شكلت موريتانيا لجنة عليا من كبار ضباط الجيش والأمن للتحقيق مع عبد الله السنوسي مدير المخابرات الليبية في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، والمعتقل في نواكشوط بعد دخوله البلاد فجر السبت الماضي قادماً من المغرب بجواز سفر مالي مزور وكان معه أحد أبنائه. فيما بدأ سباق ثلاثي على تسلم السنوسي بين كل من المحكمة الجنائية الدولية وفرنسا وليبيا لإخضاعه للمحاكمة في تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق فرنسيين وليبيين ولانتزاع معلومات منه، لكونه «صيدا ثمينا» بالنسبة لدول غربية وعربية ومنظمات دولية تعتبرها «خطيرة» و»غاية في الأهمية». ولا يزال التحقيق الموريتاني مع السنوسي متواصلا، من دون انقطاع، بعد يومين من الاعتقال، وذلك في شقة فاخرة بحي “تفرغ زينة” الراقي غربي العاصمة نواكشوط. وتحاول نواكشوط انتزاع ما يمكن الوصول إليه من السنوسي، الذي يعتبر بمثابة الصندوق الأسود الذي يحفظ أسرار نظام القذافي. وحسب معومات، أوردتها صحيفة “الخليج” الإماراتية، فإن السلطات الموريتانية تحقق مع السنوسي في كل شيء، وخاصة في ملفات تمويل النظام الليبي السابق لتنظيمات وشخصيات وأحزاب موريتانية، فضلا عن ثروات القذافي المخبأة في بنوك وشركات أجنبية، هذا إضافة إلى مكان وجود ما تبقى من رؤوس النظام السابق وطريقة تواصلهم وأهدافهم في المرحلة الراهنة والمقبلة. كما أن ملفات دعم النظام الليبي السابق للشخصيات الغربية البارزة مهم بالنسبة لموريتانيا التي تسعى للحصول على ورقة ضغط على تلك الشخصيات التي تؤثر في قرار دولها اتجاه الأوضاع في موريتانيا. الصندوق الأسود للنظام الليبي السابق موجود بحوزة أكثر الضباط الموريتانيين دهاء.. المعلومات ثمينة، والمعتقل ليس شخصاً عادياً، ويعتقد أن العديد من الأجهزة الأمنية الغربية والعربية قد تعرف طريقها إلى السنوسي وهو لا يزال بنواكشوط في انتظار أن ينتهي أحد أهم التحقيقات الأمنية الموريتانية في تاريخ البلد، وفي انتظار أن يقرر النظام الموريتاني مصير طلبات التسليم. وقد تقدمت حتى الآن ثلاث دول بطلب تسليم السنوسي إليها وهي ليبيا وفرنسا وبريطانيا، فيما لم يرد الجانب الموريتاني رسميا على أي من هذه الطلبات. سباق ثلاثي وتتنافس كل من المحكمة الجنائية الدولية وفرنسا وليبيا بشأن احتجاز عبد الله السنوسي الذي تصفه بعض وسائل الإعلام بأنه «صيد ثمين». وقال «أفوا هيرش» مراسل صحيفة «الغارديان» في غرب إفريقيا إنه من المحتمل أن تندلع «معركة ثلاثية» بشأن الجهة التي يحق لها احتجاز السنوسي عقب اعتقاله وهو يحاول دخول موريتانيا بجواز سفر مزور. وأضاف في تقرير له نشرته الصحيفة البريطانية، أول أمس، أن السنوسي (62 عاما)، وهو صهر العقيد القذافي، مطلوب من قبل ليبيا وفرنسا والمحكمة الجنائية، مشيرا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية ترغب في اعتقال السنوسي «لتخطيطه لشن هجمات على مدنيين خلال الانتفاضة الليبية» ومحاكمته بتهم جرائم ضد الإنسانية والقتل والاضطهاد. وأصدرت الشرطة الدولية (الانتربول) مذكرة اعتقال بحق السنوسي بناء على طلب من طرابلس. وقالت إن مذكرة اعتقال السنوسي صدرت إضافة إلى مذكرة اعتقال أخرى بطلب من المحكمة الجنائية الدولية في شتنبر الماضي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الصراع في ليبيا العام الماضي. من جهتها، طالبت منظمة العفو الدولية، موريتانيا بتسليم السنوسي. واعتبرت حسيبة حاج صحراوي نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، اعتقال السنوسي “لحظة مهمة بالنسبة لضحايا الجرائم في ليبيا”، ودعت موريتانيا إلى “التعاون التام مع المحكمة الجنائية الدولية”. أما الرئاسة الفرنسية، فقد أكدت أن اعتقال السنوسي جاء نتيجة جهد أمني فرنسي موريتاني مشترك، وأضافت أنها قامت بدور في اعتقال السنوسي الذي أدين بالفعل في محكمة غيابية في فرنسا على خلفية هجوم على طائرة فرنسية تم تفجيرها في النيجر عام 1989، مما أدى إلى مقتل 170 شخصا بينهم 54 مواطنا فرنسيا. وقال مكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن فرنسا ساهمت في القبض عليه وإنها تريد ترحيله إلى فرنسا ليواجه العدالة هناك. وكان السنوسي يثير على مدى عقود قبل سقوط القذافي الخوف والكراهية في نفوس الليبيين العاديين. وقالت فرنسا التي قادت التحالف الدولي مع الثورة الليبية التي أطاحت بالقذافي إنها تعاونت مع السلطات الموريتانية في عملية الاعتقال وأنها سترسل مذكرة اعتقال إلى موريتانيا. وأشار بيان لمكتب الرئيس نيكولاي ساركوزي إلى أن السنوسي قد حكم عليه غيابيا بسبب تفجير طائرة يوتا عام 1989 الذي قتل فيه إجمالا 170 شخصا. وطالبت أسر ضحايا التفجير بتسليم السنوسي للعدالة في فرنسا. لكن «جولوم دينو دي سان مارك» رئيس جمعية عائلات ضحايا تفجير طائرة «يوتا» قال إن العائلات تعتمد على فرنسا في ضمان مواجهة السنوسي للعدالة بسبب الهجوم. وقال في بيان «لم نفقد الأمل أبدا في أن المسؤولين عن هذا الهجوم الأكثر فتكا على فرنسا سيواجهون العدالة». وبينما قال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية إن أمر اعتقال السنوسي الذي أصدرته المحكمة ما زال نافذا وطالب بتنفيذه، فإن المجلس الوطني الانتقالي الليبي شدد على أن ليبيا ستصر على أن يواجه السنوسي العدالة في ليبيا. وقال محمد الحريزي المتحدث عن المجلس الوطني الانتقالي الليبي في مؤتمر صحفي إن ليبيا ستصر على تسليم السنوسي إلى السلطات الليبية. إلى ذلك، أعلنت طرابلس، أول أمس، أنها تستعد لإرسال وفد إلى موريتانيا للضغط من أجل تسليم عبد الله السنوسي. ورغم أن موريتانيا ليست من الدول الموقعة على معاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، فقد قالت منظمتا «هيومان رايتس ووتش» و»العفو الدولية» أن موريتانيا ملزمة بموجب مجلس الأمن الدولي بالتعاون بشكل كامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وقالت حسيبة حاج صحراوي مديرة منظمة العفو الدولية للشرق الاوسط وشمال افريقيا في بيان إن نظام العدالة الليبي على أية حال»مازال ضعيفا وغير قادر على إجراء تحقيقات فعالة في الجرائم المزعومة». لكن وزير العدل الليبي علي عاشور أكد، بقوله، على أن المحاكم الليبية قادرة على محاكمة السنوسي وفقا للمعايير الدولية. ويتهم الليبيون السنوسي مباشرة لدوره الرئيسي في قتل أكثر من 1200 نزيل في سجن أبو سليم في طرابلس عام 1996. وأطلق اعتقال محامي أقارب الضحايا شرارة الثورة الليبية العام الماضي. وذكر مصدر أمني بموريتانيا في وقت سابق أن نواكشوط تلقت طلبين من فرنسا والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لتسليم عبد الله السنوسي. ونقلت «فرانس برس» عن المصدر الأمني قوله: «حتى الآن تلقينا طلبين لتسليم السنوسي، الأول من من فرنسا السبت، والثاني من المحكمة الجنائية الدولية الأحد، ولم نتلق حتى الآن طلبا من السلطات الليبية، لكننا في انتظار زيارة من وفد المجلس الوطني الانتقالي». وفي بيان نسب إلى «وليام هيج» وزير الخارجية البريطاني أشارت أيضا بريطانيا، التي كانت إلى جانب فرنسا أحد الداعمين الغربيين الرئيسيين للثورة، إلى ضرورة أن تتعاون موريتانيا مع المحكمة الجنائية الدولية. وأثار اعتقال السنوسي رد فعل مساويا في القوة في شوارع طرابلس. وقال مصطفى جحيمة المقيم في طرابلس «السنوسي هو الصندوق الأسود للقذافي ولديه كثير من المعلومات». بينما قال المواطن عبد الله المري «هذه لحظة مهمة للشعب الليبي. كنت أتمنى أن يعتقل هنا»، وفق ما نقلت عنهما وكالة «رويترز».