يخيل للكثيرين أن أحسن الوظائف هي العمومية، مقارنة مع القطاع الخاص. و يظل مجال التربية والتعليم الأفضل و الأغرى أو الأكثر إغراء على الإطلاق.. و الأسباب كثيرة و لعل المحاسن التي يذكرها هؤلاء: الراتب الشهري، ساعات التدريس المحددة، عطلة صيفية مضمونة، قلة المجهود المبذول عند الكثير من الأساتذة لكي يرفعوا من مستواهم و مستوى التلاميذ إلا من رحم ربي و بالعالم القروي حدث و لا حرج.. و زد على ذلك الكثير ! هذه هي الصورة النمطية المعروفة عن معشر خدام التربية و التعليم !!! و كعادتي، لست من الذين يطلقون أحكاما قطعية و مع النسبية في كل شيء ، "و كيما كاين الطالح و هو اللي كثير و باين كاين الصالح و خصنا نعرفو بيه و نبينوه باش يكون هو القاعدة".. الأستاذ المجتهد،أي من ولج الميدان حبا فيه "ماشي غير باش يخدم او مدوز شلا اختبارات و جاب ليه الله الرزق في التعليم" هذا النوع "اللي من صغرهم و هوما تايحلمو يكونو أساتذة"،هم الأكثر قابلية لاستحمال بعض الأوضاع الغير لائقة لمزاولة مهنة، هي الأساس في أي مجتمع ،و هي اللبنة الأولى لتخريج أجيال المستقبل في جميع المجالات ،كما تلعب دورا أساسيا في بناء شباب يحمل مبادئ التربية و المواطنة قبل التعليم الأكاديمي. هذه الطينة من الأساتذة هم من يتحملون الصعاب و يعملون على تقوية مناعتهم ضد تيارات يستسلم لها بعض رجال و نساء التعليم من الوهلة الأولى، فيكون شعار بعضهم "لهلا يقري شي واحد" !! أتابع و عن كتب ، و بين الفينة و الأخرى، صديقا لي على الفايسبوك اسمه "هيثم. د" ، أستاذ شاءت الأقدار أن يتواجد بمنطقة جبلية بعيدا عن المدينة و بظروف جغرافية و مناخية قاسية، وكل هذا لم يمنعه من مزاولة مهنته بحب، لكنه لم يكتف بذلك بل جعل نفسه خادما للتعليم . اكتشفته بمجموعة تعنى بمباريات ولوج الأسلاك التعليمية،حيث يتم الإعلان عن الجدول الزمني للمباريات، و كيفية التسجيل و الوثائق المطلوبة و بعض النماذج السابقة للامتحانات.. الخ ، كما يعمل بقدر استطاعته على توضيح بعض الأمور الضرورية و الأساسية للخريجين الجدد، للتأقلم مع ظروف العمل.. كما لا يتوانى عن القيام بأعمال اجتماعية لساكنة المنطقة، و التنسيق مع جمعيات المجتمع المدني لتقديم يد العون لهم لإيصال المساعدات.. كما أتابع أيضا الأستاذة "مريم. ش" و هي أستاذة بالتعليم الابتدائي بمنطقة قروية نواحي أيت باها و فاعلة جمعوية ، لم يمنعها تواجدها بعيدا عن اسرتها و جمعيتها عن مزاولة شغفها بالتطوع، و تعتبر مثالا يتحدى به و ضوءً مشعا ينير سماء التطوع بوطننا.. بدورها ، أبث إلا أن ترسل رسالة لباقي زملائها في التعليم ،و حاولت بمجهوداتها الخاصة مساعدة فتيات المنطقة اللواتي منعهن عدم تواجد مؤسسة إعدادية من إكمال مسارهن التعليمي ،فبادرت للقيام بدروس مكثفة و هيأت لهن الوسائل لاجتياز الامتحان كأحرار و نالت أحداهن كتجربة أولى الشهادة الإعدادية صنف أحرار. كما تعمل على اجتياز دورات تكوينية في الخط و التواصل و غيرهما، مما يفيدها بعملها التعليمي. يلزمنا حقا أساتذة من طينة هؤلاء و غيرهم من شباب هذا الوطن، ممن يحبون ميدانهم عن اقتناع و يحاولون جاهدين توصيل الرسالة النبيلة و العظيمة لمجال التربية و التعليم ،و لا يكلون و لا يملون و لم تكن يوما ظروف عملهم القاسية أو اللامهنية سببا في تقديم أعذار كما يقدمها من استسلموا من جيلهم او ممن سبقهم و رفعوا الراية البيضاء، فكانت الضحية الأولى أجيالا من شباب هذه الأمة الذين استفادوا من قانون "غير دفع" فكان مصيرهم لا تربية لا تعليم لا تحصيل دراسي و لا تأهيل مهني. كثير هم الأساتذة اللذين درسونا طيلة مسارنا التعليمي، لكن قليل منهم من طبع في ذاكرتنا و اغلبهم جبابرة قساة خلقوا الرعب فينا، إلا أن منهم من جعل إحدى المواد التي يدرسها فنا نشتاق فصله لنتذوق من معارفه. و يستوقفني هنا أستاذ لي بمادة الطبيعيات بالثانوية كان مجتهدا مجدا في مجاله لم يكن يكتفي بالمقرر الدراسي بل تعداه للثقافة العامة ،و كان يعلمنا بكل جديد في العلوم و في البرامج التلفزية التي تعالج قضايا ندرسها بل كنا نخصص فقرة للأسئلة يجيبنا فيها عن تساؤلاتنا.. لا نلوم من وجدوا أنفسهم أساتذة صدفة أو قدرا محتما، و لا نلوم من لم يتحملوا ويلات الظروف ، و لكن هدفنا من التطرق لهذا الموضوع الذي طرحناه هو إبراز أن لمربيي الأجيال رسالة سامية ،وجب عليهم أن يدركوا حجمها و نتائجها المستقبلية على الأجيال المعول عليها لبناء هذا الوطن . التعليم ليس مهنة من المهن، أو كغيرها من الوظائف، بل هي أنبلها و الأكثر نبلا حتى، و تحتاج من كل من دخل غمارها لصبر و مثابرة ، لنضال حقيقي، من اجتياز لدورات تكوينية و تجديد في وسائل التواصل و طريقة التعامل ، في الانخراط في الحياة العامة للمساهمة في تربية الناشئة على المواطنة ، هي حقا أمانة لا بد من أنه سيحاسب عليها كل مدرس و مدرسة.