لحظات..وقف الزبون الثاني شاب أنيق ببذلة سوداء، وقميص أبيض، وأفضل لباقة من الزبون الأول: -''أهلا..أهلا بالجزار الجديد والله فرحنا بوجودك،وقريبا منا، ..ماذا أسماكم الله؟ إبتسم الجزار للزبون بابتسامة غبطة وسرور ببشاشته وأناقة هيئته..متمنيا بدواخله أن لا يطير من أمامه كما طار الزبون الأول مثلما يطير الكافر من القبلة..مثلما تطير الزيت من المقلاة -''عبد ربه '' المعلم'' عبد الحي..في الخدمة وباللحمة الممتازة..مرحبا بك.. -''أنا السيد أمحمد ..موظف في القباضة ،إدارة الجبايات المحلية قرب دار حاكم الجماعة..تعرفها.. ؟ أشتغل هناك منذ عشرين سنة ..أريد أن نتعارف،..و نتصارف،إذا ليس فيه مشكل.. تبتاعني ، إذا أمكن ،ربع كيلو لحمة إلى آخر الشهر ..انا معروف.. في البلدة..'' تردد الجزار في الأول،يسأل السماء الرحمة هذا الصباح،فقبل قليل أصيب بعاهة اللافهم،وإذا به تشب في عظامه نار الحيرة بين أن يرد بلا أو بنعم.. لكنه في الأخير قبل ..والزبون لحظتها يشير إلى الجزار بأن السماء بدأت تمطر..وأن هذا العام جميل جدا.. تأخرت فيها الأمطار عن الرحيل..: -'' مرحبا مرحبا بسي امحمد.. المحل محلك ..وهل دخلت إلى السوق..؟ رد عليه الزبون بأنه سيدخل إليه، فطلب منه الجزار أن يمر عليه لمايقضي سخرته بالسوق، ريثما يستفتح من الخروف.. وأكد له أن قمطر المحل فارغ،على باب الله.. وأنه لم يبع بعد شيئا، فالح عليه ان يمر بالدكان لما تخرج من السوق قائلا له : -'' مر سأنتظرك ستجد ربعك في ربع اللحم جاهز كيفما كان الحال والأحوال ،تريد الربع معه قليل من ''الشحمة..؟''.. بالعظام أو بدونها..؟ سأجضر لك ربعا يأكل منه دوارا إن شاء الله فيه البركة..'' وكأن الدم بدأ يدفأ في عروق الجزار.. وكأن جنه يتربص بأعصابه،لكنه يبردها بمداعبة الموسى بالسكين،كما يلعب الكناوي طأطأ الزبون رأسه وانصرف من أمام الجزار واقف خلف المنضدة،يحاصرها ببطنه البارز.. عاد الجزار بسرعة يدق الحائط على الجار العطار..،يتساءل..: -'' العطار..؟ ترى هل يلزمه كل هذا الوقت ليحضر الشاي..؟ ،''أينك أيها العطار،الجار،بلا شاي فقط عد إلي،وعجل ببخورك،فهذا الصباح يبدو النهار أقوى منه بكثير، وكأنه ملاكم من الوزن الثقيل يلعب مع فريق كرة الريكبي،-الكرة المستطيلة- ..مد الجزار عنقه،واضعا يده على منضدة المحل،يطل منها،عله يلمح ظلا أو يسمع صوتا للعطار..ويتذكر إذا كان قد عرفه بإسمه أم لا..أراد أن ينادي عليه لكنه وجد نفسه لايعرف فيما إذا كان العطار قد بلغه بإسمه أم لا..وكأن الجزار في وضع مجنون استسلم لكل جنونه ومقتنع بأن جنه لن يغلب عقله هذا الصباح .. حاول أن يقفز من بوابة المحل إلى الخارج، ليتبين،وبشكل متسابق في صنف الجري بالقفز على الحواجز..البوابة تنقسم أفقيا إلى قسمين يفصل بينهما منضدة بلطت بالزليج الأبيض،النصف الفوقي رواق المحل لعرض سلعة البيع،والنصف السفلي حائط به باب صغير بالكاد يخرج منه جدي وديع.. ،وإذا بالزبون الثالث،في مقتبل العمر، بلباس إفرنجي يوم الأحد،: بذلة رمادية.. طربوش أحمر بمثل طرابيش الباشوات لكنه أقل جودة من الطرابيش..: درجة رابعة،..والجزار وهو يتبين الحاضر الواقف ببا ب المحل،غلبته ضحكة خفيفة،حولها بسرعة إلى إبتسامة عريضة في وجه الزبون، -''مرحبا..أنا في الخدمة أيها الزبون،تفضل كم أعبر لك من اللحم،..إنه الخروف الوحيد الذي يدور في هذه البلدة،ليس بمثله ،أنظر إلى قده المياس..وبشهادة بيطري الدولة،الخاتم عليه أحمر،مطبوع على الفخدين،والدم جف في حلقه ورأسه فيه كما ينبغي..وخلال الوقت الكافي.. توكأ الزبون،على منضدة باب الجزار يطلب منه بالإشارة، أن يقترب إليه أكثر،.. لبى الجزار الطلب ..وما عليه إلا أن يمتثل.. الصباح صباحه طلع، والنهار يحارب الصباح كي يترك له الفرصة يطلع بدوره.. والله أعلم كيف ستغرب الشمس اليوم..،.. همس الزبون،في أذن الجزار،..''أنا الرقاص الخاص لحاكم الجماعة،و في نفس الوقت عضو في مكتب مجلس الجماعة.. النائب ماقبل النائب الأول،بين الرئيس والنائب الأول..أنا في الحقيقة جوكير المكتب أستطيع أن ألعب بين الأعضاء دون أن أكون لا من هذا ولا من ذاك قد تجدني أيضا بين النائب الثالث والرابع..زئبق مكتب مجلس البلدية..مبروك عليك الدكان،وفي الخدمة..وما نحن هنا إلا لخدمة التجار..هل أنت من هذه البلدة،من أين جئت،الدكان باين عليك حرفي وإبن الحرفة.. رد الجزار،بعد ما ردد بدواخله كيف يراني هذا الزبون عجل ولدته بقرة.. -''إسمح لي سيدي ،وهل أنت من هذا الزمن..؟ الجزارين بدون إستثناء سريعي الرد..خاصة لما يسخن الدم في عروقهم ،والزبناء هذا الصباح،أصبح عليهم الحال مرقوعا على غير قواعده.. وكأنهم لا يفهمون أنهم بصدد جرفي يشتغل بالموسى والسكين،والمقدة،والمنشار الكهربائي،كما يحسن الذبح والسلخ، لا ينحرها إلا باسم الله،وبهد تقبيلها نحو القبلة ولما ينحرها يقول باسم الله الرحمن الرحيم.. توقف الزبون ورفع مرفقيه على المنضدة، -''ماذا تقول ،هل أنا من هذا الزمن..؟ ثم رفع الجزار السكينين مرة أخرى يداعب كبيره بصغيره،ثم وضعهما ورفع مكانهما العصا بريش الحمام يهش بها على لا شيء.. وينظر إلى الزبون.. -''هدأ من روعك سيدي،..أنا لم أقصد شيئا،فأنت قلت لي رقاص حاكم الجماعة،.. -''وماذا فيها..؟ وباندفاع شديد.. -''قلت لك يا سيدي هدأ من روعك ..لم نضع بعد شيئا في ''الطجين'' حتى يحترق..ولحد الآن ليس بيني وبينك ما يطبعه الحداد..أنت قلت بأنك رقاص،وهذه الكلمة الوظيفة كانت أيام الإستعمار،ونحن منذ كم سنة حصلنا على الإستقلال.. ثلثي عمري أكله الإستعمار وهو هل مازال يأكل الثلث الباقي..قل المرسول،..وأنت مازلت تذكر أيام الإستعمار،ألا يمكن أن تنسوها هذه الأيام أو أننا لازلنا بعد لم نحصل على الإستقلال..لازال فيه المخزن يرقص خدامه..قل لي وبالبث المباشر أنا مرسول حاكم الجماعة..وحاكم الجماعة يريد اللحمة،ومرحبا،وبالرد المباشر،دون إعادة البث..دون هذه السرية التامة التي وصلت بها إلى هنا، ماذا يعشق حاكم الجماعة من الخروف،..'' رد الزبون،رافعا الراية البيضاء..يطلب بأعماقه التسليم كم فاجأه الجزار .. -''لاتقلق أيها الجزار،ما إسمك،سنكون أصدقاء، ،..إقطع لحاكم الجماعة ضلوع الخروف.. -''مرحبا، وسيادتك أيها الرقاص،تحب ماذا..؟ -''أحب العنق أموت أيضا في الفولتين.. -''حاضر يا سيدي،رح إشرب لك قهوة، في مقهى باب السوق تأتيك ضلوع الخروف في كيس،وعنقه في كيس ثاني، والفولتين في كيس ثالث..تفضل ريثما تشرب قهوتك.. يتبع.. المصطفى الكرمي 07 أبريل 2011 زهر البرقوق إلى رواد..وكتاب وزوار بوابة تادلة أزيلال بدون إستثناء إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل