تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي خبر السيدة (ز. س 28 سنة) التي أقدمت على إلقاء ابنتيها (عبير 6 سنوات وبثينة4 سنوات) من فوق خمسة طوابق عمارة بمدينة الجديدة لتسقطا جثتين هامدتين في أقل من ساعة، رمية أدت إلى هدم ما تم بناؤه في ما لا يقل عن ألفين يوما. حدث من هذا الحجم وهذه الخطورة لا يحق لنا أن نمر عليه مرور الكرام، بل يستدعي منا الوقوف عن أسبابه وتداعياته من أجل وضع مؤسسة الأسرة، والمجتمع بكل مكوناته من جمعيات المجتمع المدني والعلماء، ومؤسات الدولة أمام ضخامة المسؤولية. التجديد من جهتها استطلعت في الموضوع أراء كل من محمد الأزهر (أستاذ علم الإجرام بكلية الحقوق بالمحمدية) والمحامي محسن هشام (رئيس الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد الأطفال) وعائشة العسري (نائبة مركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا ورئيسة خلية الاستماع به) وعبد اللطيف رشدي (المسؤول المركزي لوحدة الأسرة والطفولة المحرومة بجمعية السلام للأعمال الاجتماعية) والدكتور محمد عز الدين توفيق (أستاذ جامعي وخطيب جمعة). التفكك الأسري والأزمات النفسية قال محسن هشام وهو محامي بهيئة الدارالبيضاء ورئيس الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد الأطفال ل التجديد: تلقينا نبأ وفاة هاتين الطفلتين من قبل أمهما بالجديدة، وقبل ستة أشهر من الآن سمعنا بأحد الصيادين الذي أقدم على إلقاء ابنه بالطريقة نفسها، وحالة الأب الذي قتل ابنيه بالرباط، وهذه كلها مؤشرات ينبغي دق ناقوس الخطر تجاهها لأن حقوق الطفل في ما يتعلق بسلامته الجسدية وحقه في الحياة أصبحت مهددة بشكل خطير، وللأسف أنها تنتهك من أقرب المقربين إليه. وبخصوص حادثة الجديدة من الناحية القانونية فالمسطرة جارية إذ أن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالجديدة أحال المتهمة على المصالح الطبية والتحقيق ما زال جاريا. لذلك لا يمكن الحديث عن الجريمة، وهذا لا يمنع من التذكير أنه في مثل هذه الحالات فالأم تكون مواجهة بعقوبة المادة 397 وتتعلق بقتل الوليد، والأم لها خصوصية معينة بحكم القرابة الأسرية ولكن بخصوص حالة الجديدة تنضاف أمور مثل الاضطرابات النفسية والخلل العقلي. وهذا لا يمنع من أن تتضافر جهود جمعيات المجتمع المدني للتحسيس بخطورة مثل هذه الجرائم ومحاولة التحسيس بضرورة احترام حق الطفل في السلامة الجسدية. ومعلوم أن الدافع الأساسي للإقدام على قتل الأولاد ناتج عن حالة من التفكك الأسري. والجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد الأطفال هي مسيرة مستمرة وفي غالب الأحيان تتدخل بشكل مباشر كطرف مدني إذ يتم تعيين محامي للدفاع إلا أنه في مثل هذه الحالة لا يتجور دورنا حدود التحسيس. يبنغي التحسيس بأهمية الطب النفسي في المغرب. ونحن في جمعيتنا نذكر بهذا الأمر غير ما مرة إلا أن حدوث مثل هذه الأحداث يزيد من التأكيد على أهمية الطب النفسي. الإرشاد الأسري قالت عائشة العسري (نائبة رئيسة مركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا ورئيسة خلية الاستماع به):إن إقدام أم على رمي ابنتيها من أعلى سطح العمارة بالجديدة حدث مفزع ومؤلم وينم عن حالة نفسية غير سوية، كما يؤشر على أن اختيار الحلول الفردية غالبا ما يخلف خسائر جسيمة، كما يؤشر على ضعف قابلية الأسر المغربية على ارتياد مراكز الاستماع والإرشاد الأسري التي غالبا ما تساعد الأسر، والنساء خاصة، على تجاوز بعض الخلافات الأسرية بأقل الخسائر. ونحن في مركز الوئام للإرشاد الأسري نستقبل نساء في حالة انهيار شديدة نتيجة مشاكل أسرية، إلا أنه حينما يتم الاستماع إليهن واستفادتهن من استشارات نفسية يتم حل المشكل قبل تفاقمه لدرجة قد تكون نتائجها وخيمة. وإن إقدام تلك المرأة على رمي فلذتي كبدها دليل على أن حالتها النفسية وصلت إلى حالة متدهورة لأن المغربية معروف عليها حرصها الشديد على أبنائها، وقد تتحمل الكثير من الإهانات والتعسفات صبرا على أبنائها، حتى أن الوصف الشائع على مجموعة من النساء الصابرة على أولادها. وإن هذا الحدث يزيد من مسؤولية مراكز الاستماع والإرشاد الأسري وجمعيات المجتمع المدني وكل المهتمين بمضاعفة الجهود من أجل إنقاذ الأسر من التفكك واختيار السبل الخاطئة في حل المشاكل كيفما كان حلها. وينبغي التذكير بأن الإعلام المغربي لم يسلط الضوء بالشكل الكافي على المراكز المهتمة بالترشيد الأسري ودورها في استقرار الأسرة وبالتالي استقرار المجتمع. الوقاية خير من العلاج عبد اللطيف رشدي (مسؤول الوحدة المركزية للأسرة والطفولة المحرومة بجمعية السلام للأعمال الاجتماعية):إن ما نسمع في هذه الأيام وتطلعنا به الصحف من جرائم كقتل الأمهات لأبنائهن، نعزوه إلى الضغط النفسي والاجتماعي الذي تعيشه فئة كبيرة من الأسر المغربية نتيجة الفقر والجهل وغياب الوازع الديني الذي يكون واقيا للإنسان من ارتكاب هذه الحماقات. وهذا ما ينبغي أن تشتغل عليه جمعيات المجتمع المدني بأمانة وصدق حتى تخفف من معاناة كثير من الأسر الفقيرة المعوزة و تقوم بإشراك الأمهات في تعليم حرف يدوية يقتتن منها، كما يجب أن تقوم بتوعية الأسر بواجبات كل من الزوج والزوجة والأبناء، وهذا يدخل في برنامج وحدة الأسرة والطفولة لجمعية السلام للأعمال الاجتماعية، حيث تقوم بأنشطة تعتبرها وقائية من الوقوع في مثل هذه الجرائم و تفكيك الأسر. ويتم ذلك عن طريق مساعدة المعوزين بالحاجيات الضرورية و التخفيف عنهم، وتكوين وتعليم الأمهات في مختلف الحرف، ومحو الأمية للرجال والنساء، وتنظيم محاضرات وندواواكتشفنا أن كثيرا من البيوت لا تفقه في هذه الأمور شيئا وتبقى على شفا جرف هار، ولا تعرف كيف تدخلون السعادة لبيوتها. ويقول عز وجل في كتابه العزيز (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا). حنان الأمومة المفقود خديجة الهيقي أم لثلاث بنات سألناها عن إحساسها كأم تجاه الحدث فأجابت: الأمومة تعني الحنان وسعة الصدر والحوار وتحمل الأبناء، والأم التي أقدمت على قتل بنتيها، الله هو الأعلم بظروفها الاجتماعية والصحية والعقلية، والخبر في الحقيقة هو مؤلم ومؤسف. وهذا ينبه الأسر إلى ضرورة سعيها للحفاظ على استقرارها وبالتالي تهييء ظروف النشأة السليمة للأبناء. وينبغي التأكيد على أن التربية تلعب دورا في حياة الإنسان لذلك ينبغي للآباء أن يصححوا أساليب التربية الخاطئة التي تلقوها في معاملتهم مع أبنائهم. كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن طريق التربية ليس مفروشا بالورود لذلك يجب الصبر والاستعانة على التربية بالمطالعة في الموضوع والاستفادة من الدورات التدريبية التي تنظمها الجمعيات المعنية في الموضوع وكذا القنوات الفضائية المهتمة بالموضوع. وأسأل الله أن يحفظ أبناء المغاربة أجمعين من كل مكروه. مسؤولية المجتمع ومن جهته قال محمد الأزهر (أستاذ علم الإجرام بكلية الحقوق بالمحمدية):إن المسؤول في هذه الحالة من الناحية الأخلاقية هو المجتمع في حد ذاته والزوج، والطبيب المعالج كان عليه أن ينبه إلى أن المرأة قد تصل إلى درجة تصيبها نوبات محددة، ومعلوم أن هذه النوبات تختلف من شخص إلى آخر فحينما نتكلم عن المجرم الصرعي، فهو مجرم قد يصاب بنوبة جنونية وقد يرتكب أفعالا إجرامية ولا يتذكر ما فعل. من هذا المنطلق هناك احتمال إصابة بنوبة جنونية أنتجت الإتيان على البنتين، ولو لم يتم إنقذها من قبل زوجة الحارس لأتت حتى على نفسها أو حتى من يريد منعها من قتل ابنتيها. وباعتبار أن لهذه المرأة مشاكل مع زوجها الذي يقيم مع جدته، فهذا نوع من الخنوع والخضوع للتقاليد الخبيثة التي جعلته يهجر زوجته التي لجأت بدورها إلى عملية انتقامية. وينبغي التذكير بأن ظاهرة قتل الأولاد ليست جديدة بل كانت مستفحلة في سنوات الستينات والخمسينات أكثر من الآن، وخصوصا من قبل النساء اللواتي كن يحملن خارج إطار الزواج الشرعي فيلجأن إلى قتل الأبناء أو تركهن في الشوارع والأزقة، والآن أصبحت الصحافة تسلط الضوء على هذه الأحداث بشكل يثير اهتمام الرأي العام. إن سيطرة العالم المادي وانسلاخ بعض القيم من خلال ما يسمى بالاختراق الثقافي عن طريق بعض وسائل الإعلام، هو ما يؤدي إلى تحلل بعض الناس من المسؤولية بهذا الشكل، في الوقت الذي نجد فيه أن ديننا الإسلامي يحول دون الإقدام على القتل أو الانتحار. إن الضغط الاجتماعي وما نستقبله عبر وسائل الإعلام من وسائل الاختراق الثقافي الممنهج أو ما يسمى بتكنولوجيا تغيير سلوك الإنسان جعلنا نعيش مغاربة مسلمين بهوية منسلخة نوعا ما أدت إلى عدة تمظهرات منها الإقدام على التخلص من مسؤولية الأبناء التي وقعت فيها السيدة. لا تقدم المرأة على قتل أبنائها إلا في حالة شاذة يقول الدكتور عز الدين توفيق(خطيب جمعة وأستاذ جامعي) : الحادثة في ظاهرها جريمة وذلك أن كل نفس بشرية فهي حياة مستقلة لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها تحت أي ظرف من الظروف بأي حق. وإذا كان لا يجوز للمرأة أن تقتل جنينها في بطنها بغير مبرر مشروع فمن باب أولى أنه لا يحل لها أن تقتل طفلها. ويجري على فعلها ما يجري على القتل في الأحكام المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية قال عز وجل:من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا ، وقال سبحانه وتعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق كما قال عز من قائل في وصف عباد الرحمن: ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق.. ويبقى أن هذه المرأة إذا أقدمت على القتل وهي غير واعية تماما بما تفعل ففي الإسلام الإنسان مكلف بشرط العقل، وهذا الأمر يتم البت فيه عن طريق الخبرة المتخصصة وهذا معروف في المحاكم. وينبغي البحث في الاسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع إلى مثل هذه التصرفات للقيام بما يجب من إجراءات الوقاية داخل المجتمع. وإن قراءتنا لمثل هذه الأخبار في الصحافة يصيب بالصدمة لأن الأم من الناحية الفطرية تؤثر أبناءها على نفسها وهذا معروف حتى في عالم الحيوانات، لذلك فلا تقدم المرأة على قتل أبنائها إلا في حالة شاذة. وتجدر الإشارة إلى ما يمكن تسميته بالمشاركين غير المباشرين على الإقدام على فعل القتل الذين يتقاسمون المسؤولية. ونسأل الله أن يحفظ مجتمعنا من مثل هذه السلوكات. وإن الإسلام حريص على حماية الأطفال من القتل، والأكثر من هذا أنه يحرص على أن ينشؤوا نشأة كريمة تليق بهم وليس فقط أن يعيشوا أي حياة، لأن أطفال اليوم هم رجال الغد. حبيبة أوغانيم