الأمانة لغة: من الأمان وهو مصدر فعله: أمن/يأمن أي سلم من الضياع والتضييع فهو آمن وأمين. واصطلاحا: الأمانة أداء العبد حقوق الله وحقوق العباد كاملة غير منقوصة. إن الأمانة مقياس يقاس به إيمان الإنسان وحسن خلقه في القول والعمل، ولذلك ربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم كليا بالإيمان والعهد، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد والطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: «ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، فالأمانة بهذا البيان فريضة جليلة ينبغي للإنسان أن يؤديها على أكمل وجه، لأنه تحملها وتقلد مسؤوليتها كما أخبر الحق عز وجل بذلك حيث قال: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا» سورة الأحزاب: 72. إن الوفاء بالعهد كما هو الحال مع حفظ الأمانة يكونان مع البر والفاجر، أورد المروزي في كتاب البر والصلة: عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، سَمِعَ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ، قَالَ: «ثَلاثٌ تُؤَدَّى إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ: الرَّحِمُ تُوصَلُ بَرَّةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً، وَالأَمَانَةُ تُؤَدَّى إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْعَهْدُ يُوَفَّى لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ. ويكون حفظ اداء الامانة بمعنى الوفاء بالعهود وعدم الغدر، ومن أبلغ دروس صلح الحديبية درس الوفاء بالعهد والتقيد بما يفرضه شرف الكلمة من الوفاء وذلك حينما كان يفاوض (سهيل بن عمرو) في الحديبية، حيث جاءه ابن سهيل يرسف في الأغلال، وقد فر من مشركي مكة، وكان أبوه يتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان هذا الابن ممن آمنوا بالإسلام جاء مستصرخا بالمسلمين. ورده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأبي جندل: «إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا بهذا وإنا لا نغدر بهم.. يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا»، وفي هذه الكلمات النبوية دلالة على مقدار حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكه بفضيلة الوفاء بالعهد مهما كانت نتائجه وعواقبه. ومن الصور المشرقة في السيرة النبوية حرص النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة على اداء الامانة في حفظ العهود، وتربية أصحابه على تطبيق مكارم الأخلاق الرفيعة كما في قصة حذيفة بن اليمان ووالده: قال حذيفة: ما منعنا أن نشهد بدرا إلا أخي وأبي اقبلنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَخَذَنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده إنما نريد المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لتصيرون إلى المدينة ولا تقاتلوا مع محمد، فلما جاوزناهم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم فيما ترى؟ قال: نستعين الله عليهم ونفي بعهدهم، فانطلقنا إلى المدينة، فذاك الذي منعنا أن نشهد بدرا. ومن فوائد هذا الامر، أن حفظ الأمانات والعهود يؤدي إلى حفظ الدين، ويترتب عن ذلك حفظ سائر الكليات الأخرى التي اتفق عليها العلماء وهي: حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ المال وحفظ العرض.