إن المؤمن يعلم أن هذه المواسم عظيمة ، والنفحات فيها كريمة ، ولذا فهو يغتنمها ، ويرى أن من الغبن البين تضييع هذه المواسم ، وتفويت هذه الأيام ...لقد كان رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يُعطي هذه الأيام عناية خاصة ويجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها..ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها)أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها ) رواه مسلم. أيها الناصح لنفسك : - تذكر أنها عشرة ليال فقط ، تمر كطيف زائر في المنام ، تنقضي سريعاً ، وتغادرنا كلمح البصر ، فليكن استقصارك المدة معيناً لك على اغتنامها . - تذكر أنها لن تعود إلا بعد عام كامل ، لا ندري ما الله صانع فيه ، وعلى من تعود ، وكلنا يعلم يقيناً أن من أهل هذه العشر من لا يكون من أهلها في العام القادم – أطال الله في أعمارنا على طاعته - ، وهذه سنة الله في خلقه (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30) - تذكر أن فيها ليلة القدر التي عظّمها الله ، وأنزل فيها كتابه ، وأعلى شأن العبادة فيها ف(من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه الشيخان . ،والعبادة فيها تعدل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة قال تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3) ،فلو قُدِر لعابد أن يعبد ربه أكثر من ثلاث وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر ، وقام موفق هذه الليلة وقُبلت منه ، لكان عمل هذا الموفق خير من ذاك العابد ، فما أعلى قدر هذه الليلة ، وما أشد تفرطنا فيها ، وكم يتألم المرء لحاله وحال إخوانه وهم يفرطون في هذه الليالي وقد أضاعوها باللهو واللعب والتسكع في الأسواق ، أُو في توافه الأمور . - تذكر أنك متأسياً بخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم بعض هديه خلال العشر، فاجعله حاملاً لك لاغتنام هذه الليالي الفاضلة . ❖أعمال يجتهد فيها الصادقون خلال العشر : - القيام في هذه الليالي : إنه الإيمان واليقين بموعود الله الذي وعد به أهل القيام ، ولهذه الليالي مزايا على غيرها ، أضف إلى اللذة التي تذوقوها حتى آثروا القيام ، وما أجمل ما قاله بعض العلماء –عن لذة المناجاة – حيث قال : لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم . - اغتنمها في الدعاء – فدعاء ليلة القدر مستجاب – تذكر حاجتك لربك ومولاك ، فمن يغفر الذنوب إلا هو ؟ فاغتنم هذه الفرصة فرب دعوة صادقة منك يكتب الله لك رضاه عنك إلى أن تلقاه، ولا تنسى الدعاء لإخوانك فهو من علامات سلامة القلب، ولا تحتقر دعوة فرب دعوة يكون فيها الخير لأمتك . - (ساعات السحر) وهو وقت شريف مبارك، ألا ما أجلها من ساعة ، وما أعظمه من وقت ، فأين المغتنمون له؟ - احرص على اعتكاف العشر كلها – دون التفريط بواجب من حق أهل وولد - ، فإن لم تستطع فلا أقل من الليالي أو ليالي الوتر ، فقد كان هذا هديه عليه الصلاة والسلام في هذا العشر، ويُشرع للأخت المسلمة أن تعتكف كالرجال إذا تهيأت لها الأسباب وأمنت على نفسها ، أو على الأقل الليالي . - أوصيك أخي بتطهير قلبك فهذه أيام الطهارة والتسامح والتجرد لله تعالى ، واجعل حظ النفوس جانباً ، فأنت ترجو المغفرة ، وتأمل عفو ربك ، وليكن شعارك العفو عن الناس وعمن ظلمك ، واجعل هذا من أرجى أعمالك هذه الليالي، ولله در ابن رجب في لطيفته يوم قال تعليقا على حديث عائشة :« اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عني» " إذ يقول : من طمع في مغفرة الله وعفوه فليعف عن الناس فإن الجزاء من جنس العمل . - اجعل بعض مالك للصدقة ولا تحتقر القليل فهو عند الله عظيم مع صدق النية ، وتذكر أن المال غادٍ ورائح ، وما تنفقه باق لك ، وأنت ترجو قبول دعائك هذه الليالي وللصدقة أثرها في قبول الدعاء والإثابة على العمل ، ومن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه .