبشرية (المطلب الثاني). المطلب الأول: المرتكزات العامة إن التسويق الترابي باعتباره آلية من آليات التنمية الجهوية، ومدخلا من مداخيل الرئيسية، لتنفيذ السياسات العامة للدولة وذلك في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية على الصعيد المحلي والجهوي، فإن تحقيق ذلك لا يمكن أيكون دون الاعتماد على مرتكزات عامة سواء منها القانونية و السياسية ،أو التنظيمية. الفرع الأول: المرتكزات السياسية و القانونية * الإرادة الملكية: لقد شملت قضية الجهوية إحدى أولويات الإرادة الملكية من خلال الخطب الملكية، لكل من الملك الراحل الحسن الثاني وكذا الملك محمد السادس، كان آخرها خطاب 3 يناير 2010 ومن تم كان استلهام الكثير من الإشارات مهدت لإطلاق مجموعة من المؤسسات المركزية والمحلية، التقنية والإدارية التي تعنى بإنعاش الدور التنموي للجهة على أساس أنه مجال قادر على استيعاب كل جهود الدولة الرامية إلى تحقيق التنمية الوطنية لتصحيح التوازنات الترابية. * التصور الدستوري: من خلال منطوق المادة 135 من دستور2011 الذي كرس ما أتت به المادة 100 من دستور 1996 الذي جاء بالتنصيص الدستوري للجهة كجماعة ترابية تهدف لتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، بحيث جاء لفض ”التدبير الحر” في الدستور الجديد ليدعم الاستقلالية التي تحقق هذه الأهداف. الفرع الثاني: المرتكزات القانونية و التنظيمية و تتمثل أساسا في ميثاق الجهة الذي يظهر المقتضيات القانونية المتعلقة بالجهة كجماعة ترابية ذات صلاحية واسعة و تكون مجالا جديدا للحوار والتشاور وممارسة الشؤون الاقتصادية بتراب الجهة. و كذا ميثاق الاستثمار لسنة 1995 والقانون المحدث بموجبه المراكز الجهوية للاستثمار (إضافة إلى البنيات الجهوية لمختلف القطاعات). المطلب الثاني: المرتكزات الخاصة إن الاهتمام بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية على المستوى الجهوي يحتم علينا الاعتماد على المرتكزات الخاصة إلى جانب المرتكزات العامة، وذلك عن طريق إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والجهة، وفق المقاربة التعاقدية، مع الاهتمام بالإمكانيات البشرية والجغرافية التي تلعب دورا أساسيا في جلب الاستثمار على الصعيد الجهوي. الفرع الأول: إعادة صياغة العلاقة بين الدولة و الجهة * اعادة صياغة العلاقة بين الدولة و الجهة: ولا سيما المقاربة التعاقدية من اجل تعزيز دور الجهة و تأهيلها لتكون في مستوى الاختصاصات المعهود لها تنفيذها. و من أجل ذلك عملت السلطات العمومية على صياغة هذه المقاربة في إطار وثائق مرجعية تجد ترجمتها في عقود البرامج أو عقود المخططات، تبرمها الدولة مع مختلف المتدخلين الجهويين المعنيين، و ذلك بهدف انخراطهم في مسلسل تقوية التراب الجهوي في ظل سوق تنافسية تعتمد التسويق الترابي كمحدد أساسي لها لجدب الاستثمارات الوطنية و الدولية[13]. علاوة على ذلك نجد أن مسألة التنوع الثقافي بما فيه تعدد النسيج المدني إمكانات هائلة يزخر بها المغرب من أجل تنمية محلية وخلق سوق تنافسية تنبني على ترشيد قواعد التسويق الترابي.
الفرع الثاني: المرتكزات الإدارية، البشرية و الجغرافية * الإمكانات البشرية: تعد الإمكانات البشرية وعلى رأس نسبها الطاقات الشابة مؤهلات وفي نفس الآن نقط ضعف قابلة للتجدد لتكون موطن قوة للإستثمار القدرات الجهوية عبر تأهيلها و تقوية أدوارها و استثمار إمكانياتها وامتصاص استنزافها نحو الهجرة الداخلية والخارجية ومن كل أشكال الاستلاب والحد من هدر طاقاتها، وهي أساسية لعصرنة التسيير الإداري الترابي بشكل يتماشى مع التغيرات الجديدة الخارجية و الداخلية. و تتمثل من جهة في مسؤولية و فعالية المنتخب الجهوي، و كفاءة و جدية الموظف الجهوي من جهة أخرى. * الثروات الجغرافية والطبيعية: اعتبارا لمؤهلات المغرب الطبيعية و تموقعه الجغرافي المتميز يجعل من قضية الإعداد الجهوي مجالا متنوعا قادرا على احتواء هذا الغنى واستثماره وتقوية إمكانات الغنية ودعم المناطق الفقيرة وفق ما تقتضيه روح المواطنة التضامنية بين الجهات ولتأهيل المتطورة منها ( الجهة ) نحو تسويق تنافسي. إذ يحتاج التسويق الترابي على هذا المستوى، إلى إعداد و تهيئة المجال الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي لضمان توزيع أفضل لكل هذه الموارد، اعتمادا على آليات السوق، من أجل تجاوز الفوارق بين الجهات بما فيه من تحقيق للعدالة الاجتماعية على كافة القطاعات، الشئ الذي يجعل من التسويق الترابي آلية للتضامن الترابي، يتحدد دورها في كل تدخل أو سياسة اقتصادية أو اجتماعية معقلنة تهدف إلى تحسين جودة المجال و توزيع أفضل للموارد الطبيعية و الثروات و الأنشطة و التخفيف من التباينات المجالية دون إغفال الخصوصيات الجغرافية و الطبيعية الجهوية[14]. المبحث الثاني: حدود و آفاق وظيفة التسويق الترابي في إنعاش الاستثمار الجهوي بالرغم من الإنجازات التي حققها التسويق الترابي من أجل إنعاش الاستثمار الجهوي خلال العقدين الأخيرين بهدف الدفع بعجلة التنمية حتى تواكب المتغيرات البنيوية و الاستراتيجية إلى أنه مازال يعاني من مجموعة من العراقيل تؤثر في نجاعة أهدافه التنموية(المطلب الأول)،الشئ الذي يتطلب التطرق إلى أفاق وظيفة التسويق الترابي ( المطلب الثاني). المطلب الأول: حدود وظيفة التسويق الترابي إن وظيفة التسويق الترابي تكمن بالدرجة الأولى في الإكراهات التي يعاني منها التسويق الترابي والمتمثلة في تعدد مراكز التأثير، والتدخل في المسألة التسويقية (الفرع الأول)، بالإضافة إلى ضعف وسوء تدبير الإمكانيات المالية و البشرية (الفرع الثاني)، وهذا ما سنحاول إبرازه من خلال هذا المطلب. الفرع الأول: تعدد مراكز التأثير إن التسويق مبني اساسا على القدرة على ترويج صورة في مستوى جمالي يؤهلها لاستثمار قدراتها في مجال ترابي ما 1 على المستوى الوطني: القطاعات الوزارية و التي تتمثل في مختلف المخططات و البرامج الوطنية، و نذكر على سبيل المثال البرامج الوطنية المتعلقة بالبنيات التحتية و التجهيزات الأساسية: البرنامج الوطني لتزويد المجال القروي بالماء الصالح للشرب. البرنامج الوطني للكهربة القروية. البرنامج الوطني لربط الطرق…. وكالات التنمية الجهوية و التي تتركز مهامها في: تحويل مناطقها الى مجالات ترابية متطورة وقادرة على المنافسة وتحظى بجادبية على الصعيدين الوطني والدولي. تستهدف الاستثمارات التي تنجزها مناطَق محددة وتتوخى على الخصوص تطوير إمكانياتها من حيث البنيات التحتية والمؤهلات القطاعية أو حتى العوامل البشرية. 2 على المستوى الجهوي: v الجماعات الترابية و لاسيما الجهة: يشكل تداخل الانشطة و الاختصاصات بين الفاعلين على المستوى الجهوي، و خاصة مع تنامي الجهات و ظهور الاقطاب الحضرية الكبرى و كذا الرجوع الى وحدة المدينة، عدة صعوبات قانونية و تقنية فيما يخص مجال الاستثمار حيث يسعى كل فاعل إلى احتكار و ترجيح دوره في استغلال الموارد المحدودة. v المراكز الجهوية للاستثمار: بالرغم من أنه أرسى صلاحيات جديدة لوالي الجهة، قانونية و تنظيمية لاتخاذ القرارات الإدارية اللازمة لإنجاز الاستثمارات نيابة عن أعضاء الحكومة المختصين أو بتفويض منهم، بتفويضهم الصلاحيات اللازمة ليبرموا أو يصدروا باسم الدولة، و في غياب سياسة جهوية واضحة و مؤهلة للاستثمار من جهة، بالإضافة إلى تقاسم هذه الاختصاصات مع باقي الفاعلين من جهة أخرى، الشئ الذي يدعوا إلى التساؤل حول ما إذا كان هناك تكامل و تناغم أم تعارض و تنافر بين هؤلاء الفاعلين؟ الفرع الثاني: ضعف و سوء توزيع الإمكانيات 1 ضعف الامكانيات و مؤهلات التسويق الترابي و المتمثلة في: ضعف الموارد المالية: بحيث يتسم المستوى الجهوي بقلة الموارد الذاتية و ضعف التحويلات المرصودة من قبل الدولة، مقارنة مع حجم الاختصاصات و جسامة المسؤوليات، مما يؤثر سلبا على الدور الاقتصادي للجهة. أولا: الموارد الذاتية: تستفيد الجهة من حصيلة الضرائب والرسوم والأتاوى المحدثة لفائدتها بالقانون رقم (89/30) المحدد بموجبه نظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها، وكذا من حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة لها بمقتضى قوانين المالية ولا سيما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، والضريبة الإضافية على الضريبة السنوية المفروضة على العرابات ذات المحرك. إضافة إلى الضرائب الجهوية، تستفيد الجهة في ظل النظام الجديد من المرسوم الجهوية، أي كل ما تتقاضاه الجهات إجباريا مقابل ما تؤديه من خدمات لفائدة الملتزم بالرسم. ثانيا: الموارد الاستثنائية للجهة الإعانات المساعدات القروض عدم الاستثمار في العنصر البشري: ان اهمية الموارد تبرز بشكل كبير في الوقت الراهن الذي يعرف تنامي الاستثمار في العنصر البشري الذي يشكل مصدر قوة في الدول و المجتمعات، بحيث تعتبر اليابان نموذجا لذلك ودول أوروبا الشرقية التي عملت على الاستثمار في العنصر البشري بتأهيله وتكوينه للرفع من قدراته وآلياته التدبيرية، باعتباره المهندس للمقاربات التي تساهم في تطوير الدولة والمجتمع من أجل تسهيل اﻹندماج في مسلسل العولمة[15]. تخلف الاليات التدبيرية المرتبطة بالإعلام و التواصل: ان القدرة على الجذب الاستثماري اصبحت مرتبطة بمستوى معين من التواصل و الاعلام و لا سيما استغلال النظم المعلوماتية وضبط الاليات التواصلية. 2 قوة الاختلالات المالية على المستوى الترابي الجهوي: الاختلالات المالية بين الجهات و المرتبطة بالتحويلات المنقولة من الدولة نحو الجهات[16]و التي هي كالتالي :
الاختلالات على مستوى التراب الجهوي و الموضح خاصة في الفروقات بين المجالين القروي و الحضري[17]: بحيث يشكل الشرخ الاجتماعي مظهرا لأزمة خانقة بين العالمين الحضري و القروي و بين المدن الصغرى و المتوسطة و كبريات المدن، و بين المناطق الثرية و الأحياء الفقيرة داخل نفس المجال الترابي[18]. المطلب الثاني: آفاق وظيفة التسويق الترابي بالرغم من العراقيل التي يعرفها التسويق الترابي، والتي تحد من فعاليته و نجاعته في تحقيق التنمية المنشودة، إلا أنه استطاع تحقيق مجموعة التطلعات التي مكنت من تقوية القدرة الاستثمارية للمجال. الشيء الذي لن يتم دون استحضار مجموعة من الآفاق ذات البعد الداخلي (الفرع الأول)، و أخرى ذات بعد خارجي (الفرع الثاني)، وهذا ما سيتم إبرازه من خلال هذا المطلب. الفرع الأول: آفاق ذات بعد داخلي 1- اليات تعزيز الاعلاميات و التواصل المؤسساتي بالجهة: و ذلك عن طريق الانخراط الجاد في تكييف مناخ العمل الاداري الجهوي ليكون فضاءا مناسبا لاستقبال و إنعاش المبادرات وذلك بالحرص: – خلق بوابات الكترونية خاصة بكل جهة وذلك لتوضيح العروض الاستثمارية الجهوية و كذا جميع المشاريع و البرامج و المؤهلات على مستوى ترابها، ويمكن الإشارة على وجه الخصوص إلى الشفافية و التواصل والإدارة الالكترونية وتبسيط المساطر الإدارية[19]. – خلق شبابيك و دلائل التسيير لتبسيط الإجراءات و انسيابية العمل الاداري المنفتح على المستفيد كان مرتفقا أو مستثمرا. وتعتبر المحددات القانونية والبشرية والمادية،العنصر الأساسي للتدبير الحديث و الذي يحتاج إلى مقومات نوعية جديدة ترسخ الحكامة المحلية و تكون آلية للاستقطاب و التنافسية. وفي الاخير تجدر الاشارة الى انه من الضروري جمع المعطيات المتعلقة بكل جهة عوض الإشارة اليها بشكل متفرق، وفي هذا الإطار نشير إلى الأخبار المتعلقة بالاستثمارعلى مستوى البوابة الوطنية للمملكة و التي تبرز أهم الأخبار و المعلومات الاستثمارية المتعلقة بالقدرات الاستثمارية لكل جهة[20]. 2– ضرورة الانتقال من النظرة التسييرية الضيقة إلى المقاربة التدبيرية الحديثة: ان التسويق الجهوي الجيد يجب ان يسخر كافة الإمكانيات في سبيل جلب العملة الصعبة بواسطة استقطاب الاستثمارات الأجنبية، مستغلة في ذلك كل التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل.غير أنه لتحقيق هذه القفزة النوعية، فمن الضروري تغيير طريقة تسيير الشأن العام المحلي وذلك بالانتقال من النظرة التسييرية الضيقة إلى المقاربة التدبيرية الحديثة والمتجددة[21]، وذلك عبر عدة منطلقات: من منطق الوصاية إلى منطق المصاحبة و المواكبة، عن طريق الرفع من القوة التقديرية و الاقتراحية للهيئات الجهوية و العمل في إطار جماعي و مشترك.مما سيمكنها من إقرار حرية المبادرة و إنعاش الاستثمار الجهوي و تجاوز القيود القانونية و الاقتصادية. من منطق المنافسة إلى منطق التكامل، و ذلك على مستوى الجهات فيما بينها و كذلك بين الجهات و باقي المستويات الترابية الأخرى، بحيث أن كل مركز قرار محلي أو جهوي هو مرتبط لامحالة بباقي الفاعلين و لا يزكيها إلا تكامل عمل كل الفاعلين[22]. الفرع الأول: آفاق ذات بعد خارجي 1 اليات تقوية البنيات التحتية في استراتيجية التسويق الجهوي: تعد مسالة اعداد البنيات التحتية شرطا لازما لتشجيع الاستثمار وبالتالي تحقيق التنمية، لكنها غير كافية ما لم يتم اصطحاب كل ذلك باستراتيجية تسويقية قادرة على التعريف بمختلف المقومات والامكانيات التي يزخر بها المجال وكذلك مختلف الفرص الممكنة والمتاحة للاستثمار .فتفرض نظرية التسويق المجالي اعداد سياسة تواصلية للتعريف بصورة الجهة والامتيازات التي تخولها للمنشآت الإنتاجية من خلال تقديم معلومات حولها تتميز بالتنوع والتكامل، وتتسم بالانسجام والتنظيم والتشارك والوضوح لأجل جلب المستثمر -مقاولة أجنبية جماعة محلية أجنبية- لتحقيق منافع كبرى على المستوى السياسي “الثقة”، والاقتصادي “إقلاع ” والاجتماعي “خلق فرص شغل” والسياحي، التعريف بالمجال الترابي خارجيا وبلورة خاصية تنافسية له[23]. 2- تعزيز دور المراكزالجهوية للاستثمار: بالرغم من التدشين لحركية استثمارية جديدة ابتداء من إصدار الرسالةالملكيةالموجهة إلىالوزيرالاولالمتعلقةبلاتمركزتدبيرالاستثماراتبتاريخ 9 يناير 2002فمن الضروري الانفتاح على أفق أكثر اتساعا مبني على: – تعزيز دور و ﻤﺠالاتتدخلالولاةلدعم الدور الاقتصاديالمنوطبهمعلى صعيدالجهات. ولا سيما القدرة على أخد المبادرة و على التنسيق مع مختلفالمندوبياتالجهويةللإداراتالمركزيةبقصدتجميعهاللمزيدمن التفاعلوالتناسقوالتقريبفيمابينهالخدمة الاستثمار الجهوي. – ضرورة اعادة تنشيط دور المراكزالجهوية(تتكونمنشباكين،الشباكالأوليتولىمهمةالمساعدة علىإنشاءالمقاولاتوالآخرلمساعدةالمستثمرين)وذلكحتىتتمكنالإدارةمنتقديمخدماتذات جودةعاليةوأنتستجيبلحاجياتالمرتفقين، و ان تكون في مستوى تنافسية السوق. خاتمة في ظل تميز المناخ العام للاستثمار بالمغرب بنوع من الهشاشة، وسوء التدبير، والوضعية الاقتصادية التي يعرفها المغرب، بالإضافة إلى تنامي البطالة والمشاكل الاجتماعية، وكذا التحولات العالمية التي فرضتها العولمة وتسابق الدول في جلب أكبر عدد من الاستثمارات مع تقديم أفضل الامتيازات، كل هاته العوامل وغيرها، عجلت بالتفكير في إعادة النظر في مجال الاستثمار وذلك عن طريق الاهتمام بالتسويق الترابي الذي يعتبر كحافز ودافع لإنعاش وجذب الاستثمار الجهوي. خليد المرابط