أدى أعضاء الحكومة التونسية الجديدة بقيادة حمادي الجبالي، اليمين الدستورية أمام الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بعد ظهر أول أمس في قصر قرطاج الرئاسي. وأقسم حمادي الجبالي وفريقه المكون من 30 وزيرا و11 كاتب دولة وأربعة مستشارين بصفة وزراء معتمدين على حماية مصالح الوطن والدولة بقوانينها ومؤسساتها. وحث الرئيس منصف المرزوقي الفريق الحكومي بعد أدائه اليمين الدستورية على العمل، قائلا له «إلى العمل، إلى العمل، إلى العمل». وبدوره وعد وزير الخارجية الجديد رفيق عبد السلام (43 عاما) بإحداث تغييرات جذرية في أسس السياسة الخارجية التونسية. وكان المجلس الوطني التأسيسي التونسي المنبثق عن انتخابات 23 أكتوبر الماضي، قد منح ليل الجمعة/السبت، حكومة ائتلاف الأغلبية برئاسة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية، الثقة بعد مداولات تخللتها انتقادات لعدد من أعضاء الحكومة. وحصلت حكومة حمادي الجبالي على ثقة 154 نائباً من أصل 217 فيما اعترض عليها 38 نائباً، وتحفظ عليها 11 نائبا آخر. وقدّم الجبالي بعد حصول حكومته على الثقة، استقالته من عضوية المجلس التأسيسي عملا بأحكام الفقرة الأولى من المادة 16 من القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العامة. وكان أعضاء المجلس الوطني التأسيسي استمعوا قبل ذلك إلى ردود الجبالي على استفساراتهم وملاحظاتهم بشأن بيان حكومته، حيث أعرب عن أمله بأن تسهم الحكومة في تحقيق أهداف الثورة، وأن تكون وفية لدماء الشهداء وعادلة بين كل التونسيين. كما تعهد بالعمل المشترك مع المجلس التأسيسي والمجتمع المدني لبناء مؤسسات شرعية، والإسراع بالإصلاحات، والحد من الانفلات الذي تعاني منه البلاد. وقال “سوف نبني بالتراكم على الإيجابيات التي وجدناها، وسنغير ما نراه ضرورياً من متطلبات شعبنا وشباب الثورة”. وشدد على أولوية ملف التشغيل مؤكداً التعهد بتوفير نحو 25 ألف موطن شغل في القطاع العمومي إلى جانب معاضدة المؤسسات في القطاع الخاص لإحداث ما بين 45 و50 ألف موطن شغل. واقترح على المجلس التأسيسي المصادقة على مشروع ميزانية الدولة الذي أعدته الحكومة السابقة طبقاً للإجراءات الاستثنائية، لضمان مصالح الدولة . كما أعلن أن الحكومة ستتقدم بمشروع قانون مالية تكميلي خلال الثلاثية الأولى من سنة 2012. وتتولى حركة النهضة وزارات الداخلية والخارجية والعدل في هذه الحكومة المؤلفة من 41 عضواً هم 30 وزيراً و11 كاتب دولة. ويتولى وزارة الداخلية علي لعريض (53 عاما) السجين السياسي السابق وعضو المكتب التنفيذي لحزب النهضة، فيما يتولى وزارة الخارجية رفيق بن عبد السلام صهر زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي. أما حقيبة العدل فقد عهد بها إلى نور الدين البحيري الناطق الحالي باسم النهضة. وتولى حزب النهضة أيضاً وزارات الصحة والنقل والتعليم العالي والبيئة والزراعة والتنمية الجهوية والاستثمار والتعاون الدولي، إضافة إلى وزارة حقوق الإنسان الجديدة. وتضم هذه الحكومة إلى جانب حزب النهضة، حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية (يسار قومي) والتكتل من أجل العمل والحريات (يسار وسط) ومستقلين مثل طارق دياب لاعب كرة القدم التونسي الوحيد الذي فاز بجائزة الكرة الذهبية الإفريقية في 1997 ومهدي مبروك عالم الاجتماع. والوزارة الوحيدة التي لم يجر فيها تغيير هي وزارة الدفاع حيث تم التجديد للمستقل عبد الكريم الزبيدي. وتمت الدعوة إلى إدلاء الوزراء بقائمة ممتلكاتهم قبل مباشرة أعمالهم وسحب ذلك على عائلاتهم وأقاربهم أيضاً، مع تشديد الرقابة على الحكومة في المسائل المتصلة بالمحسوبية والقرابة والجهوية، وكل مظاهر الفساد أو الارتشاء، وإيجاد هيئات وهياكل رقابية للغرض. وستبدأ الحكومة عملها في وضع اقتصادي صعب ارتفع فيه معدل البطالة إلى 20 %، ولا يتوقع فيه أن يتجاوز النمو الاقتصادي هذا العام 0.5 %. وقد دعا الرئيس التونسي منصف المرزوقي الذي انتخبه المجلس التأسيسي لهذا المنصب قبل 11 يوما الأطراف الاجتماعية إلى «هدنة» لتجاوز الأزمة الاقتصادية. ووصف الإضرابات والاعتصامات التي تشهدها عدة مناطق من البلاد ب»الانتحارية»، وحث المضربين على استئناف العمل، والمستثمرين على إطلاق المشاريع، وطمأنهم على أعمالهم. من جانب آخر، أعلن حمادي الجبالي أن حكومته ستعقد أول اجتماع لها مطلع هذا الأسبوع للبدء في معالجة القضايا الاستعجالية الاقتصادية والاجتماعية. وقال في تصريح صحفي إثر أدائه وأعضاء حكومته اليمين: «شعبنا ينتظرنا وهناك كثير من الملفات ذات الأولوية وفي مقدمتها تشغيل الشباب وملف ضحايا الثورة وما قبل الثورة». وأضاف الجبالي في رده عن سؤال حول الانتقادات التي تعرضت لها حكومته أن «الانتقادات في عهد ديمقراطي ونظام ديمقراطي أمر عادي ويجب أن نتعود عليه»، ملاحظا أن المعارضة أساسية ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون معارضة. وقال «إذا لم تكن هناك انتقادات لا يكون هناك عمل جاد»، معربا عن الأمل في أن تكون المعارضة أيضا «بناءة وإيجابية» في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.