تمر اليوم العدالة بمنعطف حاسم، يتطلب توفير كافة الشروط لإنجاح ورش إصلاح منظومتها، لاسيما وأن عائد إصلاح هذا القطاع سيكون له أثر كبير على المواطن وعلى مناخ الأعمال والاستثمار، كما سيشكل أداة قوية لتنفيذ العناوين الكبرى التي رفعتها الحكومة وفي مقدمتها التصدي لجرائم نهب المال العام ومحاربة الفساد. عناوين بهذا الحجم، تتطلب من الحوار على إصلاح منظومة العدالة أن يتوجه إلى تعيين أفضل السبل الممكنة لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية متلازمة، تخليق القضاء، وضمان نزاهته واستقلاليته، والرفع من فاعليته، حتى يستعيد قيمته الاعتبارية في المجتمع، وتعود له المصداقية المطلوبة، ويصير مسايرا للوتيرة المجتمعية، ويضمن السرعة في البث واختصار جهود وأوقات المواطنين في تعاطيهم مع العدالة، وذلك كله لا يتحقق إلا بهدف رابع، هو بمثابة الوسيلة لتحقيق الأهداف الثلاثة السابقة، وهو تأهيل جميع مكونات منظومة القضاء لتكون في مستوى الإستجابة لهذه التحديات. من المؤكد أن تشكيل الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة في هذه اللحظة السياسية يعتبر حدثا هاما في حد ذاته، لكن الأهم منه تحقيق الأهداف التي لأجلها شكلت هذه الهيئة، لاسيما وأن التحديات المطروحة عليها تتناول تفعيل النقاش فيما هو استحقاق دستوري، متعلق بكل من النظام الأساسي للسلطة القضائية، والقانون الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفيما هو تدبير تنظيمي ذو بعد سياسي، ومن ذلك المقاربة التي سيتم اعتمادها لعلاقة النيابة العامة بوزارة العدل، وأثر ذلك على السياسة الجنائية في المغرب، ومنها ما هو مهني وتقني متعلق بتوفير الشروط التي تضمن مسايرة القضاء للوتيرة الإجتماعية وتوفير الإمكانات اللازمة لذلك، والرفع من المستوى الاجتماعي لمكونات العدالة لضمان انخراطهم في ورش الإصلاح، ومنها ما هو تدبيري تخليقي متعلق بالبحث عن أحسن الوسائل لجعل القضاء أداة في خدمة التنمية ومحاربة الفساد. ما ينتظره المغاربة اليوم من الحوار الذي سينطلق حول إصلاح منظومة العدالة، أن يصبح القضاء أحد مكونات العملية الإصلاحية الشاملة، لا معيقا لها، وأن ترتفع فعالية منظومة العدالة، وتضمن تسريع الملفات والسرعة في البث بالشكل الذي يجعل القضاء مسايرا للوتيرة الإجتماعية وغير معرقل لمناخ الاستثمار والأعمال. كما ينتظر المغاربة من هذا الحوار، أن يجعل القضاء وسيلة فعالة لمحاربة الفساد، وأن يتمتع بالاستقلالية الكافية التي تضمن له المضي في تحقيق هذه العناوين إلى أبعد مدى. بكلمة، إن الآثار التي ينتظرها المغاربة من إصلاح منظومة العدالة في المغرب تتعدى الاعتبارات المهنية، التي في العادة ما تهيمن على نقاشات مكونات منظومة العدالة، وترنو إلى ما هو أبعد من ذلك، مما يتعلق بجعل القضاء مسايرا للتنمية غير معطل لمقتضياتها، خادما بنزاهة واستقلالية أحكامه مناخ الأعمال، مشجعا على الاستثمار، حاسما في أحكامه ضد جرائم الفساد ونهب المال العام. إن الحكومة التي رفعت عناوين الإصلاح والحكامة الجيدة، تتطلب أن تكون منظومة العدالة فيها مؤهلة بما يكفي لتقوم بدورها الفعال في تحقيق هذه المتطلبات.