ستغربا في مصر منذ انقلاب يوليوز 2013 ، فقد أضحت مصر السيسي أكثر توحشا بكثير مما كان عليه نظام بينوتشيه. فخلال سبعة عشر عاما من حكم بنوتشيه، قتل حوالي ثلاثة آلاف شخص، وسجن ما يقرب من أربعين ألفا، بتهم ارتكاب جرائم سياسية.. فقط في مصر، السيسي والعسكر المصري حطموا هذه الأرقام في أقل من عامين. لقد قتل في مصر ما يقرب من 2800 شخصا، ويوجد خلف القضبان ما يزيد عن خمسين ألفا.. فقط في مصر، أكثر من ألف حكم بالإعدام لمناهضي الانقلاب، أحدهم متوف !، بينهم الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي .. فقط في مصر، في محاكمة منعدمة الصلة بالقانون والدستور ومليئة بالتسيس والخصومة، حكمت جنايات القاهرة بإعدام أكثر من مائة قيادي في الإخوان المسلمين في مقدمتهم الرئيس محمد مرسي، والعالم الكبير يوسف القرضاوي الأكثر شهرة في العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر سابقا. فقط في مصر، اجتمعت كل مطابخ ومصانع الخديعة للإجهاز على الدولة المصرية المدنية الديمقراطية، التي ولدت من رحم الثورة وإرادة الجماهير.. فقط في مصر، الكل يعيش تحت الجور والإجرام وتلفيق الاتهامات، ولا استثناءات ولا خطوط حمراء، ولا رادع من ضمير أو قانون، لا أحد في مصر الآن يشعر بأنه في طمأنينة وطن. مصر تعيش فترة استثنائية، تعاظمت فيها خيلاء الخيانة وشرذمة الانقلاب، وتساندت فيها عصابات السوء، وبلغت درجات الوقاحة حدا غير مسبوق، فلا القضاء ينتفض للعدل، ولا شرطة ترتعد من عواقب الإجرام، ولا جيش يتأثر بآلام شعبه، ولا إعلام يفوق من غفلته وعمالته.. فقط في مصر، أصبحت الأرواح بلا ثمن، والمجازر ترتكب بدم بارد، من خلال إطلاق جيوش البلطجية والشرطة المسعورة لإحراق المحال والبيوت، والفتك بكل معارض للانقلاب، في ظل تحريض إعلامي إجرامي محموم لطمس بصائر عامة الشعب.. فقط في مصر، أسال الانقلاب العسكري الدماء أنهارا في ميادين مصر، وملأ السجون والمعتقلات، وحرق الجثث ومَثّل بها، وبطش بكل من يقول لا للانقلاب، وحَلّ مجلس الشعب والشورى الذي انتخبه الشعب، وألغى الدستور الذي صادق عليه الشعب، وعزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا لأول مرة في تاريخ مصر، وأغلق الفضائيات والصحف المعارضة، وأطلق البلطجية والمسجلين خطر ليعيثوا في الأرض فسادا وحرقا وتخريبا للممتلكات الخاصة و العامة، وسحلا للأبرياء في الشوارع، وأفلت زبانيته المسعورة في جهاز القضاء ليصدر الأحكام الجائرة على عظماء مصر، ممن وضع الشعب ثقته بهم. فقط في مصر، قام الانقلابيون بسن قوانين استبدادية، بمعدل لم يقم به أي نظام من قبل على مدى 60 عاما، حيث يحاكم الرئيس الشرعي مرسي وآخرين على واقعة معروفة منذ عام 2011 فجأة، في هزلية الهروب من سجن وادي النطرون الملفقة ومسرحية التخابر مع جهات أجنبية، بعد أن كان هو رئيس الجمهورية المنتخب، وبعد أن زكته جميع أجهزة الدولة الأمنية والإدارية والقضائية عند اللجنة القضائية العليا للانتخابات للترشح للمنصب الأرفع في مصر. ولم يقدم أي جهاز أي دليل ضده لمنعه من الترشح، كما أن الانتخابات الرئاسية التي فاز بها مرسي أشرف وأدارها المجلس العسكري بكامل أذرعه الأمنية، بمن فيهم المخابرات الحربية التي كان على رأسها اللواء السيسي، واحترم الجميع النتيجة وانصاعوا لقرارات مرسي بوصفه الرئيس الشرعي المنتخب.. فقط في مصر، يهيمن رجالات الدولة العميقة على القضاء والنيابة العامة، ويكفي أن أحد الإحصائيات أشارت إلى أن 30% ممن ينتمون إلى السلك القضائي كانوا ضباطا في الشرطة. وفي الثلاثين سنة الأخيرة التحق بالأجهزة القضائية من ينتسب للأسر المؤيدة للحزب الوطني وعلى صلة بالنظام السابق. وهؤلاء هم قضاة اليوم الذين استاؤوا من وصول الإسلاميين للحكم، وكانوا أداة تعطيل قرارات الرئيس مرسي، وهم أنفسهم من اشتركوا في مهزلة إصدار أحكام المؤبد والإعدامات، ويطمحون أن يرجعوا أمجاد نظام مبارك، ويخافون من المحاسبة على فسادهم. فقط في مصر، اللعب ببالونة صفراء عقوبته تتراوح من السجن 5 سنوات إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ! ، ومثلها عقوبة رفع اليد بأربعة أصابع (علامة رابعة) فهي تتراوح من السجن 5 سنوات إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وربما إلى الأبد ! .. فقط في مصر، المشي خطوات في مظاهرة يعني الاستضافة لسنوات في سجن الداخلية.. فقط في مصر، حَمْلُ مسطرة رابعة، أو دبوس رابعة، أو ارتداء (تي شيرت) أصفر، الحد الأدنى لعقابه 5 سنوات، وقد تكون الإقامة هناك مؤبدة !! .. فقط في مصر، تم إغلاق العديد من المساجد وطرد آلاف الأئمة، والتحفظ على أموال أزيد من 1130 جمعية أهلية، دون أن يبالي الانقلابيون بحجم المآسي التي سيعاني منها عشرات ملايين الفقراء من الشعب المصري، الذين كانت تمتد إليهم يد الإسلاميين الحانية، عبر آلاف الجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي قرر الانقلاب المجرم إغلاقها ومصادرة أملاكها، في إجراء وحشي لم يجرؤ حتى نظام مبارك على عمله. فقط في مصر، أخذت دائرة الاعتقالات تتسع لتشمل جميع المناهضين للانقلاب العسكري، لم تستثني أي فئة حتى الأطفال !! ، فقد نالهم مثل ما نال آبائهم من الحبس والتنكيل والتهم التي لا يقبلها عقل. وبلغ عدد من تم اعتقالهم من الأطفال الفئة العمرية ( 9_ 17) 2170 طفل، واعتقال 147 طفلا خلال فض اعتصامي رابعة و النهضة، فيم يقبع 370 طفل في أماكن احتجاز. و وصل عدد القتلى في الأحداث المختلفة ل 217 قتيل، ورصد 948 حالة تعذيب، و78 حالة عنف جنسي.. فقط في مصر، ولأول مرة في التاريخ، فتيات قاصرات أحلن على محاكم عسكرية، حيث أعلنت حركة طلاب ضد الانقلاب أن أعداد طلاب الجامعات والمدارس المحالين لمحاكمات عسكرية وصلوا فقط في محافظة واحدة ل 68 بينهم 8 فتيات. فقط في مصر، الإعلام مثل الصابون ينظف قاذورات النظام الانقلابي، حَوّل الرسالة الإعلامية من مجرد الوصف والتحليل إلى التحريض والتضليل وتبييض صفحة الانقلاب، وخاصة القنوات المملوكة لرجال أعمال الحزب الوطني، وآخرون كانوا يرتبطون بمصالح مع النظام السابق، ويخافون اكتشاف فضائحهم المالية.. فقط في مصر، خرجت القنوات الفضائية المعادية للرئيس مرسي، بتزامن مع التصريحات التي أثارت الدهشة للسفيرة الأمريكية " آن باترسون" قائلة أمام الكونجرس: إن بلادها ضخت 40 مليون دولار دعما لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مصر منذ ثورة يناير !! .. فقط في مصر، معظم القنوات الفضائية تخسر باستمرار، ولا تمتلك حصص إعلانية مسبقة لتكون أحد مصادر تمويلها، بالنظر للركود الذي يضرب سوق الإعلانات، التي تراجعت عوائدها بنسبة 40 في المائة، مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا. وعلى الرغم من هذا التراجع، فإن حجم الاستثمار في قطاع البث المرئي والمسموع ازداد زيادة قياسية.. فقط في مصر، القنوات الفضائية تنفق أكثر من 6 مليارات جنيه، بينما إيراداتها لا تتجاوز 1.5 مليار جنيه. فمن الذي ينفق؟ وما الغرض من هذا الإنفاق؟. فقط في مصر، خرج بعض المتظاهرين في 30 يونيو في ميدان التحرير والبعض الآخر في أماكن أخرى، ثم اشتغل الفوتوشوب ليعلن الإعلام المصري أن المشاركين في تلك التظاهرة 30 مليون ! ، بينما مظاهرة فرنسا ضد الإرهاب والتي خرج المشاركين فيها من كل حدب وصوب، قدرت وزارة الداخلية الفرنسية عدد المشاركين فيها 2 مليون.. فقط في مصر، صورت كاميرات العالم لجان الانتخابات خالية على عروشها، لكن اللجنة المشرفة على الانتخابات أعلنت أن السيسي فاز ب 25 مليون صوت !. فقط في مصر، وحده الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي، قدم صورة متفردة في التسامح مع معارضيه، غير مسبوقة في الوطن العربي، فلم تسجل عليه خلال عام واحد من السلطة حالات أحكام بالإعدام أو المؤبد أو اختطاف أو اعتقال أو قمع لمعارضيه، ولم تغلق في عهده أي صحيفة أو قناة فضائية، أو ارتكبت مجازر في حق المعارضين لحكمه، رغم أنهم أوغلوا في مهاجمته شخصيا والإساءة إليه بطريقة مزرية، والتآمر عليه. لقد بات جليا أن الإنقلابيين يحترفون الدجل، بعد أن انقلبوا على مبادئهم، عندما خرجوا يوم 30 يونيو ليقولوا للعالم أجمع، نحن نكفر بالديمقراطية التي ليست في صالحنا، ونعشق البيادة العسكرية. لقد انكشفت سوءة الإنقلابيين، فما رأت منهم مصر حرية ولا عدلا ولا احتراما لحقوق الإنسان، ولا نهضة ولا ازدهارا. إن المشاركين في هذا الانقلاب قد فضحوا أنفسهم، وكشفوا جميع عوراتهم المشينة ومخططاتهم الخبيثة، والشعب المصري عرفهم والتاريخ سَجّل جرائمهم ومجازرهم البشعة، وكيف أنهم عادوا بالبلاد إلى نظام ديكتاتوري أسوأ بكثير من نظام مبارك، وأثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم دمويون لا يؤمنون بالديمقراطية، وهم طالما هللوا وغنوا ورقصوا وملؤوا الدنيا صراخا ودعاية بأنهم دعاتها وحماتها !!. إن ما يحصل في مصر اليوم، هو انقلاب عسكري دموي، أصاب الاقتصاد المصري بحالة من الشلل التام، دعمته ومولته دول مستاءة من الربيع العربي، لطالما ادعت بمحاربة الانقلابات ونبذها، وحرمة الخروج على ولي الأمر. إن ما تقوم به سلطات الانقلاب هو السير على ذات الطريق الذي يؤدي إلى ما آلت إليه الأنظمة المستبدة التي دمرت أرضها وشردت شعبها.