كلمة (نقد) في اللغة العربية، تعني تمييز الدراهم، وإخراج الزائف منها، أما اصطلاحا فهي الكشف عن محاسن العمل ومساوئه. من هنا نفهم أن النقد نقدان إيجابي وسلبي، أما النقد الإيجابي فهو النقد الذي يتضمن البحث عن محاسن ومساوئ العمل بهدف تشجيع الحسن منه وتفنيد السئ منه ومن ثم إيجاد حلول أو بدائل لما وجده الناقد من سوء. بينما النقد السلبي هو نوع من تصيد الأخطاء والعثرات وتسليط لسان لاذع يصف تلك الأخطاء والعثرات بشتى النعوت القدحية. ولا يخفى ما يجتاح مجتمعاتنا العربية والإسلامية من سخاء في الذم والقدح والسلبية، وشحّ في التقدير والإيجابية، أصبحنا أساتذة في تشريح السلبيات، وتلاميذ فاشلين في التعرف على الإيجابيات. نشم القبيح من مسافة بعيدة...نجيد الهدم ولا نحسن البناء.. نذوب حبا في لعن الظلام...وقلما نفكر في إيقاد شمعة... والأجدر بنا أن نلتزم العدل والإنصاف وأن نرجح إن كنا مرجحين جانب إبراز الإيجابيات وتشجيع المبادرات وأصحاب الحسنات الراجحات، كما يحسن بنا أن نعتمد منهج أهل السنة في نقد الآخرين ومن ذلك: الخوف من الله تعالى عند نقد الآخرين والحديث عنهم، يستحضر حرمة المسلم، وضرورة العدل والإنصاف مع غيره. تقديم حسن الظن بالمسلم، ويستحضر أن بعض الظن إثم. التحدث في الناس بعلم وعدل وإنصاف، الاعتبار بكثرة الفضائل، فإن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث كما يقال، فمن غلبت فضائله هفواته ، اغتفر له ذلك. يقول هشام بن إسماعيل في مقاله: «منهج أهل السنة في النقد والحكم على الآخرين. على الإنسان أن يتقي الله تعالى في نقده وألفاظه، ويخلص النية لله ويتجرد عن الهوى وحظوظ النفس، و لا يتكلم إلا بعلم وعدل وإنصاف ويقدم حسن الظن بالمسلم، ويوازن بين المحاسن والمساوئ، ويجعل لكثرة الحسنات أو قوتها اعتبارها، ويتذكر أن الشخص الواحد غالباً ما يجتمع فيه أمران، فيحمد ويحب بسبب أحدهما، ويذم ويبغض بسبب الآخر، ثم تكون ألفاظه مهذبة ويبتغي بذلك وجه الله تعالى. فمن سلك هذا السبيل، فيرجى له الصواب والسداد، وعدم التبعة يوم القيامة بما يقول ، ومن أخل بشيء مما سبق. فقد وقف على حفرة من حفر النار فلينظر موقع قدمه أن تزل وهو لا يشعر ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعلى شباب الدعوة إلى الله أن يستفيدوا من كلام السلف الصالح عند عرض سير أعلام النبلاء فإنهم إذا كان لا بد لهم من الحديث عرضوا ما للشخص وما عليه. وإلا كفوا عن ذلك وشغلتهم عيوبهم عن عيوب غيرهم. إن الرضى والشكوى أمران متضادان لا يجتمعان، فإذا غلب الرضى على القلب قلت الشكوى على اللسان، وقد غلب الرضى قلب فاطمة الزهراء وعلي رضي الله عنهما جميعا فقبلا توجيه رسول الله وما شكوا بعد ذلك. «قيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه، فيقول: «ان اعطيتني قبلت وان منعتني رضيت وان تركتني دعوت وان دعوتني اجبت، فاعطني الهي ما اريد فان لم تعطني ما اريد فارزقني الصبر علي ما تريد(مدارج السالكين). وإن استشعار المسلم المسؤولية تجاه نفسه وواقعه والدعوة على الله تعالى، مع التربية النفسية على خلق التفاؤل وقراءة السير وأحوال الأمم، ولزوم كثرة الاستغفار وذكر الرحمن، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)(أبوداود) ، وإن هذا لكفيل بجعل المؤمن يتجنب الإكثار من النقد والتشكي، وهذا فعلا ما جعل الشكوى تختفي من ألسنة الصحابة وملئت عوض ذلك ذكرا وشكرا وتعبيرا عن حب الله ورسوله وطاعتهما.