وللأمانة أقسام نجملها فيما يلي: أولا: أمانة حفظ الدين يتجلى هذا القسم الأول في امتثال المسلم المؤمن لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه عملا بالمبدأ الأساسي الذي سنه الإسلام في الآية الكريمة التي يقول الله تعالى فيها: "كنتم خير أُمة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله"سورة آل عمران:110. فالأمر بالمعروف يتمثل في الالتزام بالتكاليف الشرعية وتأدية الفرائض والمحافظة عليها من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك من الأعمال التي فرضها الله تعالى على العباد وأمرهم بأن يؤدوها أمانة خالصة لله رب العالمين. والنهي عن المنكر يتمثل في اجتناب المعاصي والمنكرات والصبر عليها والمجاهدة في استئصالها من السلوك الفردي والسلوك الجماعي. ثانيا: أمانة حفظ الودائع إن المسلم الحق من يفي بشروط هذا القسم من الأمانة، فيعطي الحقوق لأصحابها ويرد الودائع التي استأمنه الناس عليها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هم بالهجرة إلى المدينة، فكلف عليا بن أبي طالب ( برد الودائع والأمانات إلى أصحابها من المشركين. ولا غرو في ذلك فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم معروفا قبل البعثة بهذا الخلق الكريم حيث كان يلقب بالصادق الأمين. ولذلك أمر الله تعالى العباد بأداء الأمانات إلى أهلها وأصحابها، فقال تعالى: ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا سورة النساء:57. ويعتبر حفظ الأسرار من أعظم الودائع التي ينبغي صونها ورعايتها تجاه الأفراد والجماعات والمؤسسات والهيئات، لأن في هذا الحفظ سلامة الأمة واستقرار أوضاعها الداخلية ودوام أمنها وأمانها، وفيه أيضا أسباب نجاحها وتفوقها في الدنيا والآخرة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة(صحيح مسلم). ثالثا: أمانة حفظ الجوارح إن الجوارح مسؤولية كل فرد وكل إنسان كيفما كانت مرتبته الاجتماعية وكيفما كان وضعه ومنزلته. فالله تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وهيأه لتحمل مسؤولية الخلافة في الأرض وإعمارها، وجعل له أعضاء يتحرك بها ويستعملها في قضاء حوائجه، فيجب عليه حفظها وصيانتها من الزيغ والانحراف عن الصراط المستقيم، فالإنسان مستخلف في لسانه وشفتيه وعينيه ورجليه ويديه وسائر الأعضاء الأخرى، فهي أمانات يجب الحفاظ عليها وصيانتها واستعمالها في مرضاة الله عز وجل، لأن الله تعالى سينطقها يوم القيامة لتكون شاهدة لصاحبها أو عليه، يقول تعالى: اليوم نختم على افواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون سورة يس: 64. وتتلخص أقسام الأمانة (حفظ الدين وحفظ الودائع وحفظ الجوارح) في خلق العفة في القول والعمل عند سائر أفراد المجتمع حتى يصبح خلة سلوكية عامة في العلاقات الفردية والجماعية. وايضا التربية على احترام الحقوق والعهود حتى تصبح سلوكا عاما ونهجا حياتيا عند سائر أفراد المجتمع في الأسرة والمدرسة والشارع والإدارة والدولة وفي سائر المؤسسات والهيئات.