مأساة غزة كشفت المستور، وعرت الواقع، وأسقطت ورقة التوت الذي تستر العجز العربي الاسلامي على الصعيد الحكومي، والتواطؤ الغربي واللامبالاة العالمية. منذ بداية سنة 2006 تخضع إسرائيل مليونا ونصف مليون فلسطيني يقطنون على شريط من الأرض الفلسطينية لا تزيد مساحته عن 363 كلم مربعا لحصار أو بالأحرى عملية قتل جماعي بطيئة، ولدت أكبر مأساة إنسانية منذ اغتصاب فلسطين سنة .1948 الحصار الصهيوني الممزوج بعمليات القتل والاقتحام العسكري لبعض مناطق غزة يدخل في إطار سياسة منسقة تستهدف النيل من صمود سكان القطاع الذين أجبروا بالمقاومة الاحتلال الصهيوني على الانسحاب وتفكيك مغتصباته الـ 21 التي كانت تضم أكثر من 8600 مستوطن، ثم اختاروا بغالبية كبيرة مع إخوانهم في الضفة الغربية وعبر انتخابات ديمقراطية ونزيهة حركة المقاومة الاسلامية حماس كممثل أول لهم. لقد حول الحصار الإسرائيلي القطاع إلى سجن كبير، بكل ما يعنيه ذلك على أرض الواقع، وأنشأ وقائع مأساوية ذات أبعاد كارثية، وبخاصة على قطاعات الصحة والتغذية والتعليم والعون الإنساني، كما أدى إلى شلل تام في المرافق الصناعية والقطاعات الاقتصادية، وتسبب في أزمة متفاقمة في سوق العمل الذي كان يعاني في الأصل من معدلات بطالة قياسية هي الأعلى عالميا. أكثر من 62 في المائة من السكان يعيشون تحت مستوى الفقر وأجيال كاملة من الأطفال جياع وسيواجهون مستقبلا كافة أنواع الأمراض بسبب ذلك. ويمثل إغلاق معبر رفح البري، وهو منفذ قطاع غزة الوحيد إلى العالم الخارجي عبر مصر، شاهدا آخر على واقع الحصار الخانق. وما يفاقم الموقف، أن الحكومة الصهيونية تهدد من حين لآخر بعملية اجتياح عسكرية واسعة للقطاع، وهو ما يرسم صورة قاتمة لمآلات الوضع الإنساني في القطاع. الكارثة بلغت ذروتها، وقد توقفت الحياة أو كادت، ورغم ذلك يستمر الصمت العربي والإسلامي الرسمي الذي تتخلله من حين لآخر أصوات استنكار خافتة لا تساوى شيئا، خاصة عندما يذهب الساسة الحاكمون للقاء والتفاوض مع مجرمي الحرب الصهاينة. الأممالمتحدة تلعب نفس التمثيلية المبتذلة الخادعة بالتنديد من حين لآخر. والغرب الذي يتشدق بالدفاع عن الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان يقف عمليا إلى جانب جرائم الحرب الصهيونية عندما يضع أو يقبل مبرراتها التي تنكر حق شعب شرد وطرد من أرضه في الكفاح، وتوصم مقاومته بما يسمى الإرهاب. سكان غزة يعانون أكثر من سكان الضفة على يد الاحتلال الاستيطاني، وكل ذلك جرائم حرب وضد الانسانية. حوالي أربعة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال والحصار لا يجدون ما يطعموا به أطفالهم وشيوخهم ونساءهم، هم يحتاجون إلى ملايين قليلة من الدولارات لا تتعدى مليونين يوميا ولكنهم لا يجدونها، وتقطر لهم بعض دول الغرب وبشروط مهينة البعض من هذه الأموال، في حين تهب بعض الحكومات العربية وعبر ما يسمى بصناديقها السيادية الى ضخ مئات مليارات الدولارات في محاولة لإنقاذ اقتصاد دول تقف في صف عدوهم. خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر نوفمبر 2008 خسرت الصناديق العربية 146 مليار دولار في مضاربات معروف نتائجها مسبقا لترضي قادة امبراطورية توشك شمسها على الأفول، ولكنها وهي تتشدق بالدفاع عن فلسطين تمتنع عن رمي بعض فتات الخبز لشعب صامد وتصمت أمام القتل البطيء لمليون ونصف فلسطيني. فإلى متى تبقى الحكومات العربية والإسلامية متراخية عن نصرة الفلسطينيين في غزة والضفة أمام طغيان عدو اغتصب الأرض وقتل أهلها؟