قال الدكتور عبد القادر لشقر إن التلوث البيئي أصبح يهدد مختلف الكائنات الحية بالفناء، محملا المسؤولية للدول الصناعية. ولاحظ منسق ماستر استراتيجية صنع القرار بالجامعة المغربية أن انعقاد المؤتمرات الخاصة بالبيئة باستمرار يؤشر على أزمة حقيقية في هذا المجال وأنها تعكس في الواقع أزمة حضارة غربية. وحث الأستاذ الباحث في القانون العام والعلوم السياسية في حوار له مع جديد بريس على تفعيل دور الجماعات الترابية في هذا المجال بموجب مختلف النصوص القانونية في المحافظة على البيئة ومعالجة اختلالاتها. وفيما يلي نص الحوار: كثر الحديث في المغرب كما في العالم عن موضوع البيئة. فما هو سياق وخلفيات الاهتمام بهذا الموضوع؟ بسم الله الرحمان الرحيم.. في البداية أشكركم، ومن خلالكم أشكر كل القائمين على موقع جديد بريس على إتاحتكم لي فرصة التواصل مع زوار جديد بريس، وفي نفس الوقت على إتاحتكم فرصة الحديث حول موضوع يرتبط بشكل مباشر بالإنسان وبالمجال أو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان. جوابا عن سؤالك، يمكن أن أقول بأن موضوع البيئة أصبح يفرض نفسه ضمن القضايا التي تتصدر قائمة الاهتمامات والانشغالات الدولية والوطنية والمحلية، وذلك بسبب التلوث البيئي الذي أصبح يهدد مختلف الكائنات الحية بالفناء نتيجة التغيرات الكمية والكيفية التي مست مختلف العناصر الطبيعية من ماء وتربة وهواء، والمترتبة بدورها عن عدة عوامل نذكر من بينها: الإفراط في استعمال مختلف العناصر المتاحة من طاقات نباتية ومنجمية … واستخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية والعسكرية الخ …هذا التلوث يهدد الحياة البشرية والحيوانية والنباتية بالانقراض، لذلك وجد المجتمع الدولي نفسه مجبرا على اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية البيئة. وكانت أول مبادرة دولية في هذا الشأن هو مؤتمر استكهولم بالسويد سنة 1972، تلاه مؤتمر ريو بالبرازيل سنة 1992، ثم مؤتمر جوهانسبورغ المنعقد سنة 2002 ومؤتمر كوبنهاكن سنة 2009…. كما يلاحظ الاهتمام بالبيئة كذلك على المستوى الوطني، لتحقيق التوازن البيئي والبحث عن حل لإشكالية التوفيق بين التنمية والمحافظة على البيئة. لهذا الغرض سنت مختلف الدول عدة قوانين لحماية البيئة. ومنها المغرب الذي يستعد حاليا لاستضافة دورة جديدة لمؤتمر الأممالمتحدة حول المناخ (كوب 22) في الفترة الممتدة من 7 إلى 18 نونبرذ2016 بمدينة مراكش. فالمغرب الذي تبنى نتائج مؤتمر قمة الأرض " ريودي جانيرو " لسنة 1992 وبرنامج العمل المنبثق عنه، وضع سياسة وطنية لتدعيم العمل البيئي، سواء على المستوى المؤسساتي أو القانوني أو العلمي أو الإعلامي…، للإشارة، فقد عمل المشرع الدستوري على دسترة الحق في البيئة، فالفصل 31 من دستور 2011 نص على أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في: … الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. التنمية المستدامة. كما نص الفصل 35 من الدستور على أن الدولة تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية وعلى حقوق الأجيال القادمة. كما حاول المغرب العمل على ترسيخ أسس متينة للتعاون والتنسيق بين مختلف المتدخلين على الصعيد الوطني والمحلي. برأيك من المسؤول عن أزمة تلوث البيئة؟ لاشك أن تنظيم المؤتمرات الدولية والوطنية التي تدق ناقوس الخطر حول مشكل تلوث البيئة وانعقادها باستمرار يؤشر على أزمة حقيقية في المجال البيئي. وهذه الأزمة البيئية تعكس في الواقع أزمة حضارة غربية، في هذا الصدد تعتبر الكاتبة الإيطالية ألسندرا فرونز في كتابها: " الكارثة البيئية من الأزمة إلى الجذور" أن هذه الأزمة ما هي إلا نتيجة لجشع الرأسمالية المعتمدة في عدد من الدول الصناعية كأمريكا والدول الأوروبية واليابان الصين …. الواقع أن الجميع مسؤول عن تلوث البيئة بدرجة أو بأخرى، لكن الدول الصناعية هي التي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عن تدهور البيئة. يكفي أن أشير مثلا إلى أن حجم الترسانة النووية التي تمتلكها الدول أعضاء النادي النووي تكفي لتدمير العالم 25 مرة… هذا في تقديري حمق ما بعده حمق، فحتى إذا اعترفنا لهم، افتراضا بطبيعة الحال، بحقهم في تدمير العالم. فإن العقل أو المنطق يفرض إنتاج أو امتلاك قدر من الأسلحة النووية يكفي لتدمير العالم مرة واحدة فقط، ولن نكون في حاجة إلى تدمير العالم مرة أو مرات أخرى. وكان بالإمكان تخصيص الموارد التي تم إنفاقها لإنتاج ما يكفي لتدمير العالم 24 مرة أخرى لتحقيق التنمية ولمكافحة الأمراض والمجاعة والفقر والهشاشة… وبما يعود بالنفع والخير على الإنسانية. فالله خلق الإنسان لعمارة الأرض وليس للإفساد فيها. والدول الغربية تفسد في الأرض. في الواقع يصدق علينا تنبؤ الملائكة " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك". وبقي أن يتحقق فينا علم الله. " قال إني أعلم ما لا تعلمون". سورة البقرة الآية 30. وبالتالي، فعلى هذه الدول أن تراجع سياساتها الضارة بالبيئة قبل فوات الأوان. هل من دور للجماعات الترابية في مجال حماية البيئة؟ بالتأكيد، فدور الجماعات المحلية يبدو مهما لموقعها داخل المجتمع باعتبارها أقرب مؤسسة إلى كل فرد من أفراد المجتمع، ولكونها تتلمس احتياجات المواطن وتعايش مشكلاته اليومية وتؤمن له الخدمات الحياتية عن قرب. علما بأن المذكرة 21 المنبثقة عن مؤتمر ريو ديجانيرو1992 والتي تبنتها مختلف الدول، أكدت على ضرورة التعاطي مع المشاكل البيئية على كل المستويات الملائمة وعلى أهمية الجماعات المحلية في هذا المجال. لمعرفة طبيعة وأهمية الدور الذي تقوم به الجماعات الترابية في مجال حماية البيئة، فإنه ينبغي دراسة الاختصاصات والصلاحيات المنوطة بها، سواء بموجب القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، أو بموجب مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة. بالرجوع إلى القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية يتعلق الأمر أساسا بالقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات.والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم. والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. نلاحظ أن المشرع المغرب خول مجموعة من الاختصاصات البيئية إلى الجماعات الترابية. وسوف نقتصر هنا على عرض صلاحيات واختصاصات المجالس الجماعية في مجال حماية البيئة كما هي واردة في القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. سواء تعلق الأمر بالاختصاصات الذاتية أو الاختصاصات المشتركة أو الاختصاصات المنقولة. ففيما يتعلق بالاختصاصات الذاتية، نجد المادة المتعلقة ببرنامج عمل الجماعة، وهي المادة 78 تنص على أنه: تضع الجماعة، تحت إشراف رئيس مجلسها، برنامج تنمية الجماعة وتعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه. يحدد هذا البرنامج الأعمال التنموية المقرر إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة خلال مدة ست (6) سنوات. وفي هذا الصدد تنص المادة 3 من المرسوم رقم 2.16.301 بتاريخ 23 رمضان 1437 (29 يونيو 2016) بتحديد مسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحوار والتشاور لإعداده، على أنه: " تطبيقا لأحكام المادة 78 من القانون التنظيمي السالف الذكر رقم 113.14، يحدد برنامج عمل الجماعة، لمدة ست (6) سنوات، البرامج والمشاريع التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة، مع مراعاة ما يلي: تحديد برنامج عمل الجماعة للأوليات التنموية بالجماعة؛ السعي إلى تحقيق الانسجام والالتقائية مع توجهات برنامج التنمية الجهوية وبرنامج تنمية العمالة أو الإقليم عند وجودها؛ اعتماد البعد البيئي لتحقيق التنمية المستدامة؛ على مستوى إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية الجماعية، نجد المادة 83 من القانون التنظيمي المشار إليه تنص على أنه: تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين التالية: … التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة؛ تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها؛…إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة. وبالنسبة الاختصاصات المشتركة، فنجد المادة 87 تنص على أنه: تمارس الجماعة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية: … ولهذه الغاية يمكن للجماعة أن تساهم في إنجاز الأعمال التالية:..المحافظة على البيئة؛ تدبير الساحل الواقع في النفوذ الترابي للجماعة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛ تهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجود داخل تراب الجماعة. أما بالنسبة للاختصاصات المنقولة، فنجد المادة 90 تشير إلى أنه: تحدد اعتمادا على مبدأ التفريع مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجماعة، وتشمل هذه المجالات بصفة خاصة: حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية؛ إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة. من جهة أخرى، نجد القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات يسند من خلال قسمه الثالث عدة صلاحيات بيئية سواء لفائدة المجلس الجماعة أو ورئيسه. في هذا الخصوص تنص المادة 92 على أنه : يفصل مجلس الجماعة بمداولاته في القضايا التي تدخل في اختصاصات الجماعة ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي. يتداول مجلس الجماعة في القضايا التالية: التنمية الاقتصادية والاجتماعية: برنامج عمل الجماعة؛ تحديد شروط المحافظة على الملك الغابوي في حدود الاختصاصات المخولة له بموجب القانون؛ التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة. كما تنص المادة 94 على صلاحيات رئيس مجلس الجماعة، حيث يقوم بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك، ولهذا الغرض: ينفذ برنامج عمل الجماعة. كما يمارس رئيس مجلس الجماعة، وفقا لأحكام المادة 100 مع مراعاة أحكام المادة 110، صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، ويضطلع على الخصوص بالصلاحيات التالية: … السهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها؛… المساهمة في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايتها وذلك باتخاذ التدابيراللازمة لهذه الغاية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛… ضمان حماية الأغراس والنباتات من الطفيليات والبهائم طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل. هذا فيما يخص الاختصاصات الواردة في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية. أما فيما يتعلق بمسؤولية وصلاحيات المجالس الجماعية في ظل القوانين المتعلقة بالبيئة، فهي كثيرة، علما بأن النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة هي كثيرة ومشتتة: فهناك الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، المؤسسات المكلفة بحماية البيئة، الماء، قانون مراقبة القنص، حماية واستصلاح البيئة، دراسات تأثير البيئة، مكافحة تلوث الهواء، المقالع، المناجم، الساحل، المناطق المحمية، المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الأكياس من مادة البلاستيك منع الصنع والاستيراد والتصدير والتسويق والاستعمال، الوقاية الصحية لتربة الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتوجاتها، الانتاج البيولوجي للمنتوجات الفلاحية، حماية المستنبطات النباتية، نقل البضائع الخطرة عبر الطرق، تدبير االنفايات، الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية. لذلك نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض المقتضيات التي تضمنها قانون – إطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، فالمادة 3 منه تنص على أنه: لكل مواطن أو مواطنة الحق في: العيش والنمو في بيئة سليمة وذات جودة، تمكن من المحافظة على الصحة والتفتح الثقافي والاستعمال المستدام للتراث والموارد التي يوفرها؛ الولوج إلى المعلومة البيئية الصحيحة والمناسبة؛ المشاركة في مسلسل اتخاذ القرارات التي من شأنها التأثير على البيئة. كما تنص المادة 20 من الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة التي تحدد التزامات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة والمقاولات الخاصة وجمعيات المجتمع المدني والمواطنين على ما يلي: تسهر الجهات والجماعات الترابية الأخرى على إدماج المبادئ والأهداف المنصوص عليها في هذا القانون- الإطار ضمن آليات التخطيط وبرامج التنمية كل في مجاله الترابي. وتلتزم بضمان مشاركة ساكنتها في اتخاذ القرار المرتبط بالمحافظة على البيئة المحلية والتنمية المستدامة لمجالاتها الترابية والولوج إلى المعلومة البيئية المحلية المتعلقة بهذه الميادين. تلتزم الجهات المتجاورة وباقي الجماعات الترابية المتجاورة، قدر الإمكان، باتباع سياسات عمومية محلية مندمجة ومنسقة عند إقامة تجهيزات وبنيات تحتية تتعلق بالمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة. كذلك نجد المادة 25 من الميثاق المشار إليه تنص على أنه: يمكن للدولة والجهات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة تنظيم حوارات عمومية حول البيئة والتنمية المستدامة. وتنظم هذه الحوارات مع السكان والمتدخلين الاقتصاديين والاجتماعيين المعنيين على المستوى المركزي أو الترابي. تراعي الخلاصات المنبثقة عن هذه الحوارات العمومية في السياسات العمومية المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة. إلى أي حد تمارس الجماعات اختصاصاتها البيئية بفعالية؟ ج: من خلال ما تقدم ذكره نلاحظ بجلاء أن المشرع المغربي أعطى للجماعات من الصلاحيات والوسائل ما يمكنها من أن تقوم بدور مهم في المحافظة على البيئة. إلا أن أغلبية الجماعات لا تقوم بدورها كما يجب، مع الإشارة إلى أن هذا الدور يتفاوت من جماعة إلى أخرى. مما يجعل المدن المغربية معرضة بشكل كبير لاختلال التوازن البيئي ومرتعا للتلوث البيئي. ويعود ذلك إلى أسباب عديدة ومتشابكة: أسباب ذاتية وأخرى موضوعية. بحيث تعترض الجماعات العديد من العقبات والمشاكل. هل يمكن أن تحددوا لنا هذه العراقيل؟ بصفة عامة، تتمثل هذه العراقيل خصوصا في ضعف الموارد المالية المخصصة لها، وكذا في نقص التكوين لدى المنتخبين والموظفين، وتشعب وتشتت التشريعات التي تحدد أدوار الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة، فضلا عن غياب أو ضعف الوعي لدى بعض المنتخبين المحليين بالمشاكل البيئية التي تعاني منها الجماعات. دون أن ننسى غياب الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع، مما يزيد في صعوبة مهمة الجماعات المحلية في الحفاظ على البيئة. ما هي سبل تفعيل دور الجماعات في حماية البيئة؟ لتفعيل دور الجماعات الترابية في مجال حماية البيئة يجب العمل بطبيعة الحال على تجاوز العقبات المشار إليها أعلاه، ويقتضي ذلك مراعاة ما يلي: - توفير الميزانيات والموارد المالية اللازمة لها ودعمها بالتمويل الكافي قصد إقامة محطات الرصد والمختبرات الثابتة والمتنقلة والأجهزة والمعدات الأخرى والوسائل التي تتيح لهم رصد أي تجاوزات، وبالتالي القدرة على التدخل على الفور والتعامل مع هذه التجاوزات والحد من أضرارها. - إعادة النظر في القوانين المتعلقة بحماية البيئة، والعمل على معالجة أوجه القصور الكامنة فيها، بما يحقق الحماية اللازمة لها، وبالموازاة ينبغي توحيد جهود الجهات المتدخلة وطنيا وجهويا ومحليا والتنسيق بينها في مجال حماية البيئة ومكافحة التلوث. ضرورة الاهتمام بتكوين الأطر البشرية التقنية المختصة في مراقبة التلوث البيئي ومحاربته. اعتماد تخطيط بيئي محلي خاص ومستقل، على أن يدمج في المخطط الجماعي الكلي، فكل جماعة تجتهد، طبعا حسب إمكانيتها البشرية والمادية، في إدماج البعد البيئي في مخططاتها المحلية بما يراعي خصوصيات البيئة المحلية. لكن ، وكما يؤكد على ذلك بعض الخبراء في هذا المجال، فمن المستحسن أن يحظى الجانب البيئي بتخطيط خاص ومستقل. وبعد ذلك يدمج في المخطط الجماعي الكلي. وفي هذا الصدد، فإن إنجاز تخطيط بيئي محلي ملائم، يتطلب اعتماد مقاربة تشاركية خلال جميع مراحل البرمجة. بحيث يجب أن تنفتح الجماعات على مساهمة جميع المتدخلين المحليين في التخطيط وفي إنجاز المشاريع المتعلقة بالتنمية المستدامة. علما بأن مؤتمر « ريو ديجنيرو » قد أقر أن التنمية المستدامة والمتوازنة لا يمكن لها أن تتحقق بدون مشاركة حقيقية وفعالة للسكان وجمعيات المجتمع المدني. - إدماج البرامج التوعوية المتعلقة بكيفية حماية البيئة والمحافظة عليها ضمن المقررات التعليمية في المراحل الدراسية المختلفة بما يغرس في نفوس الجميع الاهتمام بالبيئة وتوفير ثقافة بيئية ونشر الوعي البيئي عن طريق تنظيم المعارض والندوات وتعليق الملصقات وتنظيم المهرجانات والتظاهرات حول هذا الموضوع. حاصل القول لابد من وضع استراتيجية بيئية تقوم على ثلاث ركائز: تشريع بيئي ملائم إدارة ذات كفاءة وفعالية تربية بيئية تتمحور حول الإنسان الذي هو صانع التنمية وفي نفس الوقت هو المستهدف من التنمية. وفي الأخير أؤكد على مسؤولية الجميع في حماية البيئة. أذكر أنني شاركت مؤخرا في ندوة علمية حول البيئة نظمت تحت عنوان: "بيئتنا مسؤوليتنا جميعا" فاقترحت في كلمتي، بعد أن استأذنت الجهة المنظمة، تعديل عنوان الندوة، ليصبح : "بيئتنا بيتنا جميعا". لماذا؟ ببساطة لأننا نحتاج إلى بث وتمثل ثقافة احترام وحماية الفضاء العمومي بالقدر الذي نتمثل فيه ثقافة الحفاظ على الفضاء الخاص: المنزل. هنا أستحضر مقولة روبرت فيسك:" لماذا تبدو بيوت العرب في غاية النظافة، لكن شوارعهم والأماكن العامة تملؤها القاذورات. فأجاب: السبب أن: العرب يشعرون أنهم يمتلكون منازلهم. ولكنهم لا يمتلكون أوطانهم".