2- كثرة الربا و أكل المال الحرام: يقول صلى الله عليه وسلم: " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام". كثيرا ما نسمع ونحن نناقش مع العلمانيين مسألة تطبيق الحد الشرعي في المعاملات المالية قولتهم المشهورة:" ما تقولونه هو ما يطبق الآن". ولقد سبقهم القرآن إلى هذا الأمر فبين أمرهم حين قال الله عز وجل" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا"( البقرة،...) و في ظل الدولة العلمانية أو عل الأقل التي تأخذ بنظم الاقتصاد العالمي ينتشر الربا لدرجة كبيرة فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا. ولقد نستغرب إذا علمنا أن ثلاثة من أغنى أغنياء العالم يملكون ما مجوعه الناتج الوطني لأربعين دولة إفريقية!! ألا يحق لنا أن نتساءل عن مصدر هذا الثراء الفاحش؟ كيف يزداد الفقراء كل سنة؟ الأمر كله بيد الله عز وجل، ولكن الله أرسل لنا تشريعات لو طبقناها لتناقص معدل الفقر. ولكن هناك من لا يستطيع العيش إلا في الماء العكر، لذلك تجدهم يسارعون إلى فرملة كل مشروع اقتصادي يقوم على المنهج القرآني لأنهم سيُفتضحون وستقل أرباحهم التي جنوها من هذا النظام الاقتصادي الفاسد. يقول محمد عابد الجابري: " فبما أن القبائل العربية كانت لها أصنام في مكة والطائف تحج إليها وتقدم لها الهدايا، وتقيم الأسواق خلال ذلك، فإن مهاجمة الدعوة المحمدية للأصنام كان في الحقيقة مسا خطيرا بمورد اقتصادي يستفيد منه متمولو مكة والطائف، الشيء الذي كان لابد أن يدفعهم إلى محاربتها وتضييق الخناق على صاحبها و أتباعه. غير أن مثل هذه الدوافع الاقتصادية التي تحرك أصحاب الأموال لا تفعل فعلها إلا في شرائح المجتمع الأخرى، عادة، إلا إذا كان هناك ما يخفي وجهها الحقيقي، إما بتغطيتها وتقديمها في حلة جديدة، و إما باستغلال جزء من الخيال الشعبي العام يصرف الناس عنها ويوجههم نحو ما يراد الوقف ضده".(مدخل إلى القرآن، الكريم، ص99). هؤلاء هم المنادون إلى إقصاء الشريعة الإسلامية، المتربحون بأكل أموال الناس، المرابون والمقامرون، هؤلاء كلهم لا ربح لهم في ظل تطبيق الشريعة، لكنهم لا يستطيعون التصريح بهذه الأمور، لذلك كما قال الجابري سيظهرون بملابس أخرى وبأغطية ظاهرها عقلنة الدين وباطنها الكره الحقيقي له. 3- الإلحاد العالمي وتخريب الكعبة: إن محصلة ما قلناه كله ستكون بالنسبة لي نتيجة منتظرة، و ستكون كذلك إذا ما استحضرنا الصراع الأبدي الدائم بين الإنسان الخيِّر السوي ذي الفطرة السليمة وبين شياطين الجن والإنس، صراع لابد أن ينتهي بغلبة الشر وبالتالي التمهيد لنهاية العالم الأرضي والبدء بمرحلة الكشف عن الغيب، هذا الغيب الذي يعتبره كثير من المفكرين الحداثيين العلمانيين إخبارا عن أشياء غير ملموسة لا يمكن التحقق منها بالحس، فهي إذن خرافات، ولقد سمى الكاتب زكي نجيب محمود كتابا له ب" خرافة الميتافيزيقا" واصفا كل الغيبيات بالخرافة( الله، الملائكة، الجن، النار، الجنة...). مشروع العلمانية إذن هي إخراج العقل البشري من عقاله، وجعله يفكر دون قيود وشروط كيفما كانت، خصوصا إذا كانت حدودا وشروطا ميتافيزيقية!!! إن هذه النهاية ليست إلا الإلحاد العالمي، ولقد أخبرنا الرسول الكريم عن هذا الأمر حين قال: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله"(صحيح مسلم، كتاب الإيمان، ذهاب الإيمان آخر الزمان،148). من المؤكد أن هذه اللحظة الزمنية التي يتحدث عنها الرسول الأكرم لم تأت بعد، فالإيمان مازال قويا في نفوس المسلمين. لكنني أعتقد أن التكتيكات ستتغير في المستقبل لصالح انتصار الكفر والإلحاد على الإيمان. وفي ذلك الوقت بالضبط حين تخبو جذوة الإيمان لن يحج الناس إلى البيت الحرام، سيتوقفون عن ذلك، وآنئذ سيخرب هذا البيت العظيم. لست هنا أتنبأ تنبؤ المنجمين، إنما هي حقائق نؤمن أنها ستقع، حقائق أخبرنا بها الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. و في هذا الصدد يقول: " لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت"( صحيح البخاري ،رواه معلقا، كتاب الحج،ج1، ص679،رقم الحديث: 1593). بل أكثر من ذلك، إن يد البشرية ستطال أكثر الأماكن تقديسا عند المسلمين: البيت الحرام. وهناك، في آخر الزمان، سيأتي أبرهة الحبشي الثاني ليهدم الكعبة، يقول صلى الله عليه وسلم: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة" ويقول في آخر: " كأني به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا ". ( صحيح البخاري، كتاب الحج، باب هدم الكعبة، ج 1، رقم: 1595-1596 ص: 680). لذلك، على العلمانيين ألا يهتموا ولا يغتموا، فإن ما يريدونه قادم لا محالة. لكن فرحهم هذا بهذه النبوءة ستجعلنا نتساءل كثيرا: كيف يصدقون النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأخبار ولا يصدقونه في أخبار الغيب الأخرى؟ هل هذه الأحاديث التي سقتها يؤمنون أنها صحيحة؟ هل سيطبقون عليها مناهجهم الحديثة في دراسة النصوص الشرعية؟ ثم هل تعنيهم أصلا في مشروعهم التجديدي؟ أم أن النصوص التي تهمهم هي تلك التي تضم أحكاما شرعية؟ إن الله عز وجل قد خلقنا و بعثنا إلى هذه الأرض لنعبده فقط، يقول عز وجل: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ " (سورة الذاريات، الآية: 56 ). لذلك فإذا قرر العلمانيون ترك الشريعة الإسلامية جنبا وإحلال الشريعة الوضعية الإنسية فهذا شأنهم، ولكن ليعلموا بعد ذلك أن الله قد أرسل إليهم الرسل وبين لهم الشريعة الغراء وأمرهم بالتمسك بها، فإذا ما خالفوا ذلك فلا حجة لهم بعد ذلك. محمد فلا