عرف الشعر الأمازيغي في بداية عهده روادا من الشعراء الذين يحملون هم الأغنية الأمازيغية، ويحرصون كل الحرص على اختيار الكلمات الشعرية التي توصل خطابهم لعموم الناس. وقد كانت الإذاعة الوطنية تشجع هذا اللون من الشعر الهادف عبر برامج يواظب المستمعون على تتبعها، كبرنامج أباراز نايت أومارك للصحفي المقتدر العسري أحمد أمزال، الذي كان يقدم نماذج من الأغاني، فيبرز مدى كفاءة الشعراء في النظم واختيار الكلمات الهادفة لإخراج الأسطوانة الشعرية، فيتهافت الناس على شرائها بلهفة لا نظير لها. أما اليوم، ومنذ نهاية السبعينات، فقد أشار الشاعر الراحل محمد الدمسيري رحمه الله إلى بداية منعطف جديد في الشعر الأمازيغي، ودعا الله تعالى أن يتوب عليه ويهديه للمحافظة على صلواته والاستقامة على الدين، معبرا عن ملله من الغناء وعن استيائه مما وصل إليه هذا الفن الذي ساهم في إرساء دعائمه: ءاغ ءيبلو ربي س لقبلت ن محمد ءيجود فلانغ ءانامزءاغاراس نتوب ءيما ءيموريكاد ءيس كيس رميغ نقنضي ءوتاغ تامارا ءاويغ كيسنت غار لعيب غار ءيسكا نصبر ليغ ياد نكا غيكادي ترجمة: اهدنا يارب إلى قبلة محمد وأعنا على التوبة واتباع الطريق المستقيم أما هذا الغناء فقد أرهقني ويئست منه عانيت وتعبت ولم أجن إلا العيب تحملت الصبر الكثير إذ لا بديل عنه وتنبه الشاعر إلى ظاهرة غريبة تألم لها بشكل شديد، وهي إشكالية تهميش الأغنية المغربية، إذ لاحظ أن الأهمية كانت تعطى آنذاك لشعراء من خارج الوطن أمثال فريد الأطرش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وأعطى مثالا لمبالغة البعض في تهميش الأغنية المغربية وإيلاء الأهمية إلى الأغاني الشرقية حيث قال: القيمة ويلي دار تلا غ ءيموريكي فريد د كلتوم نتات د عبد الوهابي ياك ءاعبد الحليم مسكين حرا يافوضي ءاكولشي لخبارنس ءيس كان لغرب ءاكا يكات لكنس ءارت ءادرن ءي وياضي ءارّاديو نتان كاسا سول ءيتخطاب ييلي غ ليداعة التلفزة ءيض أر ءيض مرايس نموت نكين مارّا نسويدي ءازوند أموش إغ توافا غو مدوزي ترجمة: قيمة الغناء إنفرد بها كل من فريد وأم كلتوم وعبد الوهاب ها هو المرحوم عبد الحليم توفى قبل أيام فعمت أنباؤه الغرب كله وتداولت الأمم أخباره باهتمام وحرصت الإذاعات على بث خبره في كل حين كما واكبت التلفزة هي الأخرى هذا الحدث لو مت أنا فمن هذا الذي سيهتم بأمري كهر يتوفى وسط ركام من الروث وترحم الدمسيري بعد ذلك على أمارك (الغناء والشعر) إن هو استمر في هذا الوضع، وتصورَ لو بقي على قيد الحياة بعض رواده الأفذاذ مثل الحاج بلعيد فلربما تسولوا وعدموا قوت يومهم، واستعرض الدمسيري في قصيدته هاته مجموعة من الشعراء الأمازيغ أمثال عمر واهروش وسعيد أشتوك وبونصير رحمهم الله، وكذلك المهدي بن مبارك والرايس الريح وجامع الحاميدي والرايس بيهتي، مستنكرا ما يُلصق بهم من عيوب لدى بعض المستمعين، واعتبر ذلك إهانة للأغنية الأمازيغية من قبل أبنائها المغاربة، في الوقت الذي اشتدت فيه الحاجة إلى تأصيل أغنيتنا المغربية وحمايتها مما هو دخيل، كالأغاني الغربية والفيديو كليبات: لحاج بلعيد إكا شاف كلو ن ءيموريك مرا ءوكان ءيسول ءافلان ءار ءازمزادي الله ءار د ءيكّامي غار ما سا سّاغن تّيدي ءاك ءيفسي ربي غ ءوسكرف ءاييموريكي ءيما تكيت ءيكيكيل كاغ نكي ويياضي ءيغا تسلان ءيلمهدي نّاناس إسمكي ءيغا تسلان إ-واهروش ءار ءيتمجادي ءاكا يكات تمازيرت نناس ءيزلضي ءيغا تسلان ءي واشتوك سعيد ءيبيد نناس هان ءيلاّ كيسن شيكي د لغرضي إغا تسلان إ- جامع أوكان لحاميد ناناس غار ريح ءاس ياكّان ءيموريك إغا تسلان ءي بونصير ءيغوي رّباب ناناسن ءوريطاف لكسوت ءولا ءامكرضي ءاياك بيهتي لاّن غ ءاماس ن باريس ءوراك غيد ءيحاضير كيناس ءاك لعيبي ءاك ءيفسي ربي غ ءوسكرف ءاييموريكي ءولا الهمة لي دارك إلان ءيترزاضي ترجمة: الحاج بلعيد كان رائدا في الغناء لو بقي على قيد الحياة إلى عصرنا هذا لما كان لديه ولو ثمن صابونة فك الله قيودك أيها الغناء أصبحت يتيما ويتمتني معك إن أصغوا إلى المهدي قالوا مجرد عبد أسود إن أصغوا إلى أهروش وهو يمدح في شعره اتهموه بالفقر والجشع وإن أصغوا إلى أشتوك سعيد يقرض الشعر قالوا متكبر وطماع إن أصغوا إلى جامع الحامدي قالو الشاعر الريح هو الذي ينظم له الشعر إن أصغوا إلى بونصير وهو يعزف على الرباب قالوا عديم اللباس والحلق الجميل هاهو الشاعر المهاجر بيهتي بباريس لم يسلم هو الآخر من العيب ولو كان غائبا فك الله قيودك أيها الغناء لقد تراجعت قيمتك واهترأت ولم يكن الدمسيري هو وحده الذي تألم لوضع الشعر الأمازيغي، بل شاطره الرأي مجموعة من الشعراء وبعض الفرق العصرية ك أرشاش القائلة في إحدى قصائدها : ءور ءيكي ءومارك ماد ءيتّزي يان ءاتّ نسرس ءولا كان ما يسرباحن ءاتّن ياسي يان ترجمة: ما الغناء بعاقل أخاصمه فأعتزله ولا هو بمصدر ربح يمتهنه الإنسان وتألمت المجموعة لكثرة الشعراء بلا فائدة تذكر حتى اختلط الحابل بالنابل، إذ يظن بعضهم أن العبرة تبقى في حمل الآلة قائلة في هذا الصدد: خلضن إمزيلن د ءيسياغن ما نيغ سول إضهر يات غاد ءيسماون غاد ءيموريك ءاميا ءور باين كول مايسكرن أغنجا سيغ ران ءاد زكوين ترجمة: اختلط الحدادون بالصياغين فانعدمت الرؤية ما أكثر الأسماء والأشعار بلا فائدة حمل آلة العزف كل من هب ودب أما الحاج المهدي بن مبارك، في قصيدة مطولة بعنوان أيا ماركي فيحكي أزمة كلمة الشعر الأمازيغي، وهذا هو السبب الذي دفعه إلى امتهان التجارة، حسب تصريح أدلى به للإذاعة الوطنية في أواخر التسعينات لما سئل عن سبب مغادرته الساحة الفنية، والمهدي في هذه القصيدة المطولة يرثي أمارك ويصف وضعية شباب اليوم الذي لا يحسن الإصغاء، همه الوحيد هو التهريج، مقارنا ذلك بالزمن الماضي الذي كان فيه أمارك رسالة نبيلة يستفيد منها الناس في مختلف قضاياهم الدينية والدنيوية. أما الشاعر امبارك أيسار فيندب حظه لما ابتلي بأمارك في قصيدة له في السبعينات قائلا: ءينّا حنّا س لعاقل ءيكا تازّانتي طفرغ إموريك نّيغ ءيس كسن لمزيتي ترجمة: أماه يا أماه عقلي عقل صبي صغير أهرول وراء الغناء ظانا أن فيه ربحا كثيرا ولمحنة هذا الشاعر الضرير لم يجد أمامه إلا هذا الغناء، نظرا للوضع الاجتماعي الذي يعيشه معظم هؤلاء الشعراء فيكون الغناء ملجأ للعيش، ولو طرح لهم البديل ما بقي في الساحة إلا من تشرب الشعر واقتنع برسالته التي من أجلها وجد.