الحج ركن الإسلام الخامس الذي فرضه الله تعالى على عباده، وهو سفر ديني لا يكون إلا بشد الرحال إلى بيت الله الحرام، الذي جدد بناءه على قواعد الإيمان أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام. وليس من جزاء للحج المبرور سوى الجنة، ويرجع المرء منه كيوم ولدته أمه، وهو شعيرة الأمة حيث يأتيه الناس من كل فج عميق ويلتقي فيه الأبيض والأسود والأصفر والأحمر في صعيد واحد، ويتجرد فيه الناس من المخيط والمحيط معلنين توبتهم للواحد الأحد. قال الله تعالى: }وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير{ سورة الحج26-25 الآية الكريمة: حيث يأمر الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام بإعلام الناس بوجوب الحج عليهم يأتوه على مختلف أحوالهم مشاةً وركبانًا على كل ضامر من الإبل، وهو: (الخفيف اللحم من السَّيْر والأعمال لا من الهُزال)، يأتين من كل طريق بعيد; ليحضروا منافع لهم من: مغفرة ذنوبهم، وثواب أداء نسكهم وطاعتهم، وتكَسُّبِهم في تجاراتهم، وغير ذلك؛ وليذكروا اسم الله على ذَبْح ما يتقربون به من الإبل والبقر والغنم في أيام معيَّنة هي: عاشر ذي الحجة وثلاثة أيام بعده; شكرًا لله على نعمه، وهم مأمورون أن يأكلوا مِن هذه الذبائح استحبابًا، ويُطعموا منها الفقير الذي اشتد فقره. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» قال صاحب فتح الباري: قوله: «من حج لله» وهو يشمل الحج والعمرة. قوله: «فلم يرفث» الرفث الجماع، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول، وقال الأزهري: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، قوله: «ولم يفسق» أي لم يأت بسيئة ولا معصية، قوله: «رجع كيوم ولدته أمه»، أي بغير ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات». وفي صحيح البخاري أيضا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال :»جهادكن الحج» قال صاحب فتح الباري: «قال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله «جهادكن الحج»، أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد. قلت: وقد لمح البخاري بذلك في إيراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد» وليعلم كل مسلم أن شروط الحج الواجبة عليه ليست هي شروط الناس وعوائدهم وما ألفوه. فإن شرط الإسلام: القوة المادية المرتبطة بأكله وشربه (الزاد)، والقوة الموصلة إلى بيت الله الحرام (الراحلة:وهي تذكرة السفر في وقتنا هذا). وما عداهما من الشروط التي تجعل الفريضة أصعب في إتيانها على متوسطي الحال فليست شروطا شرعية. وهناك شروط ذكرها الأئمة، وهي: الإسلام، والبلوغ، والحرية. فإنها شروط لكل عبادة، وبعضها لم يعد قائما في زماننا هذا، كشرط الحرية. وأما حج المرأة من غير محرم فرأينا اختيار المالكية فيه.