المفروض أن الأسرة الصغيرة هي الملاذ الأول الذي يشعر داخلها الأبناء بالأمان، على اعتبار أنها المشرفة الأولى على توجيه سلوكه ونموه وتكوين شخصيته، وتوجيه سلوكه، وكلما كانت العلاقة بين الأبناء وآبائهم حميمية ومبنية على الحوار الدائم والاحترام المتبادل، نشأ هؤلاء بشكل سوي، إلا أن الذي يحدث أن معظم الأسر صارت تشرك أبناءها في مشاكلها الخاصة سواء عن قصد أوعن غير قصد، وهو مايؤثر سلبا على سلوك الطفل وعلى دراسته، بل حياته المستقبلية، وعوض أن يحتوي الآباء أبناءهم يساهمون في نفورهم لاختيار الشارع كملاذ بديل. التجديد حاولت الاقتراب من أطفال ضحايا صراعات أسرية، ومراكز الاستماع التي أضحت تقدم المساعدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لتحسين تحصيلهم الدراسي دون التأثر بمشاكلهم الأسرية، كما أخذت رأي المختص في الأمراض النفسية. رغبة في الاستقلالية أعدوا لي غرفة خاصة بي، واشتروا لي من الأثاث ما أحتاجه وأشياء كثيرة لا ضرورة لها، ملأوا خزانة الملابس بأبهى الثياب، لكن نسوا أن يخفضوا صوتهم خلال مشاحناتهم التي لا تنتهي ليلا ونهارا. هكذا اختصر أمين الذي غادر مقاعد الدراسة قبل نيل شهادة الباكلوريا، مفهوم الرعاية الأسرية بأنه لا يقتصر على توفير المتطلبات المادية وإنما يشمل توفير جو هادئ يساعد الابن على التركيز من أجل التفوق الدراسي. وأضاف أمين الذي تجرع مرارة تأثير صراعات والديه وتأثرت بها دراسته: كانت والدتي من النوع الذي لا يتغاضى عن أي خطإ قد يقدم عليه والدي مهما كان بسيطا، وكان هذا الأخير لا يتوانى عن تذكيرها بأنه يقوم بكل واجباته كرب أسرة من ملبس وأكل...، وبين تبادل الاتهامات أجدني متصلبا أمام كتبي لا أقوى على الدراسة والتركيز، وأبحث عن أي شخص ينصت إلي. حمل أمين تراجع مستواه الدراسي إلى والديه، وبثبات رجل في الأربعين من عمره، أكد لنا أن للمشكلات الأسرية تأثير كبير على التحصيل الدراسي لأبنائهم وأن هؤلاء يستطيعون في سن معينة استيعاب ما يدور حولهم، وفي محاولة له في إقناعنا بذلك ضرب مثلا بنفسه، قال إن المشادات الكلامية غير المتناهية كانت تؤثر علي داخل البيت وخارجه، يجد نفسه وبالقوة يفكر في سبب الصراعات التي تتطور إلى تشابك بالأيدي بين والديه، ويتمنى لو استطاع العمل ليفتح بيتا مستقلا خاصا به ليرتاح قليلا. وقد يخطئ والداي، يردد أمين، إذا ما اعتقدوا أني وإخوتي لم نتأثر بهذه الخلافات، ففي ذهني الآلاف من المشاهد التي كانت تحدث بينهما، حيث كانا ينشغلان بالمشاحنات، ويتناسيان أنني وإخوتي رابضين في ركن من البيت ننصت ونستوعب كل ما يحدث بينهما، ولو استطاع والداي أن ينتبها لي، لتابعت دراستي وصرت شرطيا كما حلمت دائما ولما توقفت عن الدراسة واشتغلت مساعد جزار. الأمان العاطفي أكدت الأستاذة فاطمة البويسفي رئيسة مركز الصفاء لدعم وإرشاد الأسرة والشباب، على أن الخلافات الزوجية وانعدام التحاور داخل الأسرة من أبرز الأشياء التي تؤثر نفسياً على الأبناء، وتزرع لديهم الخوف وعدم الثقة في النفس، ولأن الشعور بالأمان حاجة أساسية للأبناء ترى البويسفي، أن أغلبية الأبناء يفتقدون إلى الحوار من طرف والديهم، على اعتبار أن التواصل الحواري يمنح الدعم النفسي للمراهق، ويعيد له الثقة في نفسه، وأيضا يرجع له مكانته في المجتمع، وتشير البويسفي أنه من خلال تجربة مركز الإنصات الذي تم فتحه في وجه كل الشباب الذي يحتاج لذلك، تبين أن التواصل مفتقد في العديد من الأسر سيما من قبل الأب الذي تخلى عن مهمته في الرعاية والتربية، ليترك المجال مفتوحا أمام أبنائه للبحث عن أي متنفس خارج البيت، وللأسف في غالب الأحيان يكون المتنفس سلبيا. وعن ضرورة التحاور يقول الدكتور محسن بنيشو اختصاصي في الطب النفسي والعقلي والاضطرابات الجنسية والعلاج المعرفي والسلوكي، إن الأبناء يحتاجون دوما لمن يسمعهم، ومن يفهمهم مهما كانت تفاهة ما يقولون، وعلى الأسرة قبل إنجاب الأطفال أن تعرف أن التواصل، الرعاية، العطف والتفاهم، ضرورية لكي ينشأ هؤلاء بشكل سوي، وأن أي خلل يحدث من الوالدين يؤثر سلبا على الأبناء سواء في مسيرتهم الدراسية أو الحياتية بصفة عامة . العنف والتمرد أحيانا يعاقب الآباء الأبناء في حالة وجود إخفاق دراسي، أو انعدام الرغبة لديهم لتهيئ الدروس بدل مراجعة سلوكهم للوقوف على سبب العلة، كانت تلك كلمات لـ شادية أستاذة بإحدى الإعداديات وأم لثلاث أبناء، توصلت شادية وبعد مرور 22 سنة من الزواج الى أن العنف لا يولد إلا العنف أو التمرد، وأن طريقة زوجها في معالجة مشاكل الأبناء سيما الذكور منهم بالضرب والعنف، و-التي كانت بالطبع توافق عليها- لم تكن ناجعة. ولم تنتبه شادية إلى ذلك إلا بعدما طلب منها ابنها الأكبر هشام الذي يبلغ 22 سنة، بعضا من الوقت للحديث معها، كان هشام، تقول شادية، يتحدث بطريقة هادئة خجلت خلالها من نفسي، حيث أوضح لي أن سبب عدم تركيزه في دراسته هي تلك الصراعات التي لا تنتهي بيني وبين والده، والتي صارت تسيطر على تفكيره حتى في الفصل الدراسي، وهي التي تسببت في تراجعه عن الدراسة، كما أوضح هشام لوالدته أن العنف الذي كان والده يمارسه عليه ساهم في تمرده وعدم انتباهه للدراسة بغية الانتقام منه. وعن العنف في التربية يقول الدكتور بنيشو إن المشاكل الأسرية تؤثر سلبا على الأطفال وعلى مستواهم الدراسي، بما فيها حالة اضطراب الشخصية عند الأب أوالأم، الضرب الذي يمارسه الأب على الأبناء، أوالأخ الأكبر على إخوته الذين يصغرونه سنا، أواكتئاب الأم... كل تلك الأمور تساهم في تقوقع الأطفال حيث تنعدم الرعاية بالشكل الكافي في الوقت الذي يحتاج فيه الأبناء للكثير من الحنان والعطف والتفاهم خلال كل سنوات عمرهم، وبالحوار يستطيع الآباء احتواء أي مشكلة قد تعترض الأبناء خلال مراهقتهم بالخصوص.