جواد بنمغار،عضو اللجنة العلمية لهيئة عدول المغرب ل"التجديد"الهيئة نفضت الغبار عن المهنة ونطالب بالقضاء على ازدواجية التوثيق تم التطرق في هذا الحوارإلى المحطات التاريخية التي مرت منها الهيئة الوطنية لعدول المغرب، والدور الديني الذي يمكن أن تلعبه في تأطير المجتمع بالإضافة إلي مساهمتها في مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، كما تم الحديث عن علاقة مهنة العدول بالتوثيق العصري . - عن الهيئة وبعض المحطات التاريخية التي مرت بها؟ -- تأسست الهيئة الوطنية لعدول المغرب، سنة 1994، في المؤتمر الوطني للعدول بالدارالبيضاء والذي اجتمع تحت لواء الجمعية المغربية لعدول المغرب، وهي الجمعية التي كانت تعمل في ميدان تأطير مهنة العدول قبل تأسيس الهيئة. في مؤتمر الدارالبيضاء، تم تبني تغيير الإطار، وتغيير الممثلين والمكاتب والهياكل، وأفرز عبد السلام البوريني كنقيب للهيئة، ومازالت جمعية العدول بالمغرب قائمة الذات، ومازالت تضم الأفراد الذين لم يقتنعوا بالإطار الجديد، والكل يعمل وفق ظهير 1958 المنظم للحريات العامة بالمغرب. بالنسبة للهيئة الوطنية لعدول المغرب تأسست من أجل إعادة الاعتبار لمهنة العدالة، التي بدأ يضمحل دورها ويخبو إشعاعها، فتأسست للدفع بخطة العدالة إلى الأمام وتحسين كذلك من مستوى العدول في أداء عملهم وضمان الحصانة اللازمة للقيام بعملهم للدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية، وكذلك العمل على تطوير التوثيق بالمغرب وتوحيد أنظمته، تشبثا بالثوابت الموروثة وانفتاحا على كل ما هو جديد. وانطلاقا مما ذكر، شرعت الهيئة الوطنية لتحقيق أهدافها من خلال مستويين: المستوى الأول: هو الاعتناء بالمشاكل المهنية على صعيد المملكة وجرد هذه المشاكل وترتيبها ومد جسور الحوار والتفاهم مع المسؤولين عن هاته المشاكل وعلى رأسهم الوزارة الوصية وهي وزاراة العدل. المستوى الثاني: هو المستوى العلمي، فالهيئة الوطنية لعدول المغرب تطمح إلى ترجمة التوصيات والشعارات التي تبثها هذه الهيئة إلى دراسات علمية، عبرت عنها من خلال ندواتها الأربع التي نظمت بالمعهد الوطني للدراسات القضائية، وهناك ندوات ولقاءات جهوية نظمت في كل من تطوان، مكناس، الدارالبيضاء، مراكش، فاس وآخرها كانت بمدينة تمارة حول "مشكل اللفيف" الذي يعد من العوائق الكبرى التي تؤثر على سير التوثيق حاليا، وطبعا كانت للهيئة الوطنية لعدول المغرب وقفات وبصمات ومن آثارها أنها استطاعت أن تساهم في حل كثير من المشاكل المهنية على الصعيد المحلي، إما بشكل حبي في عين المكان، وإما بالتعاون مباشرة مع الوزارة، وقد تلجأ إلى أشكال النضال المعروفة كالوقفات الاحتجاجية، فالغالب على علاقة الهيئة بالوزارة، وخصوصا في السنوات الأخيرة، هو الحوار البناء والتعاون على حل المشاكل، وهناك ملفات تحظى باهتمام السيد وزير العدل المحترم، وعلى مستوى التنفيذ فالعلاقة مع هذه الوزارة أخذت نفسا جديدا مع السيد مدير الشؤون المدنية الحالي، "محمد ديدي". وهكذا استطاعت الهيئة الوطنية للعدول بالمغرب أن تحل كثيرا من المشاكل المهنية في مختلف أنحاء المملكة، فقد كانت مشاكل بين العدول وقضاة التوثيق تم حلها فيما بعد. - ما هي طبيعة هذه المشاكل التي تحدث بين العدول وقضاة التوثيق؟ -- من بين هذه المشاكل، تأخير الرسوم أو رفض الخطاب على بعض الرسوم، انطلاقا من أن العمل التوثيقي تنظمه نصوص قانونية واضحة وفقهية، فالجانب الفقهي قد يقع فيه أحيانا بعض الاختلافات بين العدول والتوثيق، فإما أن القاضي يجهل المسألة من الناحية الفقهية أو أنه يريد تطبيق قول معين (اجتهاد) والعدل يريد تطبيق رأي فقهي آخر، أو أن القاضي يعتبر هذه المسألة خاضعة للفقه والعدل يقول خاضعة للقانون، فعلى سبيل المثال القضية التي أثيرت في مدينة مراكش ، فالفصل 11 من مدونة الأحوال الشخصية ينص على ترتيب الأولياء ولكن بالنسبة لمجهولة الأب أو الغائب أبوها، فالفقه يلزم أن تكون هناك بينة على أن هذه البنت أبوها غائب وأن القاضي هو الذي يزوجها، ولكن إذا تتبعنا ترتيب الأولياء الذي ينص عليه الفصل 11 من مدونة الأحوال الشخصية، نرى أن القاضي يأتي في الدرجة الأخيرة، قبل الكافل. فهذه المشاكل التي يحصل فيها تضارب الآراء، يكون المتضرر الأول فيها هو المواطن ومصالحه التي تتوقف، وغالبا ما تكون الهيئة ممثلة في شخص نقيبها، تقوم بهذه الوساطة إما حبيا وإن اقتضى الحل يقع الاتصال بالوزارة. فهذا الجو من التحاور والتفاهم والتعاون على حل المشاكل هو الغالب. وقد طالبت الهيئة في مؤتمر الدارالبيضاء بتغيير قانون خطة العدالة لسنة 1980، الذي خرج إلى حيز التطبيق سنة 1983، والذي يعتبر خطوة إلى الأمام في وقته، و بعد مرور ما يزيد عن 17 سنة، ظهرت فيه كثير من الاختلالات والثغرات، ولم تكتف الهيئة فقط بهذه الشعارات وإنما وضعت مشروع قانون لتعديل قانون 81، وقدمت ملتمسا إلى الوزارة خلال مؤتمر طنجة سنة 1998، ومنذ ذلك الحين وهو قيد الدراسة في مصالح الوزارة، إلى غاية سنة 2000، استدعت الوزارة الهيئة لتطلعها على المشروع الذي أعدته بناء على ملتمس الهيئة، ليبدي العدول رأيهم وملاحظاتهم حول هذا المشروع. والهيئة الآن في شخص اللجنة العلمية تناقش اللمسات الأخيرة لهذا المشروع وبتعاون مع الوزارة. إذن فبهذه الندوات العلمية برزت خطة العدالة إلى الواجهة، وأصبح الناس ينظرون إليها نظرة جديدة، ويعلمون أنه قد ولجها أطر عليا وفقهاء يتقنون الفقه المالكي، فبعدما كاد الإهمال يغطي هذه المهنة ورجالها، أتت الهيئة فنفضت عنها الغبار لتعيد لهذه المهنة اعتبارها، فهي مهنة شرعية تنطلق من الإرشاد الوارد في القرآن، والذي زكاه عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من توثيق الحقوق والمعاملات الذي هو أمر ضروري يحافظ على أنساب الناس وأملاكهم وأموالهم ودمائهم، ثم باعتبار أن هذه الخطة لها دور ديني واجتماعي وحضاري متميز. - إذا كان لهيئتكم حضورا في المجال المهني والعلمي، فإننا نجدها غائبة عن المجال الإعلامي، فما هو السبب؟ -- في بداية عمل الهيئة، كنا نجد مشكلا في النشر وفي التعامل مع وسائل الإعلام وخاصة من الجرائد، وإذا نشرنا فيكون ذلك باتصالات خاصة ووسائل شخصية، فحينما كانت تسد الأبواب كنا نلجأ إلى جريدة "التجديد" فكانت تفتح أبوابها، فهناك مقالات نشرت في جريدة التجديد وردود، وكذلك جريدة "العلم" فهي من الجرائد التي تتعاطف وتنشر مقالاتنا. وبعد ذلك، فعندما كنا نقوم بنشاط معين نقوم باستدعاء وسائل الإعلام. فالآن لا يوجد أي مشكل مع الإعلام. - ما هو الدور الديني لهيئة العدول بالمغرب؟ -- يتجلى هذا الدور في مستويين: المستوى الأول: إنا ما يوثقه العدول من وثائق يكون على أساس الشرعية والفقه، وخاصة الفقه المالكي، ولا يمكن أن تخالف هذه الوثائق هذه الضوابط، فالحفاظ على هذه الضوابط في حياة الناس، فهذه مهمة دينية جليلة، فكثير من الناس يأتون عند العدل ولا يريدون أن يوثقوا الصداق كمثال، فتسمية الصداق ركن من أركان الزواج. فالعدول يحرصون على مبادئ الشريعة وأحكام الفقه ويعلمونها الناس، والأكثر من ذلك يقومون بتوعيتهم بالقوانين والمناشير المتعلقة بها فكثير من الأحكام تتوقف على إجراءات معينة والناس يجهلونها ويريدون توثيقها دون التقيد بتلك القوانين. فالعدول ليس هو ذاك الموثق فقط، فهو أيضا ذاك المفتي والمرشد. - ما هو الدور الديني للعدل في مجال التطليق؟ -- إن العدول يوثقون البيع والشراء والدين والوكالة والشركات والمغارسات وكل ما يدخل في نطاق معاملات الناس، فحتى تدوين البيعة فهذا عمل يتشرف به العدول عبر التاريخ، فقبل تعديل سنة 1993 لمدونة الأحوال الشخصية، كان العدول يقومون بمحاولة الصلح بين الزوجين ويعظونهم ويذكرونهم بمضار الطلاق، ومنهم من كان يسوف ويماطل الناس من أجل الحيلولة دون وقوع الطلاق. ولكنه بعد سنة 1993 أصبحت هذه المهمة يقوم بها قاضي التوثيق. - حتى نبقى في هذا المجال، هل لديكم دراسات تم تقديمها للجنة الملكية الخاصة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية؟ -- تصور الهيئة الوطنية لهيئة العدول بالمغرب لإصلاح مدونة الأحوال الشخصية، تقدمت به أمام اللجنة الاستشارية لإصلاح المدونة، وهو مودع لديها، ربما ستصدره في كتاب خاص. فالهيئة قد قدمت وصفا لواقع المدونة وعلاقتها بالاجتهاد، فموقفها كان انطلاقا من إحساسها من خرق للشرع في قطعياته، أما الاجتهاد وفق ضوابطه الشرعية، ترى أنه من الواجب أن يكون هناك اجتهاد في هذه النصوص ليوافق بين الشريعة وتغيرات الزمان والمكان وأحوال الناس ومصالحهم، والمدونة قائمة على نصوص قطعية كمشروعية الزواج والطلاق والتعدد وعدد الطلقات وأحكام الإرث، فهذه الأمور لا يمكن أن يشملها الاجتهاد، وهناك أمور مستنبطة من الأدلة الظنية وهي إما تفسيرات الفقه المالكي في راجحه أو مشهوره أو ما جرى به العمل في أغلب نصوص المدونة، أو انتقاءات خارج المشهور من المذهب المالكي، فما سوى القطعيات كله قابل للاجتهاد، لأنه محاولات فقهية لفهم النصوص وتنزيلها على الواقع، فالشريعة جاءت بناء على رعاية مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم، فلا يمكن أن نجتهد من منطلق الصراع بين الرجل والمرأة، فهذا خلل ولا ينطلق من التصور الإسلامي القائم على التكامل والتوازن والتعاون في الحياة.ثم لابد للقائم بالاجتهاد من أمور علمية، كالإدراك والإلمام التام بالقواعد الشرعية واللغوية، التي تؤهله للنظر في الأدلة والاستنباط منها وشروط واقعية وهي معرفة الواقع، ولا بأس من تطوير هذه المعرفة لنستفيد من مناهج العلوم، ثم لابد من شرط أخلاقي، هو أن يكون هذا المجتهد عدلا في نفسه، ورضيا لدى الناس ومعروفا بأمانته، حتى نبتعد بالاجتهاد عن منزلق الأهواء والحزبية، ونرى أنه حبذا لو أخذ بالاجتهاد الجماعي. - وبالنسبة للقوانين الدولية،ما موقعها في اجتهادكم،خاصة وأن الضغوط الدولية على المغرب والدول الإسلامية تدفع نحو إلغاء بعض الأحكام القطعية؟ -- نقول إن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها، فهذه القوانين الدولية إن لم يكن ما يصادمها في نصوصنا الشرعية، فيجب أن نأخذ بها إن كانت بها مصلحة وخير، أما إذا كانت هناك نصوص ومواثيق دولية تعارض قطعيات الدين والمعلومات من الدين بالضرورة، فهذه مرفوضة ولا يمكن أن يرفضها أحد. وبالنسبة للمغرب على المستوى الرسمي فهو يتحفظ منها على ما يخالف الدين ولا يقبلها. - نلاحظ وجود قضايا الطلاق والتطليق كثيرة في المغرب،وباعتباركم أقرب الناس إلى الحياة الزوجية للمغاربة ما الأسباب الرئيسية لارتفاع الطلاق ؟ -- المشاكل التي تدعو إلى الطلاق بالمغرب كثيرة نذكر منها الخلاف المادي والخلاف العائلي (سكن الزوجة مع عائلة الزوج)، وهذا مرتبط بأزمة السكن، وقد يكون السبب أخلاقيا (الزوج أو الزوجة)، كربط علاقات غير شرعية خارج بيت الزوجية.فليس من السهل حصر أسباب الطلاق، وهو ما يحتاج إلى دراسة علمية ميدانية، ويبدو أن الأسباب الاقتصادية تلح أكثر من غيرها في هذا الشأن، وهناك بطبيعة الحال مشاكل اجتماعية خاصة في البوادي، علاقة الزوجة بأقارب الزوج،فنظرة أهل البادية للزواج نظرة خاصة، إذ الزوجة ليست شريكة الزوج في حياته ومربية للأولاد ، وإنما ينظر إليها نظرة اقتصادية (العمل والمساهمة في التنمية)، وهي نظرة موجودة كذلك بالمدن.بالنسبة للأزواج الموظفين ومشاكل اقتسام النفقات والمداخيل. وهناك مشكل غياب الأزواج للبحث عن العمل أو غيره، وهذا كله وسط غياب كامل للوعي لمقاصد الأسرة ومكانتها الدينية.ويمكن القول من الآن فصاعدا أنه سينضاف مشكل آخر خطير وهو التغير الذي لحق مفاهيم الأسرة والنظريات الوافدة حول الأسرة وطبيعة علاقة أفرادها. - هناك توثيق آخر يسمى التوثيق العصري، فما هو الفرق بينه وبينكم وكذلك طبيعة العلاقة التي تجمعكما؟ -- التوثيق العريق في المجتمع المغربي هو التوثيق الشرعي، أي المنبثق من الشريعة، وهذا ليس معناه، ما عداه ليس من الشريعة، والتوثيق الشرعي معروف وهو ما يقوم به العدلان. أما التوثيق العصري فقد ظهر مع ظهير 25 ماي 1925 الذي وضعه المستعمر أيام الحماية ولتوثيق المعاملات التي تكون بين الأجانب أو يكون أحد طرفي المعاملة أجنبي، ولما جاء الاستقلال لم يقم الاهتمام بتوحيد التوثيق وبقيت هذه الازدواجية التي كانت حتى في التعليم والمحاماة. فمن توصيات ومطالب الهيئة الوطنية للعدول بالمغرب هو توحيد التوثيق، فلا معنى لهذه الازدواجية والمغرب قد حصل على استقلاله ووحد مؤسساته ومغرب أطره، فإخواننا في التوثيق العصري علاقتنا معهم جيدة، ونلتقي معهم في الندوات واللقاءات، ويشاطروننا الرأي في التوحيد، إلا أنهم يطرحون إشكالات عملية وعلمية يجب أن يقع حلها أولا قبل التوحيد، فهناك بعد فاحش بين التوثيق العدلي والعصري، فالأول لا يحظى بما يحظى به الثاني من إمكانيات وتطور في آليات العمل وهو يختص بتوثيق بعض الأعمال يختص بها دون غيره كالشركات وغيرها، هذه المفارقة ستؤدي مع مرور الزمان إلى إقبار التوثيق الشرعي. فالناس الآن يلتجأون إلى التوثيق العصري ويهملون التوثيق الشرعي، لأنه يتميز بالسرعة وأهله يخضعون لتدريب ودراسة، وتودع عندهم مبالغ مهمة وقد يقومون بالنيابة عن أطراف العقد بكثير من الإجراءات القانونية في المحافظة والبلديات. وبالنسبة للعدل فليست هناك نصوص قانونية واضحة تبيح له ذلك، ونحن نطالب بأن تكون هناك نصوص قانونية تخول للعدل القيام بهذه الإجراءات. حاواره حسن سرات