خصصت الدورة الرابعة من سلسلة الندوات التي نظمها مؤسسة علال الفاسي بمناسبة الذكرى المائوية لميلاد زعيم التحرير علال الفاسي أول أمس بالمركب الثقافي الحرية بفاس موضوع التربية والتعليم للمدارسة والنقاش وتقييم حصيلة قرن في هذا المجال، وعرفت مشاركة العديد من الأساتذة المتخصصين، ونظرا لأهمية هذه الدورة وأهمية موضوعها، ونظرا لتزامنها مع انطلاق الموسم الدراسي وما رافق ذلك من بداية الحديث عن إصلاح برامج ومناهج التعليم بالمغرب، فسنحاول أن نضع بين يدي القارئ أهم الأفكار التي تضمنتها مداخلات المشاركين في هذه الدورة مع أهم الخلاصات التي انتهت إليها، على أن نعمل على تقديم أعمال الندوة التي تخص تقييم حصيلة النظام التربوي في المغرب خلال قرن وتقييم حصيلة قرن في المجال الإسلامي بالمغرب في جزءين، وسنخصص الجزء الأول للمداخلات الثلاثة الأولى: الصمدي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية: القيم التربوية في المنظومة التربوية انطلقت مداخلة الدكتور خالد الصمدي من تحديد التحديات التي يعرفها المغرب والتي تتطلب أن تقدم بشأنها مقاربة إصلاح منظومة التربية والتكوين الجواب الذي يجعل من إدماج القيم وترسيخها إلى جانب بناء المعارف وتنمية المهارات مدخلا أساسيا لها، فتحديات العولمة وتأثيراتها على الجانب القيمي والأخلاقي، وكذا تحديات التنصير وتأثيره على المنظومة العقدية، وتحدي الغلو والتطرف وأثره على تشويه النموذج الصافي للإسلام، يفرض حسب الدكتور خالد الصمدي أن يتم تجاوز المقاربات السابقة التي تركز فقط على المعارف والمهارات وتستبعد البعد الثالث في العملية التعليمية المتعلق بترسيخ القيم الإسلامية في المنظومة التربوية. وقد عرض المحاضر ضمن الإطار النظري لغايات ومقاصد التربية والتعليم في الفلسفة الإسلامية مؤكدا أنها تتضمن أبعادا ثلاثة متلازمة (بناء المعارف، تنمية المهارات، ترسيخ القيم) وحدد مفهوما دقيقا للقيم باعتبارها معايير عقلية ووجدانية يكتسبها الإنسان من مرجعيته الحضارية، تنظم تصوراته وتوجه سلوكه بصفة دائمة ومستمرة، يدافع عنها ويضحي من أجلها ويعمل على نشرها في محيطه. ونبه الدكتور خالد الصمدي ضمن التحديات التي تعترض إدماج القيم في المنظومة التربوية على قضية الخلاف في المرجعيات وأثرها على تعدد المفاهيم التي يتم التعاطي بها مع القيمة الواحدة. وأكد الصمدي أن الميثاق والكتاب الأبيض والقانون الإطار 00/01 يحددان بوضوح المرجعية المعتمدة والتي تتحدد في ثلاث مكونات أساسية: 1 مبادئ العقيدة الإسلامية: فقد نص الميثاق على أن نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية يهتدي بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، المتسم بالاعتدال والتسامح، الشغوف بطلب العلم والمعرفة. 2 ثوابت المغرب المتمثلة في الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية. 3 التراث الحضاري والثقافي للبلاد بتنوع روافده الجهوية المتفاعلة والمتكاملة. وينطلق الدكتور الصمدي من هذه المرتكزات ليخلص إلى أن القيم الناظمة لاختيارات وتوجهات المغرب في مجال القيم لا تخرج عن: قيم العقيدة الإسلامية. قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية. قيم المواطنة. قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية. وبعد أن يعدد الغايات التي توخى النظام التعليمي المغربي تحقيقها، يقيم الدكتور خالد الصمدي واقع حضور القيم في المشاريع التنفيذية وذلك على ست مستويات: 1 مستوى بناء المناهج. 2 مستوى التأليف المدرسي. 3 مستوى التكوين الأساسي والتكوين المستمر. 4 مستوى البحث التربوي. 5 مستوى الدعامات التكتيكية والوسائط التعليمية. 6 ومستوى التقويم. ويخلص من هذا التقييم إلى ضمور بعد ترسيخ القيم على هذه المستويات الست بالقياس إلى بعد بناء المعارف وتنمية المهارات. ويؤكد خالد الصمدي على أن مشروع التربية على القيم يتوقف على مركزية دور المدرس في بناء مشروع المؤسسة وفي بناء وتنفيذ الأنشطة التعليمية الخاصة بمادته، وفي بناء وتنفيذ الأنشطة الموازية المندمجة مع باقي المواد الدراسية وفي الأدوار الاجتماعية والتواصلية مع محيط المؤسسة وكذا في تقويم التربية على القيم. ويعتبر الصمدي أن إدماج القيم في المنظومة التربوية بهذا المنظور ستكون له انعكاسات جد إيجابية على منظومة التربية والتكوين، إذ من شأن ذلك أن يوفر حسب الدكتور خالد الصمدي الأمن التعليمي، ويقلص من حدة الاختلالات التربوية والأخلاقية التي تعرفها المؤسسة التعليمية، كما أن من شأنه أن يخفف من حدة الهدر المدرسي الناتج عن عدم الاندماج في محيط تربوي غير سليم، واعتبر الصمدي أن إدماج القيم في منظومة التربية والتكوين سيمكن من الارتقاء بجودة التربية والتكوين إذ سيتم توفير شروط الفعل التربوي، كما سيمكن من تزويد المجتمع بكفاءات تجمع بين المعارف والمهارات والقيم. وانتهى الصمدي في مداخلته إلى أربع خلاصات أساسية: 1 ضرورة توحيد مرجعية القيم في منظومتنا التربوية ومعاجلة التضارب بين المرجعيات الموجودة في المناهج ومراقبة الكتب المدرسية الأجنبية المعمول بها في بعض المؤسسات التعليمية. 2 ضرورة تقوية وتعزيز حضور مادة التربية الإسلامية في المناهج التعليمية لارتباطها المباشر بالتربية على القيم. 3 ضرورة إنشاء مرصد وطني للتربية على قيم الهوية لتطوير البحث في هذا المجال وتقديم الحلول التربوية والعلمية لإدماج القيم في المنظومة التربوية. 4 ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال. *** عمور، رئيس المجلس العلمي المحلي بفاس: مقومات الهوية الإسلامية المغربية والتحديات المعاصرة انطلق الأستاذ عبد الحي عمور في أول مداخلته من تحديد الدكتور محمد عمارة لمفهوم الهوية معتبرا أنها القدر الثابت والجوهري المشترك من السمات والقسمات العامة التي تميز حضارة أمة عن غيرها من الحضارات والتي تجعل للشخصية القومية طابعا تتميز به عن الشخصيات القومية الأخرى وأوضح عمور أن أكبر تحد يواجه الأمة الإسلامية هو الحفاظ على هذه القسمات المشتركة وتحصينها من الذوبان بسبب طغيان ما أسماه بالقيم الكونية ونظرية الأممية وهيمنة العولمة وانحسار الإيمان والأخلاق. واعتبر عبد الحي عمور أن مشكلة الهوية أصبحت من أعقد المشكلات التي تواجه الشعوب والمجتمعات في العصر الحديث بسبب هذه التحديات. وميز عمور في مداخلته بين حدود التوحد والامتزاج بين الحضارات والثقافات، وما يكون فيه الفصل والمغايرة تامة وكاملة، وبين ما يحصل فيه التطابق والتماثل، معتبرا حضارة الإسلام نموذجا في التعامل مع خصوصية الثقافات والحضارات الأخرى، ذلك النموذج الذي كان يعترف خ حسب عمور- بالمشترك الإنساني الذي لا تمايز فيه كما هو الشأن في القضايا التي يشارك فيها الإنسان غيره من بني جنسه في الخلق والتكوين والتكريم مما يتطلب الإفادة والاستفادة من ثمرات المعارف والعلوم المدنية الطبيعية الدقيقة والمحايدة، لكنه في الوقت نفسه يقر بالتمايزات والخصوصيات فيما يتعلق بالعقائد والشرائع والقيم والروحانيات والتي تتأثر معارف الشعوب فيها بخلفيات الاعتقادات والموروث الثقافي. ويحصر عبد الحي عمور ثوابت الهوية الحضارية الإسلامية في أربعة محددات: 1 محدد الدين والتدين باعتبار أن الأمة الإسلامية تدينت بالإسلام بحيث أصبح هو الممثل لأصالتها وثقافتها وصبغها بصبغته وطبعها بطابعه حتى في العادات والتقاليد والأخلاق والقيم والنظرة إلى الكون والحياة والنظرة إلى الآخر . ويؤكد عبد الحي عمور أن الهوية الإسلامية لا تتمثل في مجرد الانتماء للجنس أو الدم أو الأرومة، وإنما تتمثل أساسا في دين الأمة ومنهج الحياة فيها، وتترسم في عدة مفاهيم وقيم لا تتغير ولا تتبدل. وأشار عمور في هذا الصدد إلى إمكانية تأثر هذه القيم سلبا وإيجابا بما يعترض حياة المسلمين من أزمات ويشوبها من عوارض، لكنها مع ذلك، تبقى خ حسب عبد الحي عمور- الممثلة لأصالتها والدالة على وجودها وسر استمرارها. ويرى عمور أن المقصود بالدين في هذا الإطار هو الإسلام بمفهومه الشمولي المتكامل الذي يتمثل في الاعتقادات والعبارات والتشريعات والقيم والسلوكات، والذي ينظر إلى البشر باعتبارهم وحدة متساوية في الخلق والإنسانية مع التعدد والتمايز على شعوب وقبائل وأقوام، واعتبر عمور في هذا الصدد أن المنظور الإسلامي ينظر إلى التعددية باعتبارها سنة من سنن الله التزم بها المسلمون في التعامل مع الرسالات السماوية السابقة، كما ميز ثقافتها وحضارتها وعلاقتها بالآخرين موضحا أنها تلتقي وتتفاعل مع ما هو مشترك إنساني عام مع الاحتفاظ بخصوصيتها الحضارية وذاتيتها وأخلاقياتها التي تتميز بها عن الحضارات والثقافات الأخرى، ورفض كل أشكال الهيمنة والتبعية بدعوى وحدة الحضارة كما يزعم أنصار الحضارة الغربية على حد تعبير عبد الحي عمور. 2 الموروث الثقافي: ويرى عمور أنه يشمل الوحي الإلهي المعصوم المتمثل في البلاغ القرآني المتسم بالثبات وعدم القابلية للتغير ويعتبر الموجه للأمة ومصدر أحكامها ومناهجها، كما يشمل فهم السلف الصالح للبلاغ القرآني والسنة النبوية وما أبدعه القدماء من أعلام الأمة من اجتهادات في شتى صنوف المعرفة. ويميز عمور بين الأمرين، ويعتبر أن القداسة مرفوعة عن هذه الاجتهادات، وأن الثبات سمة لصيقة بالبلاغ القرآني والنبوي، أما اجتهادات السلف الصالح فهي نتاج العقل المسلم المعتمد على آلية الاجتهاد في فهم القرآن والسنة. ويرى عمور أن الثبات والتمسك بالموروث الثقافي لا يعني عدم التجديد، مؤكدا أن التجديد يكون في الدين في ذاتيته الكامنة فيه أولا، وفي العودة إلى الأصول والحقائق والمبادئ والمقاصد فكرا وحركة، وإحياء وإصلاح أمر المسلمين بالدين. 3 اللغة العربية: يرى عمور أن اللغة العربية تمثل وعاء الأمة المعبر عن مشاعرها وأحاسيسها وأنها تمثل أوعية تفكيرها وعقد تواصلها، ويعتبر أن التفريط فيها والحط من قدرها وتحجيم دورها يفقد الأمة والشعوب والمجتمعات الناطقة بها إحدى خصائصها ومميزاتها وبالتالي هويتها. ويرى عمور أن اللغة العربية ليست مجرد قوالب وأبنية تصب فيها المعاني والأفكار، ولكنها أداة تفكير، وأن سبيل وحدة الأمة يبدأ بتوحيد لغتها وثقافتها ومصادر معرفتها. ويعتبر عمور أن اللغة العربية تقوى بقوة الأمة، وتضعف بضعفها مشيرا في هذا الصدد إلى مخططات خصوم اللغة العربية الذين يعملون حسب عمور على إضعاف اللغة العربية والتقليل من أهميتها في حياة المسلم ويعتبرون ذلك مدخلا إلى إضعاف وحدة الأمة باستبعاد هويتها. ويرى عمور أن خصوم اللغة العربية يريدون قطع حبل التواصل بين الأمة وموروثها الثقافي حتى يتسنى لهم إلحاق الأمة بالغرب وتحقيق التبعية له. 4 الوطن: وقد أوضح عمور في هذا الصدد أن حب الوطن والاعتزاز به هو مقوم أساسي في هوية كل بلد ينتمي إلى الأمة الإسلامية وأن ذلك لا يتعارض مع مقتضيات الدين إذ لا يتنافى حب الوطن مع وحدة الأمة الإسلامية. *** المساري، كاتب وصحفي ووزير الاتصال الأسبق: المحطات التاريخية للتطور الإعلامي في المغرب قدم محمد العربي المساري في عرضه الذي ألقي نيابة عنه في فعاليات الندوة المحطات التاريخية للتطور الإعلامي في المغرب خلال مائة سنة المنصرمة. ويسجل العربي المساري في هذا الصدد أن أول الجرائد لم تظهر في المغرب إلا في مدينة واحدة هي طنجة وذلك سنة ,1883 وأن ذلك كان مقرونا بالنفوذ الأجنبي على يد البعثات القنصلية، أما الإذاعة فقد دخلت المنطقة الفرنسية سنة 1928 وفي الشمال سنة ,1935 أما التلفزيون فقد دخل فرنسا في منتصف الأربعينيات، ولم يدخل إلى المغرب إلا سنة ,1954 وانقطع ثم بدأ سنة .1962 ويسجل العربي المساري أنه في ظل الحماية ظهرت جرائد كانت ناطقة باسم الإدارة أو كانت تصدر بموافقتها مثل جريدة السعادة التي انتقلت إلى الرباط، وصدرت في البيضاء جريدة لافيجي منذ سنة 1908 في ركاب الجيش الفرنسي المتحرك في الشاوية، وصدرت في تطوان جريدة الإصلاح سنة 1915 ثم النصر وبعدها الاتحاد. ولاحظ المساري أن الظروف لم تسمح للوطنيين بنشر الصحف إلا في سنة 1933 وذلك بتطوان حينما أصدر الأستاذ محمد داود مجلة السلام ثم في سنة 1935 مجلة المغرب العربي للأستاذ محمد المكي الناصري، و:الحياة التي تمكن عبد الخالق الطريس من إصدارها سنة .1934 وذكر العربي المساري أنه في تلك المرحلة، كانت الإدارة الاستعمارية في الجنوب تمنع إصدار الصحف باللغة العربية وتحرص خصوصا على ألا يتمكن الوطنيون من إصدار صحف باسمهم، وأن ذلك كان السبب الذي دفع الوطنيين إلى إصدار جريدة :أكسيون دي بوبل بالفرنسية في 3 غشت 1933 والتي كان يشرف عليها محمد بلحسن الوزاني. وذكر العربي المساري استنادا إلى علال الفاسي، أنه في هذه الفترة صدرت نشرات مثل أم البنين وكانت في 40 صفحة، واستمر صدورها سنة كاملة، وكان يطبع منها 100 نسخة، وكذلك المفتاحّ والفضيلة و الحرية ولحمد غازي وفي تطوان أم عريط لمحمد بنونة. وأشار المساري إلى أن سلطات الحماية الفرنسية سمحت بصدور صحيفة باللغة العربية لأول مرة حيث صدرت جريدة الأطلس باسم الحزب الوطني في فبراير 1937 وجريدة الدفاع القومية في ,1937 وتم توقفهما بعد الاصطدامات التي انتهى بنفي زعيمي الحزبين: علال الفاسي إلى الغابون والوزاني إلى إيتزر. وأشار المساري أيضا إلى أنه في غمرة الحرب العالمية الثانية سمحت الإدارة الفرنسية بإنشاء جريدة المغرب في أبريل 1937 للأستاذ سعيد حجي، ثم سمحت له أيضا بإصدار مجلة الثقافة الفرنسية المغربية سنة ,1940 ثم صدرت جريدة العلم في 11 شتنبر سنة 1946 كما سمح لحزب الشورى والاستقلال بإصدار الرأي العام في فاتح ابريل سنة .1947 وعزا المساري سبب لجوء الحركة الوطنية إلى أسلوب النشرات إلى سياسة التضييق والعراقيل وأساليب القمع التي نصبتها الإدارة الاستعمارية في الشمال الجنوب، وأن ذلك هو الذي دفع الحركة الوطنية إلى أن تبتكر أساليب جديدة لعملها الإعلامي معتمدة في ذلك على النشرات السرية التي توزع في الخلايا كما اعتمدت أسلوب النشيد الوطني، وابتكرت الحركة الاستقلالية خ حسب المساري- وسائل فعالة لترويج دعوتها في الخارج لتأليب الرأي العام في فرنسا نفسها ضد الإدارة الاستعمارية وفي القاهرة وبلاد الشرق، وفي هذا السياق ذكر المساري أسلوب تكوين الجمعيات (جمعية الدفاع عن مراكش، مكتب المغرب العربي، لجنة تحرير المغرب العربي، مكتب حزب الاستقلال في باريس الذي حقق اختراقات مهمة في الصحافة التقدمية، مكتب حزب الإصلاح الوطني في نيويورك وبها نشر المهدي بنونة كتابا عن المغرب باللغة الإنجلزية). وسجل المساري أنه لم يكن متاحا يومها استعمال الإذاعة إلا في حالتين هما صوت العرب من القاهرة التي بثت نداء القاهرة والحالة الثانية هي راديو درسة تطوان. وأشار المساري إلى أن الحركة الوطنية لم يكن لها التدبير المباشر في هاتين الحالتين، وإنما تداخلت حسابات أصحاب القرار فيهما بين كل من القاهرة ومدريد، لكن مع ذلك، حسب المساري، فإن الوطنيون استطاعوا أن يستفيدوا من السياق لتوجيه الأمور إلى ما يخدم المصلحة. وفي مرحلة الاستقلال، سيتم إسناد جهاز الإذاعة إلى شخصية وطنية هي الأستاذ قاسم الزهيري للقيام بنقل الخدمة الإذاعية من الإدارة الاستعمارية إلى أداة لخدمة الأهداف الوطنية إلى أن تم تأميم الإذاعات التي كانت في المنطقة سنة .1959 وذكر المساري أنه منذ الستينيات أصبح مطروحا على المغرب أن يقرر في شأن الوظيفة التي يجب أن تكون للإعلام العمومي بعد مشروع استقلال الإذاعة الوطنية الذي قدمه المهدي المنجرة، ويشير المساري إلى أنه في هذه المرحلة وبرزت مسألة تنظيم الإعلام العمومي خاصة فيما يتعلق بتنظيم الحملات الانتخابية والتي سلطت الضوء على دور التلفزيون في النقاش السياسي والتواصل مع الرأي العام. وأشار المساري إلى أن الوضع في المغرب بعد الستينيات قد تطور الأمر وحلت مرحلة جديدة من تاريخ المغرب أصبحت فيه المسألة الإعلامية محكومة بضوابط جديدة، وطرأت تعقيدات نوعية بسبب تطور المفاهيم من جهة، وبسبب ما فرضه إيقاع التقدم التكنولوجي من جهة أخرى، وهو ما كان له دور في إحداث واقع تقني وقانوني واقتصادي أعطى لوسائل الإعلام دورا أكثر أهمية على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ المجتمعات المتحضرة.