يستعد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لتخليد ذكرى المولد النبوي الشريف وذلك مع التردد في حكمها من الناحية الفقهية مع الإجماع بين جميع الأطراف بان هذا لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد صحابته رضوان الله عليهم ... ولكن المدافعين عن الاحتفال بالمولد يبررونه عادة بالحاجة الدائمة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلا شك مقصد متفق عليه. لكن السؤال الكبير هو ما حظ مبررات الاحتفال من الناحية العلمية من الاحتفال من الناحية العملية؟ والسؤال مشروع وقد اقترن الاحتفال في أكثر من بلاد بمواسم لتعظيم الأضرحة والتقرب إليها بالقرابين وما يرافق ذلك من كثير من مظاهر الشعودة التي إنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم للثورة عليها وتحرير الناس منها. ولقد كان يمكن أن يكون الاحتفال بلا نزاع لو كان فعلا للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يتحول هذا الموعد السنوي إلى محطة لتقييم مسار الأمة في اقتدائها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومناسبة لمدارسة سيرته من باب إشاعة كل ما له صلة برسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان الأمر كذلك لكان المولد النبوي ميلادا متجددا للأمة. وهل كان لهذه الأمة ميلاد قبله صلى الله عليه وسلم؟ كيف والله تعالى: {قدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (المائدة 16) فبخروجه صلى الله عليه وسلم أخرجت الأمة وببعثته ابتعثت الأمة كلها وهذا المعنى هو الذي عبر عنه ربعي بن عامر أبلغ تعبير حين قال: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. وللاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة ميزة خاصة وهو انه يقترن بحدثين كبيرين شهدتهما تونس ومصر وانتجا حراكا عاما في الأمة يبشر بميلاد جديد لها. نحتاج اليوم لميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون من تدارس سيرته فرصتنا لاستعادة الحياة. كما قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} الأنعام : 122 ولئن كانت الآية في الكافرين لكنها تمتد بمعانيها وظلالها لكل الناس. فهل يكون الاحتفال بالمولد بطعم آخر مغاير هذه السنة أم سيظل كما كان لسنوات عنوانا لأشياء كثيرة لو بحثت فيها عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدته هو النادر قد غطت عليه أشياء أخرى لا صلة لها به . لقد اقترن ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر ربيع الأول فليكن ربيعا للأمة.