قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت نعمتي عليكم و رضيت لكم الإسلام دينا. المائدة 3 و قال تعالى: و من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين. آل عمران 85 فالإسلام دين الله الذي إرتضاه للبشرية جمعاء و من يبتغي غيره دينا فلن يقبل منه, و أن من يناصر غيره لا يمكن أن يسير على درب الحق إلا إذا رجع إلى صراط الإستقامة الحقة و باء بضلاله و إعترف بذنبه, غير أن من لا يدرك غاية الحق و تعذر عليه ذلك فقد وقع إثمه على من لا يبلغون شرع الله في أرضه, و اكتفوا به لأنفسهم, فدين الله ليس محصورا على فئة دون أخرى و ليس مخاطبا للفقير دون الغني و لا الكبير دون الصغير و لا هو موجه إلى الرجال دون النساء بل هو شرع الله تعالى و تعاليمه موجهة للبشرية جمعاء دون إسستثناء, و أن من ذاق طعم إتباع نهج النبي صلى الله عليه و سلم و تلذذ بحلاوة الإيمان ثم أخفى الدعوة إلى الله ليستمر في تلذذه بالحياة في حين أن غيره يتخبط في مشاكل نفسية و يموج في الكآبة موجا فذلك قد خسر خسرانا مبينا, و ذلك لتركه الدعوة إلى الله و تذكير الناس بضرورة إتباع نهج النبي صلى الله عليه و سلم, غير أن الإسلام لم يأمر الناس بإعتناقه بالقوة و لا طالبهم بما هو خارج عن طاقتهم, فهو دين يسر و لم يأمرنا بشيء إلا و فيه حكمة و غاية علمها من علمها و جهلها من جهلها, قال تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. سورة يونس99 و قال عز من قائل : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَد اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. البقرة 256. إلا أن البعض ممن فهم الإسلام بشكل معاكس يفتون لأنفسهم بغير علم لا لسبب سوى محاولة إرضاء شهواتهم و قضاء نزواتهم المقيتة, فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. رواه مسلم, و تلك حالنا رغم وجود العلماء بكثرة لكنهم يخرصون عن الكلام المباح فيطلق الجهال ألسنتهم بتحليل ما حرم الله و تحريم ما أحل عز و جل, و ما يزيد من حدة الأمر هو وجود فئة ممن يساندون الأطراف الضالة فقط لأنهم يفتونهم بما يتماشى مع أهوائهم و ذلك من الأمور التي تنتشر في صفوف الشباب ممن فقدوا بوصلة السبيل الحق, و أذكر هنا أحد الشيوخ الفضلاء لما حدثني عن شاب أتاه يسأله عن حكم مصاحبة الفتيات في الجامعة, فأفتاه بأن ما يسأل عنه حرام و لا دليل على تحليله هذا الشاب لم يقتنع بذلك فأخذ يعرض مسألته على كل شيخ يصادفه حتى سأل أزيد من عشرة شيوخ و لم يخرج أحدهم عن إطار ما أفتى به الشيخ الأول بل فيهم من يشدد الأمر أكثر لكن الفتى لم يقنعه أي شيخ منهم رغم علمهم الوافر, يقول الشيخ و ذات يوم عرض الشاب مسألته على أستاذ الفلسفة فقال الأستاذ: تلك من الأمور الضرورية لتوازن الشباب فلابد لكل واحد من مصاحبة فتاة حتى يشعر بتوازن عاطفي و بالتالي يمكنه إنجاز كل أعماله بصورة أفضل, بعد هذا الكلام أمسك الشاب عن سؤاله الشيوخ, و عمل بنصيحة الأستاذ في حين ضرب بفتاوى الفقهاء عرض الحائط, فالأمر هنا لا يخرج عن نطاق إرضاء النفس و لو بممارسة الرذيلة فالشاب لا يبحث عن فتوى بقدر ما يبحث عن ثغرة في الشرع و دليل ذلك أنه رفض كل ما يخالف شهوة نفسه رغم أحقيته و قبل ما يجاريها رغم ضلاله و رغم بعد الأستاذ كل البعد عن دائرة الفتوى الشرعية لكونه لا يتوفر على علم شرعي كاف لإصدار فتوى قد تجعله يتحمل وزر كل من عمل بها إلى يوم القيامة. و الحال أن معظم الناس لا يبحثون عن الحقيقة بقدر ما يبحثون عن الوهم و الزيف, لكنهم ما فطنوا أن الله تعالى خلق في البشر مؤشرا يدله على الحلال و الحرام, فيرتاح عند فعل الخيرات و يضيق عند إرتكاب الزلات إنه مؤشر مثبت في القلب حيث يقوم بتحليل الأفعال الإنسانية وفق الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس. رواه مسلم و ذلك مؤشر ينبئ بأحقية الأفعال التي نمارسها أو بعكسها حتى يسد الذرائع التي قد تقود المرء لتبني فكرة الجهل بالأمر كدريعة لإرتكاب الذنوب خاصة إن هو تربى و ترعرع بين ظهراني المسلمين حيث يتقوى هذا المؤشر و يزداد حساسية ضد الموبقات, و كثير منا يشعر بهكذا شعور و يتغاضى عن ذلك ليرتكب معصية و الأمر أن أولئك الذين يزداد عندهم الشعور بالذنب و وخز الضمير أخف ضررا لأن توبتهم ترجى و رجوعهم مأمول خاصة و أنهم يعلمون أن أفعالهم عبارة عن معاصي, عكس من يتخذ أفكار غيره و يتبناها دون علم بأخطارها سوى أنها تساير مبتغاه و تميل إلى شهواته فيكثر من مدحها و يتباهى بها أمام الأصدقاء و الخلان و كل الناس حتى إذا ترسخت في ذهنه و حسبها صوابا و أقنع بها نفسه حتى نقشت في صدره و أصبح يحسب نفسه على حق و هو منه بعيد, قال الله تعالى : قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106). سورة الكهف. قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآيات : حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عَمْرو، عن مُصْعَب قال: سألت أبي -يعني سعد بن أبي وقاص-: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا } أهم الحَرُورية؟ قال: لا هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى كفروا بالجنة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب. والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وكان سعد رضي الله عنه، يسميهم الفاسقين (صحيح البخاري برقم (4728)). إنهم يتخذون الإجتهاد كدريعة لنفث سمومهم و التهرب من أداء الواجبات الدينية غير أن ما يجهله هؤلاء حول الإسلام هو أن الإجتهاد شرع لمسائل جديدة استحدثت بتطور الزمان و إختلاف المكان و تباين كيفية المعيشة و باختلاف وجوه تحديد الضروريات عما كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه و سلم, و ليس الإجتهاد مشرعا لتبديل الثوابت التي تظل صالحة لكل زمان و مكان و التي لا تتغير بحال من الأحوال كالصلاة و الزكاة و الصوم و سائر المأمورات التي حددها الشرع بين العبد و ربه, أما بين العبد و غيره كمثال على ذلك حسن المعاملة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و سائر المعاملات التي تربط بين الأفراد و الجماعات, كما أن هناك أمورا أخرى بين العبد و بين نفسه كعدم التعدي على العقل بشرب الخمور و المسكرات و غيرها من الأمور الثابتة التي لا تحل بتطور الشعوب و تقدم الأمم, فكلها ثابتة لا تتبدل و لا تتغير أما الإجتهاد فقد شرع لما هو خارج عما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم و لا حكم في الشرع بنص صريح من الكتاب و لا السنة النبوية الشريفة, فعندها يجتهد العلماء لتحديد حكم شرعي في نازلة من النوازل عن طريق مبدإ القياس الذي يعد أصلا من أصول التشريع الأسلامي, و قد سبق أن حددت أحكام و حدود إنطلاقا من مبدإ القياس زمن الصحابة رضوان الله عليهم, كما حدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد شارب الخمر الذي لم يكن محددا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم حيث أنه صلى الله عليه و سلم لم يحدد عقوبة معينة لشارب الخمر بل إكتفى بتعزيره وفق ما يتطلبه الموقف فتارة يأمر بالضرب و تارة أخرى بالجلد و أقصى ما سنه الرسول الكريم أربعين جلدة, و كذلك أبو بكر رضي الله عنه لم يخرج عن الأربعين جلدة إلى أن جاء عهد عمر رضي الله عنه فأفتى بثمانين جلدة كحد لشارب الخمر غير أن حكم عمر هذا لم يجئ من فراغ فقد قام بتحليل القضية من كل جوانبها حتى إستطاع إستنباط حكم بالقياس على حكم سابق له عقوبة محددة بنص القرآن الكريم حيث قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمقارنة حد المفتري بحد شارب الخمر باعتبار أنهما يصلان إلى غاية واحدة بغض النظر عن الوسيلة المؤدية إليها فقد أخرج الحاكم في مستدركه و صححه عن ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة بن العباس أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال ، والعصي حتى توفي فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي إلى أن قال فقال عمر : ماذا ترون؟؟ فقال علي رضي الله عنه: إنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة, فأمر به عمر فجلد ثمانين. وهكذا دأب السلف الصالح على سن أحكام شرعية لا تخرج عن دائرة الإسلام كما أنها تساير العصر و لا تجلب عواقب وخيمة على الأفراد و المجتمع. أما دعاة الظلام فقد شمروا على سواعدهم من أجل تغيير الإسلام كمنهج و محاولة تحريف بعض النصوص عن حقيقتها بدعوى أنها متجاوزة و أنها لا تسير في الإتجاه الصحيح لتحقيق التقدم المنشود و أن على الفقهاء مراجعة التفاسير مع تقليص الكم و تبديل الكيف, حتى يتسنى لهم ممارسة طقوسهم الشيطانية وفق ما تشتهيه أنفسهم, دون أن يحسوا أنهم يتسلون في الأماكن المحظورة, و لا يمكن لأحد تغيير النصوص القرآنية بحال من الأحوال حيث تحداهم الله تعالى منذ أربعة عشر قرنا حين كان فحول اللغة العربية يقيمون أسواقا للشعر و نظم للقصائد في لحظة وجيزة أن يأتوا بمثل القرآن الكريم فعجزوا عن ذلك فأنزل الحق جل و علا التحدي إلى عشر سور فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فلم يستطيعوا ذلك فكيف لهؤلاء الآن أن يبدلوا نصوص القرآن و سلفهم المتمكن من البلاغة و الفصاحة عجز عن ذلك من قبل و أضف إلى ذلك أن التحدي لازال قائما إلى يوم القيامة, و لو إستطاع أحدهم أن يأتي بمثله لأتى به منذ الأزمنة الغابرة و لما وصل إلينا القرآن الكريم البتة, فقد إستمرت محاولاتهم منذ العصر النبوي إلى الآن و لم يفلح أحدهم في تزييف القرآن و لا النيل منه بشكل أو بآخر. إن ما يقوم به أعداء الإسلام و المسلمين من تشويه للصورة الحقيقية لديننا و ملتنا هو في حقيقة الأمر خير للإسلام و المسلين و ليس شرا لهم كما يظن أغلب الناس حيث أن ذلك يبعث على التأمل في نتائج هذه الإساءة التي لم تزد المسلمين إلا تشبثا بدينهم و تعلقا به, كما أنها كونت بانوراما لنشر الإسلام و فضاء للتعريف به أسفرت عن إعتناق عدد كبير من الناس للدين الإسلامي فلما إستنكر المسلمون الرسومات المسيئة لشخص الرسول الكريم و بعد الإحتجات الأخيرة على الأفلام المسيئة لنبينا صلى الله عليه و سلم حاول كثير من الباحثين أن يتعرفوا بشكل واسع على هذا الدين التي جعل المسلمين ينتفضون بمجرد أن يساء إليه, و هكذا سارعوا إلى دراسة الإسلام دراسة حيادية و شفافة ما جعل أغلبهم يعتنق الإسلام في آخر المطاف, إن الإسلام منهج حياة للفرد و للمجتمع و لا سبيل إلى تغييره أو تبديله تحت أية دريعة من الدرائع, فهو الوازع الوحيد التي يحول بين المرء و المعصية و أنه بدونه فالإنسان خاسر رغم النجاح الذي قد يبدو فيه, و قد أسلم كثير من عظماء الغرب بعد أن درسوا الإسلام دراسة معمقة أمثال العالم الأمريكي جيفري لانج و الدكتورة إنجريد ماتسون و الدكتور موريس بوكاي و يوسف خطاب اليهودي المتشدد سابقا, و غيرهم كثير ممن هداهم الله تعالى إلى صراطه المستقيم, فمنهم من قادته إكتشافاته إلى الإسلام و منهم من شرح الله صدره للإسلام على أيدي الدعاة الصادقين. فكيف بمن لا وزن له أن يكفر في حين يسلم العظماء؟؟