ذ. فاطمة النجار واعظة بمسجد عقبة بن نافع بالبيضاء ل "التجديد": ذكرى المولد النبوي محطة المراجعات الكبرى لمبادئنا ومواثيقنا اعتبرت ذ. فاطمة النجار (واعظة بمسجد عقبة بن نافع بالبيضاء) أن ذكرى المولد النبوي فرصة عظيمة ننطلق منها لإحداث ثورة في اتجاه خلق قابلية دفع ومقاومة تأثير العالم الغربي، وشددت النجار في هذا الحوار الذي خصت به التجديد على حضور دور الحركات الإسلامية في هذه المناسبة، من خلال تسديد الشهادة وتجديدها في النفوس، وتوجيه الحب الفطري للرسول صلى الله عليه وسلم لدى المسلمين، ثم تصحيح علاقة التأسي ومنهج الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ووضحت النجار المنشغلة بهم، كيف يمكن أن نستثمر هذا الحدث كما أكدت على ضرورة الاستجابة لأداء حقوقه صلى الله عليه وسلم حتى نحافظ فعلا في حياتنا على أخلاق صاحب هذه الذكرى. بداية نود الأستاذة الكريمة أن نستفسر عن نظرتكم لذكرى الاحتفال بعيد المولد النبوي؟ بسم الله الرحمن الرحيم، في خضم التدافع الثقافي والحضاري بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، يجب أن نكون أذكياء أكثر، بأن ننظر بمناسبة ذكرى المولد النبوي فعلا، كمحطة وإن كانت يوما في السنة، ففي الحقيقة، الله عز وجل لا يريد لنا علاقتنا بنبي الأمة علاقة يوم أو سنة، وإنما علاقة أنفاس، فعلى قدر ما تعد أنفاسك على قدر ما تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهذه الذكرى أنظر إليها على أنها فرصة كبيرة جدا للحضور والشهود، شهود المعركة القائمة على ضوء مفاهيم الرسالة السماوية،وحضور التدافع الخطير الذي نشهده الآن، الآخر يريد أن يمرر لنا قيمه ورموزه واعتقاداته، نحن بالمقابل يجب أن نمضى في هذه الأيام وأن يلتقي عليها المسلمون أجمعين فهي يوم على الأقل كوعاء زمني، يوم التقاء يجب أن نحوله من التقاء على مستوى الشكل إلى التقاء على مستوى المضامين، ومنه ننطلق فعلا لإحداث ثورة في اتجاه أن تصبح عندنا القابلية لكي ندفع تأثير الآخر، وقابلية لكي نقاوم تأثير الآخر، أما إذا نحينا بهذه الذكرى منحى البدعة فتلغى أيامها أو أنها فرصة للأشياء، إذن فلن نكون حاضرين، ولذلك يمكن أن أقول أيضا بأن هذا اليوم عظيم، أعتبره يوم المراجعات الكبرى ويجب أن تحضر فيه كل الحركات الإسلامية، والعاملون للإسلام والمخلصون والعلماء والفاعلون.. يوم المراجعات الكبرى في علاقتنا بحدث ذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ولادة خلاص البشرية ويوم الإنسانية جميعها، التي تنتظر أن ينبلج فجرها وخيرها وتخرج من ظلمات ما نعيشه الآن من حروب على القيم، ومن حروب على مصير الإنسانية. أشرت أستاذة إلى أهمية حضور دور الحركات الإسلامية في هذه المناسبة، وهو حضور يمكن أن يقال أنه لا زال باهتا، فما هو دورها في توضيح الرؤية المقاصدية لهذا الحدث... من أجل تلمس خطواتها في حركية الواقع والمساهمة في نموه وتغييره؟ نعم، حتى نعيد لهذا الحدث دوره بالنسبة لتسديد الشهادة، فهذا هو دور الحركات الإسلامية التي انتدبت نفسها لتذود عن شرع الله وتقود صرح المجتمع حتى يعود إلى ربه، وأول خطوة على هذا الطريق تتحدد في قيامها بدور رائد مجتمعي في إحياء شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله وتجريدها في النفوس، لأننا نرى أن المجتمع مسلم وسيبقى مسلما، لكن المشكلة أن هذا الوازع وهذه العقيدة قد ضعفا في كيانه، ولذلك يجب أن تنطلق من هذه المناسبة لتجديدها في الأنفس، وتحيل فيها علاقة الإنسان إلى ربه وخالقه، عبر توفير المنابر والعلماء حتى يعلموا المسلم أن للشهادة نواقض. والمعاصي لا تخرج الإنسان من دائرة الإسلام ولكن تضعف إيمانه وإسلامه. وأيضا على الحركات الإسلامية أن توجه الحب الفطري للنبي صلى الله عليه وسلم وهناك عادات يقمن بها نساء الغرب وهي عادات تهز الكيان، أوضح أقربها إلى هذا السياق الذي نتكلم فيه، حيث إن نساء البوادي يزغردن كلما انبلج فجر ليلة ميلاده صلى الله عليه وسلم ، وهذا يؤشر على حب دفين في النفوس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن للأسف هذا الحب في عهد التخلف انحرف عن مساره، أصبح حبا يحمل حمولة ابتداعية في دين الله، طقوسا ما أنزل الله بها من سلطان، بعيدة عن صورة الحب الصادق، فالحبيب لما يحب مطيع. ودور الحركات هنا أن توجه هذا الحب ليكون حبا مبصرا، نعلم فيه المسلم إن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أراد الله، فمن أحبه تبعه وانقاد إلى شريعة ربه (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). وأخطر ما يناط على كاهلها مسؤوليتها اتجاه الأجيال القادمة، التي يزرع فيها الآن حب أمثال ساقطة، فما يعرض على أجيالنا وناشئتنا حب ضائع، الأولى بنا أن نرشد ونوجه طاقة الحب فيهم، وطاقة المشاعر في اتجاه أن يحبوا مثلهم الأعلى وقدوتهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن تصحح علاقة التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم وتوضح منهج القدوة، فالله سبحانه وتعالى ما طلب منا الاقتداء لا بعلماء ولا بوعاظ أو خطباء وذلك منعا للفتنة، وإنما جعل لنا إسوة بشريعة ربه (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) إلا أنه للأسف أيضا وقع في هذا التأسي انحراف يجب أن يصحح ويقوم حتى نعيش بإيماننا في ظل هويتنا وفي ظل مثل عال، حتى نصطلح مع سيرة رسولنا، وسنته، تلكم إذن هو منهج الاقتداء الذي ينبغي أن يصحح، فقد وقع فيه خلل فظيع جدا، فكثيرا من الناس يقتدي به صلى الله عليه وسلم متوضئا أو مصليا عليه، أو لابسا أو مستاكا، هذه أمور جليلة وعظيمة لا ننكر أهميتها، ولكن الاهتمام المبالغ فيه منها تضييع لجانب هام في سيرته صلى الله عليه وسلم، وهي الاقتداء به مربيا وموجها للأسرة كيف كان أبا، كيف كان زوجا... أستسمحكم علي المقاطعة، كيف كان موقع المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم ؟ طبعا، كان صلى الله عليه وسلم محطة للتأسي حتى في علاقته بالمرأة والمجتمع، ويمكن أن نؤشر على موقع المرأة في حياته صلى الله عليه وسلم، على الدور الرائد الذي كان لها، بحيث إنها ظلت تتعلم بجانبه وشهادة الصحابيات (ما حفظت سورة "ق" إلا من فيه صلى الله عليه وسلم) خالدة اجتمعن عليه في المساجد حتى ضاقت بهن، فطلبن أن يخصص لهن يوما خاصا، هنا ينبغي أن أوضح أن بعض الآراء الفقهية اليوم في هذا المجال بعيدة عن واقعه صلى الله عليه وسلم، فالمرأة لما أخرجت من المساجد أقفل عليها في البيوت، فأخذت طريقها إلى الخرافات والشعوذة والأباطيل لماذا؟ لأن فضاءات العلم ضاقت بحجة الفتنة. أعود بكم إلى دور الحركات الإسلامية، ألا ترون معي أن توجيه علاقة الاقتداء بالمنهج النبوي في التربية محطة أساسية في تخريج الرجال؟ أكاد أجزم، أنه إذا غيب منهج الاقتداء في علاقتنا بالمناهج التربوية، سنعيش ضعفا خطيرا لا على مستوى تنمية القدرات أو على مستوى تخريج الرجال، لذلك ينبغي أن نوجه هذه العلاقة نحو كيف حفز، كيف شجع، وكيف طور القدرات، وكيف خرج الرجال، وتدفع بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم في إبراز الطاقات واستيعابها، طاقة الأقوياء، وحتى طاقة الضعفاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم استوعب قدرة ابن مسعود وأخرج منه قائدا ورائدا في مجاله وتخصصه، واستوعب أيضا خالد بن الوليد وأخرج منه قائدا عظيما في مجاله وتخصصه، واستوعب حتى النساء وأخرج قيادات في مستواهن... إذن فنحن نفتقد إلى صورة متكاملة في منهجية الاقتداء به، وهذا دور الحركات الإسلامية، على الأقل تنطلق به في هذا اليوم لكي تحيي هذه القضايا الكبرى. كيف نستثمر حدث ذكرى المولد النبوي لبلورة عطائه في عقول المسلمين وسلوكهم؟ أحب أن أوضح هنا أن حدث ذكرى المولد النبوي فرصة عظيمة لو تسلحنا فيه برؤية مستقبلية، لجعلنا هذا اليوم في الحقيقة محطة مراجعات كبرى لمبادئنا لمواثيقنا، لمنطلقاتنا في صناعة الأجيال، فنستثمره في الحضور مع كل شرائح المجتمع، وأنبه بالخصوص في هذه المسألة على أهمية دور المثقفين في الدفع بها في الاتجاه الصحيح، لأن الخطير في هذه المناسبة أنها تحال على ما نسميهم الفقهاء فقط، في حين أن علاقة المثقف بالدين ينبغي أن تكون قوية جدا، علاقة تصحيح أفكار، ومنهج التصورات... فموقع المثقف الآن حاضرا وعليه أن يبني ثقافته وأن يجددها ويبني ثقافة المجتمع انطلاقا من المنهج النبوي الذي صنعه صلى الله عليه وسلم، لأنه صنع على أعين من الله، ولم تكن من قبيل الصدفة أن أول مبدأ صنع به الرسول صلى الله عليه وسلم هو مبدأ "اقرأ". والمثقفون يجب أن يحضروا في هذه المحطة ويساهموا في دعوة المجتمع إلى القراءة الواعية والبانية حتى يستوعب الأفراد حياة رسوله وأن ينطلق منها في البناء. وهذه مناسبة تدعو العلماء لاستثمارها والانطلاق منها كفضاء زمني وأرضية مشتركة للمشاركة في المناهج المستقبلية، إذ أرى أن العالم ليس دوره منبريا فقط، وإنما دور تخطيط توجيهي، كما على الوعاظ في هذا المجال أن يخرجوا هذه المناسبة من الاحتفال التقليدي بتذكير الناس فقط بسيرته بل ينبغي أن يتجاوزوا ذلك، إلى معرفة قيمته صلى الله عليه وسلم بالنسبة لحياة الإنسان. وذلك بإحياء وتجديد الخطاب للناس حتى يمهدوا لهم، وييسروا طريق الاقتداء والاهتداء به صلى الله عليه وسلم. ومن جهة ثانية أشدد على دور المرأة ثانية، الذي يجب أن ينطلق من استثمار حدث ذكرى المولد النبوي، كون المرأة تعتبر ورقة رابحة في دائرة الصراع مع العالم الغربي، فنحن نعيش حملة على الهوية، لذلك على المرأة أن تنطلق في تجديد موقعها على ضوء الكتاب والسنة، وأستحضر هنا قولة عمر بن الخطاب >ما كنا نعد النساء شيئا حتى ذكرهن القرآن< فأقول بأن المرأة بغير قرآن يضيع موقعها الحقيقي، بين مسار التقليد الذي يغيبهن من ساحة الفعل والإبداع، ومسار الجهل الذي أوقعهن في مستنقعات الخرافة والأباطيل. كلمة أخيرة بالمناسبة؟ بهذه المناسبة أوجه نداء لكل المسلمين، وهو دعوة إلى أن نحيى وأن نستجيب لأداء حقوقه صلى الله عليه وسلم التي في أعناقنا، حق الشهادة ثم حق اليقين، شهادة قلب وكيان وحياة ثم نؤدي حق الوفاء لهذا النبي الذي جاهد وناضل وأوذي وغرب ليخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور، ثم حق الصلاة عليه،. وفي الصلاة عليه استدرار للرحمات ووفاء وحق التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم وثم حق المرابطة لحماية ميراث النبوة، حتى تحقق الأمة مزيدا من الارتباط بمفاهيم الرسالة السماوية. حاورتها: عزيزة الزعلي