لم يكن الرأي العام العالمي يتوقع أن عملا فنيا دراميا سيحدث أزمة سياسية بين تركيا وإسرائيل، إلى حد أن هذه الأخيرة ستستشيط غضبا وتهين سفير تركيا بمقر خارجيتها. ويتعلق الأمر هنا بالمسلسل التركي في وادي الذئاب؛ الذي أرعب الكيان الصهيوني من خلال حلقة من حلقاته التي تصور الجيش الإسرائيلي على أنه جيش إجرامي وأن إسرائيل دولة إرهاب منظم. وهو نفس الموضوع الذي تطرق إليه من قبل مسلسل آخر بعنوان الوداع؛ الذي يظهر جانبا من ممارسات الوحشية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية؛ خاصة قتل الأطفال. وقد شهد بث المسلسل حملة تحريض واسعة في الصحافة الإسرائيلية التي اتهمته باللاسامي على الطريقة التركية. احتجاجات إسرائيلية حسب بعض المصادر الإعلامية العربية فإن وسائل إعلام إسرائيلية صرحت أن المسلسل التركي يظهر عناصر من الموساد الإسرائيلي يهاجمون سفارة تركيا في إسرائيل ويأخذون السفير وعائلته رهائن، وأضافت أن المسلسل يتضمن أيضا مشهد دم يتناثر على علم إسرائيل. وهو ما اعتبره وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان تحريض بالغ الخطورة يتم برعاية رسمية، وأن مسلسلا من هذا النوع، يصح بثه حتى بين دول معادية. وكعادتها وصفت إسرائيل المسلسل بأنه لا سامي ومعاد لإسرائيل، وأنه يظهر اليهود على أنهم خاطفو أطفال ومجرمو حرب، واعتبرت ذلك أمرا غير مقبول، ويهدد حياة اليهود في تركيا ويهدد العلاقات الثنائية. بل ذهبت بعض التصريحات إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبرت أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أصبح مصدر إزعاج لها لأنه دائم الانتقاد لها. من هنا نفهم لماذا تمت إهانة السفير التركي أمام العالم من قبل أيلون نائب وزير الخارجية الصهيوني، الذي صرح أمام الصحفيين وأمام الجميع: أرجو أن تكونوا قد انتبهتم إلى تصرفاتي، فقد تعمدت ألا أبتسم وأن لا أقدم للضيف شيئا وأن لا أصافحه وأن أجلس على ارتفاع بارز عنه، وعليه أن يعلم أن تركيا ليست هي الدولة التي تستطيع انتقاد إسرائيل وجيشها على الممارسات ضد الفلسطينيين، فهم تفننوا بالمساس بالأكراد والأتراك. السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا أغضب عمل فني إسرائيل؛ في الوقت التي تسهر هي على تشويه صورة المسلمين والفلسطينيين في جل الأعمال السينمائية والدرامية؟ قصة المسلسل يروي المسلسل البوليسي في وادي الذئاب المدبلج إلى اللهجة السورية الذي انطلق منذ سنوات، والذي بثته القناة المعارضة ستار قصة مجلس الذئاب الذي يضم رجال أعمال أتراك(المافيا التركية) يتاجرون في المخدرات وصفقات تهريب السلاح وغسيل الأموال ويتاجرون أيضا في البشر. ويحاول ضابط المخابرات علي كندان أن يفكك الشبكة ويكشف مخططات أصحابها. هذا ويتطرق المسلسل الذي تم إنتاجه في أربعة أجزاء وبفنية متميزة اعتمدت الإثارة والحركة والتشويق على غرار السلسلات البوليسية العالمية، إلى الإرهاب من خلال العمليات الإرهابية الكردية، غير أنه تم التوقف عن العرض(8فبراير2007) بسبب الاحتجاجات والتهديدات. ليستمر بعد ذلك ويسلط الضوء على جرائم الموساد الإسرائيلي من قتل وإجرام داخل السفارة الإسرائليلية بتركيا. وهو الشيء الذي استحسنه الجمهور الذي أعجب بقوة بالمسلسل الذي يفضح إسرائيل وجرائمها. وهذا ما شجع الشركة المنتجة للمسلسل بانا فيلم أن تصرح في بيان لها بأن المسلسل الذي عرض في قناة أبو ظبي وام.بي.سي دراما وا.أر.ت سيواصل سرد الحقائق و كشف الأخطاء، متسائلة: لماذا تشعر السلطات الإسرائيلية التي لا تتردد في قصف الأطفال اللاجئين تحت علم الأممالمتحدة(في غزة) بانزعاج من وقائع حقيقية تعرض في وادي الذئاب؟ وهو سؤال مشروع طرحه عدة متتبعين للشأن السياسي والفني، سواء من العالم الإسلامي أو الغربي. وقد علقت الشركة بالقول إنها لم تظهر سوى جزء يسير من حقيقة إسرائيل، وأنها بصدد إنتاج عمل آخر من نفس المستوى يتعلق بمعاناة الشعب الفلسطيني. تجدر الإشارة إلى أن نفس الشركة أنتجت شريطا سينمائيا بعنوان وادي الذئاب...العراق سنة ,2006 ويتطرق إلى الاحتلال الأمريكي في العراق. وقد حطم رقما قياسيا في المشاهدة، سواء في تركيا أو البلدان الأروربية المجاورة لها. وهو الشريط الذي تصدت له الآلة السينمائية الأمريكية الصهيونية. إسرائيل تخشى الفن الجاد قال الفنان المسرحي عبد الحق الزروالي: إسرائيل لا تسامح في مواجهة كل إنتاج سواء ثقافي أو فني يمس صورتها، لأنها تعتبر نفسها أنها المتحكمة في المشهد الإعلامي العالمي، خصوصا في المنتوجات الدرامية والسينمائية وغيرها. مضيفا في تصريح لالتجديد أن إسرائيل تدرك خطورة هذا السلاح، فهي لا تطور أدواتها في مواجهتنا من خلال ما يستجد من أسلحة... بل أيضا تعرف قيمة الفكر والثقافة كأداة من أدوات الصراع والحرب المستمرة ضد خصومها الذين هم نحن. جاء هذا خلال معرض حديثه عن أسباب احتجاج إسرائيل ضد المسلسل التركي. وقد تأسف الزروالي من أن العرب لا يبذلون أي مجهود ولا يعيرون هذا الجانب القيمة الحقيقية، في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل انتصاراتها المدعومة من قبل جهات عالمية عديدة؛ سواء على المستوى العسكري أو الإعلامي. وهنا يطرح المتحدث سؤالا جوهريا ووجوديا، في وقت امتلأت الساحة بأعمال فنية وسينمائية مطبعة مع الكيان الصهيوني، أو تجارية ودون قيمة فنية وجمالية، يقول الزروالي: السؤال هو أين الخطأ؟ فإسرائيل واضحة في استراتيجيتها... يبقى السؤال الذي نطرحه على أنفسنا ماذا نخطط نحن؟ وما هي الأدوات التي نمتلكها من أجل أن نرقى إلى مستوى الصراع ضد إسرائيل الظالمة؟ للإجابة يرى الزروالي أنه إما أن نمتلك استراتيجية شاملة تعي خطورة الآخر وتهيء نفسها لمواجهة كل اعتداء؛ سواء كان اعتداء فكريا أو ثقافيا أو عسكريا، وإما أن نعترف بالهزيمة ونستسلم للأمر الواقع. خلاصة ليست هي المرة الأولى التي تحتج فيها إسرائيل على عمل فني درامي يفضح صورتها وحقيقة تاريخها الدموي، فقد احتجت من قبل على أعمال أخرى لا تقل أهمية عن وادي الذئاب، مثل المسلسل المصري فارس بلا جواد الذي لعب بطولته أحمد صبحي، و مسلسلماتخافوش من بطولة نور الشريف، وهما المسلسلان اللذان كشفا عن زيف وادعاءات إسرائيل التاريخية والفكرية. مما يعني أن سلاح الفن الهادف الذي يرقى بالذوق وسلاح الصورة المعبرة ذات البعد الجمالي والإنساني يظل الرهان الحقيقي الذي يجب تحقيقه في معركتنا القادمة مع العدو الصهيوني.