وأنا في عزلتي، تذكرت قبيلتي الأمازيغية التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر أستحضرها من الذاكرة. افتقدتها، وكتبت ما كتبت. وإليكم النص الحادي عشر من كتاب "سفر ابزو". 13 طيف الأسلاف وحشة جغرافية مثخنة بالأخاديد، تلملم قروحها، وتفتح قلبي على تجاعيد جلدي المشقق بمعول الحرف، منكسرا كقوس تخلت عنه سواعد الفرسان، أقرأ طرقا تتعرج في مسارب القلب، لامعة تبدو من مسار الطرقات، تتوهج حارقة، تصعد وتنزل، تتلون، فيك ومنك أولد مرات ومرات، يا فضاء صرختي الأولى، أغزل وجودي الهوينى، ثم أنسجه لأحوكه على حافة فجر لا يريد أن يتوقف، في أعماقي نزيف حلم، وأغطس النسيج في سائل أحمر، أعصره من عروق جدعي، أمدّده على عيون الشمس لكي لا ترى نفسها. وأنا أرحل بين تلابيب هذا الفضاء بحثا عن غيب يرفض أن يهدأ في كهف روحي. أضيّع ظلي، يهاجر منّي، ينتعل الريح ويمضي، وحين يرجع من تيهه يركب ظهر تلة، ويراقبني، يتفرج بشهوة على شجرة جسدي التي تخلى عنها دمها الربيعي، وما عاد الماء القراح يجري فيها، ولاحت سحنة أوراقها وهي تغوص في صفرتها الغيبية. وأمد يدي نحوها متوسلا، أرسم لها عن بعد تلاوين الشوق، وأمني بكاء الفراق، بسمة اللقاء. آه من ظلي، لما يحلق بعيدا، تأخذه الريح من جديد، فألتحف سري، ثم أمضي مسيجا ومتعثرا بصرختي الأولى التي تخاتل الوعورة، تبدل مسارها في كل حين، تبحث عن سرير مريح تسكن إليه. وأنا أخاصرها، وتخاصرني، توشوش لي بأسرارها المنسية في ثقوب تاريخ طويل من المحن، يصنع من الطرق ملامح بلا وجه. وأهمس لها بكلام رسمته بهدب عينايا، فنتعانق، ونختبئ في بعضنا، وبين شقائق القبل، وحمرة الغروب، نتهاوى، ونتوارى عن أعين المساء، وننهض حين يغمرنا الليل بفراشاته الراقصة، وحين تؤنس وحشة الوقت، وتمسح عنا كآبة الحلكة. ذ المصطفي فرحات