كتمان العلم والمعلومات التي يحتاج الناس إليها من القضايا التي اهتم بها الإسلام، وحث على بيانها وتوضيحها للناس، وقد تكفل الله ببيان الوحي فقال تعالى (ثمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ). وأمر الرسول بالبيان (وَأنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتَهُ. وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، وغيرها من الآيات والأحاديث. فكتمان المعلومة واحتكارها فيه إضرار بالناس وتعد على حق من حقوقهم وتفويت فرص اقتصادية أو اجتماعية عليهم. ففي البيع مثلا لا يجوز إخفاء المعلومات المتعلقة بالمبيع، وخاصة العيوب التي قد تعتريه، وإن فعل البائع ذلك، وجب عليه تعويض المشتري عن الأضرار. كما لا يجوز إخفاء المعلومات التي يوجب القانون تساوي الناس في الإطلاع عليها، وتخصيص بعضهم بذلك يعتبر خيانة واستغلالا للنفوذ؛ مثل الصفقات العمومية، أو المرافق العامة التي يتساوى المواطنون في وجوب الاطلاع عليها. غير أن هذا الأمر، ليس بإطلاقه، فالعلم عموما والمعلومة خصوصا لا بد أن تكون مفيدة لمن تصل إليه، بحيث لا تكون سببا في الفتنة والاضطراب، والتسبب في الضرر بدل النفع، ففي البخاري عن علي بن أبي طالب موقوفا (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله)، وفي مسلم عن ابن مسعود قال (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة). وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قوله: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشرهم فيتكلوا). وقد بوب الإمام ابن عبد البر القرطبي في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" بابا حول "آفة العلم وغائلته وإضاعته وكراهية وضعه عند من ليس بأهله"، واستدل ببعض الأخبار من قبيل: عن عبد الله بن المختار قال: (نكر الحديث الكذب فيه، وآفته النسيان وإضاعته أن تحدثه من ليس من أهله). وليست كل المعلومات قابلة للنشر، أو صالحة لاطلاع عامة الناس عليها، فالمعلومات السرية ذات الطابع الأمني، أو تلك التي لها علاقة بسيادة الدولة مثلا يمنع نشرها، فقد عرف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه لم يطلع أحدا على سر خطته للهجرة مع أبي بكر، كما أنه صلى الله عليه وسلم كتم معلومات خاصة بالمنافقين ولم يطلع عليها سوى حُذيفة بن اليمان، ولم يكن عمر بن الخطاب مثلا -على مكانته-، ولا غيرُه يعلم أسماءهم، وكان إذا مات الرجل وشكُّوا فيه، يقول عمر: انظروا، فإن صلى عليه حذيفة، وإلا فهو منافق منهم. كذلك المعلومات الخاصة بالشؤون الشخصية، فإن الإسلام نهى نهيا شديدا عن نشرها، بل حث الإسلام على كتم هذه الأنواع من الأسرار، واعتبرها أمانة من الأمانات التي يجب المحافظة عليها، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها). علي بن بريك، أستاذ التعليم العاليب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر أكادير