لم يقتصر المشرع على تناول العنف الأسري، بل تناول كذلك ما هو في حكم العنف الأسري في جانبه القانوني. وصنف بعض الجرائم على أنها عنف واضح، مثل القتل العمد والقتل الخطأ والتسميم والضرب والجرح والتهديد وعدم تقديم المساعدة في حالة الخطر والإجهاض وقتل الأطفال وتعريضهم للخطر، وهي أشكال متعددة من العنف وضمنها العنف الأسري. أما ما هو في حكم العنف الأسري، مثل الجنايات التي تحول دون التعرف على هوية الأطفال وخطف القاصرين وجرائم إهمال الأسرة وجرائم انتهاك الآداب، وكلها جرائم عنفية، وقد عالجها القانون الجنائي، أما إثباتها فقد عالجته المسطرة الجنائية. وباستعراض لبعض الجرائم، أؤكد، من الناحية المبدئية، أن المشرع حينما يتحدث عن جرائم القتل، فإن تحديد عناصرها التكوينية وعقوباتها تنصرف على القتل بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بعلاقة أسرية أم لا. ولكن المشرع في حالة العلاقة الأسرية يتدخل إما للرفع من العقوبة أو تخفيضها، والمحدد في غالب الأحيان هو صفة الجاني، كما هو الحال بالنسبة للأم في الفصل 397, إذ تخفض العقوبة في حقها: "من قتل عمدا طفلا وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392 و393" (392 يتحدث عن المؤبد في حالة القتل العمد و393 يتحدث عن العقوبة بالإعدام عندما تكون هناك ظروف تشديد في حالة القتل أي سبق الإصرار والترصد)، لكن الفصل يقول: "إلا أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل ولدها تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات". وهنا تدخلت صفة الأم لتخفيض العقوبة. وأحيانا تتدخل صفة المجني عليه لترفع من العقوبة، ومثال ذلك الأطفال، ويقول النص: "يعاقب بالحبس ثلاث سنوات كل من جرح أو ضرب عمدا طفلا دون الخامسة عشرة من عمره أو تعمد حرمانه من التغذية أو العناية أو ارتكب ضده أي نوع من العنف أو الإيذاء"، مع العلم أن هذه العقوبة إذا تعلقت بغير الطفل تكون أقل من ذلك بكثير. وفي حالة الأصول، كما في الفصل 396, إذ أن عقوبة قتل الأصول (الوالدين والأجداد) هي الإعدام، مع العلم أنه، إذا كان المجني عليه شخصا لا تربطه بالجاني هذه العلاقة تكون العقوبة المؤبد فقط. وأود أن أنبه على أن الجرائم المتعلقة بالنساء والأطفال خضعت لتعديل تشريعي سنة 2003 بمقتضى قانون 24 03 نظرا لكون المغرب أراد أن يضفي حماية خاصة لهذه الفئة من الناس (النساء والأطفال) وذلك تماشيا مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية (سواء تعلق الأمر بالنساء أو الأطفال)، ومن جهة ثانية لملاحظة المشرع أن الاعتداء على النساء والأطفال في تنام شديد، لذلك أعاد تنظيم هذا الموضوع بما يضمن الحماية اللازمة، ولذلك أود أن أحيط علما أن جلالة الملك كان قد كلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بأن يراجع القانون الجنائي بما يؤدي إلى سد الثغرات التي يمكن أن توجد فيه، والمتعلقة بجرائم العنف والكراهية والتمييز، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قام بطلب خبرة من قبل أستاذة جامعية متخصصة في القانون الجنائي، خلصت إلى أن الترسانة القانونية المغربية بعدما تم تعديلها بمقتضى القانون 24 03 وبالتعديلات التي طرأت على قانون الصحافة وغيرها أصبح القانون الجنائي المغربي، وكذلك القوانين الخاصة، لا يشكو من أي فراغات في ما يخص جرائم العنف والكراهية والتمييز. وتمت مدارسة الموضوع من قبل لجنة خاصة كنت عضوا فيها في لقاءات متعددة، وتم تمحيص الأمر من جميع جوانبه، وفي النهاية خلصنا للاستنتاج نفسه لأسباب سياسية. أصل هذا المقال مداخلة للأستاذ الرميد في مائدة مستديرة حول العنف الأسري نظمتها منظمة تجديد الوعي النسائي. ذ. مصطفى الرميد محامي وعضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان