ككل موسم دراسي جديد، يعود التلاميذ إلى مدارسهم، والأساتذة إلى أقسامهم، والإداريون إلى مكاتبهم، الكل بخطى مرسومة بين الغداة والروحة والولوج والخروج يبدو في غاية الملل والتثاقل وربما بعض الانشغال والاجتهاد من أجل التحصيل والنجاح وتحقيق الآمال. لكن مع الأسف، الأمور في تراجع مستمر وبشهادة الجميع ربما إلى وراء الوراء، لم تغنينا في ذلك وضع المواثيق الوطنية ولا نذير التقارير الدولية ولا المخططات الاستعجالية.. والمسؤوليات في ذلك، ولاشك، متداخلة، والأسباب متعددة، ولكن لعل أهمها في اعتقادي هو أننا نتعامل مع مدرسة لا نحبها، ونمكث في فضاءات لا نطيقها، ونعول على مسارات لا نرجوها.. تُرى، كيف السبيل إلى مدرسة نحبها، حبا جما يعيد لها بعض المعنى؟ التلاميذ مجبرون على الذهاب إلى المدرسة وهم لا يجدون فيها أنفسهم وهم فيها تائهون ومنها مرهبون، والأساتذة في أقسامهم المكتظة والمهترئة متوترون تائهون في الإجراءات الانضباطية للتلاميذ بعيدا عن التربية أوالتعليم أوحتى التوجيهات الأخلاقية الضرورية،أما الإداريون ففي مكاتبهم يغضون الطرف مطمئنين في ذلك إلى الحركية التي تعج بها الساحة ذهابا وإيابا وربما شيء من الفوضى وكثير من الصراخ كبرهان الحياة المدرسية وحيوية الشباب،ومطمئنين كذلك إلى الأساتذة في أقسامهم حاضرين مع تلاميذهم مرة يصرخون وأخرى يضحكون، والسفينة تسير فلندعها ولوسارت إلى الغرق،فالمهم أنها تسير وهذا هوالمطلوب؟؟؟ لا منقذ لنظامنا التربوي إلا حب المدرسة أولا.. ترى ما هي مظاهر عدم حب المدرسة في أوساطنا الاجتماعية وممارساتنا التربوية وتدبيراتنا الادارية؟ ما هي أخطار ذلك في الحاضر وأثاره في المستقبل على الإنسان وعلى المجتمع؟ كيف السبيل أوالسبل الممكنة واللازمة للمعالجة اللازمة ؟ وفي هذه المقالة بعض التساؤلات الأساسية أطرحها لمجرد الذكرى، ولا أدعي فيها التحليل أوألإحاطة بل رجائي أن يكون ذلك منا جميعا...تلاميذ وآباء...أساتذة وإداريون... مسؤولون وتدخلون... جمعويون ومهتمون... علنا نساهم جميعا في إرجاع بعض المحبة والبسمة والأمل لمدرستنا المنبوذة بشكل أوبآخر،وأكثر من أي وقت مضى،هذا رغم كل الجهود الجبارة التي ما فتئت دائما تبذل، لكن وكأنها جهود الذكاء والريادة تستعمل بحذق في نشر الغباء والرداءة؟. 1 فالذي يبني مدرسة في مكان كيفما اتفق،بعيدة عن الفئة المستهدفة،وبمرافق تظل على الدوام غير تامة، هل يحبها؟ 2 والذي يبني مدرسة بدون صور يحفظ حرمتها،ولا حارس ولا بستاني،ولا إسعاف ولا إرشاد تربوي،هل يحبها؟ 3 ومدرسة تحيط بها أكشاك مجلات «الموضى والميوعة» وعربات «الحلويات والسجائر»، ومقاهي «الشيشة والمخدرات»، وعصابات «المتحرشين والمنحرفين»، ولا من يحميها،هل نحبها؟ 4 مدرسة جدرانها ومقاعدها ملطخة بشعارات بذيئة،فصولها مليئة ب«الزريعة» والأوراق من كل صنف، لا مختبرات ولا محضرين ولا وسائل تعليمية كافية،ولا قاعة أنشطة موازية ولا أندية،مرافقها الصحية للتدخين،لا قاعات للإعلاميات،أما قاعة للصلاة فآخر ما يفكر فيه ودون جدوى،ماذا ننتظر منها؟ 5 مدرسة الاكتظاظ الدائم في كل سنة،والعنف المتبادل والعام، والفوضى والشغب الذي لا يطاق، وكثرة الغياب بلا حسيب، والغش في الامتحانات بلا رقيب،وفي الأخير الانتقال إلى المستوى الأعلى حسب الخريطة المدرسية بدل النجاح حسب المعدل، ورغم ذلك فهناك هدر وفشل،ونسميها مدرسة؟ 6 مدرسة التجارب المنهجية والبيداغوجية الفاشلة حتى في مواطنها الشرقية والغربية، من الأهداف إلى الكفايات إلى الإدماج إلى المشروع... ولا مردودية غير تدني المستوى التعليمي والأخلاقي،بل إن الأهداف الوطنية الكبرى المجمع عليها يتم التراجع عنها،كالمغربة والتعميم والمجانية،ناهيك عن الجودة وربط التعليم بالشغل...؟ 7 مدرسة الدخول المدرسي المتعثر، والمغادرة المبكرة، وزمن مدرسي تستهلكه الاضرابات، ويقسم ظهره التوقيت المستمر والأقسام المشتركة، ونقل مدرسي منعدم وداخليات تمظهر بعضها في مآرب ومقاهي شعبية وما توفره لساكناتها القروية من حياة تحرشية خطيرة ؟ 8 مدرسة الساعات التطوعية التضامنية التي أضحت بقدرة قادر اجبارية ومجانية والساعات الإضافية غير المجانية خاصة في التعليم الخصوصي، ومدرسة يتزايد فيها عدد المتمدرسين وتغلق مراكز التكوين أوجلها إلى حين،ناهيك عن تخصصات وشعب جديدة ومسالك ملغومة،لا يعلن عنها حتى تغلق؟ 9 مدرسة المقررات المكثفة والكتب الشكلية التي تنوء بحملها ظهور أولي القوة من الأطفال،مدرسة قد تعلم الناس القراءة والكتابة ولا تزرع فيهم حبهما ولا تستطيع،حتى أنك قد تجد المدرس نفسه يفتخر بأنه قد يمضي عليه زمان ولا يقرأ كتابا،لا في تخصصه ولا في غيره،فينخرط بذلك رغبة منه لا رهبة في نادي الأميين وهوالمرشح لمحاربتها؟ 10 مدرسة لا دور فيها للمفتش التربوي ولا النائب الوزاري غير حماية المذكرات الكثير منها غير واقعي ولا منطقي،والدفاع عن سياسات تربوية مهما كانت فاشلة، فهي تضمن له الراحة والكسل بدل البحث العلمي والتجريب الميداني والتدبير التشاركي المحكم الكفيل وحده بتراكم الانتاج وتحقيق النماء؟ 11 أما الجامعات فهي بعيدة عن أبناء العالم القروي،ولا أحياء جامعية كافية فيها للمحتاجين،يسود فيها العنف والاضرابات بدل التحصيل،تخرج الموجزين المعطلين،لا فرص فيها لمن يرغب في الدراسات العليا كالماستر والدكتوراه والبحث العلمي، والغريب أنها تفتخر باستقطاب الأجانب وهي لا تستوعب حتى أبناء بلدها ومدنها...؟ 12 مدرسة المباريات الناذرة والامتحانات المعقدة وفرص النجاح والترقية المنعدمة، والعمل النقابي الهزيل والأناني والمشتت والفاقد للمصداقية،والهيئات الاجتماعية والتعاضدية التي كثر النهب فيها بدل استفادة المنخرطين الذين توقعهم هذه السياسة المجحفة في أسر الحاجة وشرنقة قروض التجهيز والاستهلاك...؟ تفاؤل بعد إحباط وأخيرا، رغم قتامة هذه التساؤلات، فإن هذا لا ينبغي أن يحبطنا بقدر ما ينبغي أن يجعلنا متفائلين وأنا في الحقيقة كذلك،صحيح أنني متألم جدا عما آل إليه حال تعليمنا المسكين، وأتساءل: كيف فرطنا في مكتسبات المدرسة المغربية وإنجازاتها المتراكمة عبر السنين، وأي سياسة إجرامية سمحت بهذا،وهل ندري بفظاعة الجرم الذي ارتكبناه في حق الوطن وأبنائه؟.. كيف سحب قرار التعليم من أبنائه؟..كيف تقرر أموره دونهم وهم الذين خبروا ظواهره وبواطنه؟ لكن كما قلت نحن متفائلون ولدينا أمل،لأن أغلب كل هذه المعضلات التعليمية في اعتقادي يمكن أن يكون حلها فقط بيد الإدارات التربوية لوكان لديها شيء من التكوين المفعوم بالوطنية الصادقة والحرص على المصلحة العامة والمساهة في تنمية الوطن انطلاقا من الرافعة الأساسية ألى وهي التعليم، وشيء من الحزم والدعم على مستوى تفويت ولا مركزية القرار التربوي يعني الإرادة الحقيقية والمشتركة في التغيير والإصلاح؟ وفتح المجال للتنافس الشريف بين المؤسسات ومجالسها التدبيرية ومختلف الشركاء وجعل ذلك المعيار الحقيقي للتحفيز والترقي يعني الترقي حسب النتائج والمردودية لا حسب الكوطا والأقدمية فحسب؟ وليس كما هوالأمر الآن مؤسسات لا تملك من المؤسسية والتنظيم ولا من التدبير والمردودية ولا من التطوير والتجديد إلا الاسم ورغمها قد تجد جل أطرها خارج السلم؟.. ليس بهذا سنحب المدرسة لا نحن ولا أبناؤنا وليس بهذا سنعيد لها مكانتها وإمكانيتها لتكون فعلا رافعة للتنمية والرقي والازدهار .. أقول المدراء لأنهم وصاة ومؤتمنون على مدرسة النجاح والنجاح في اعتقادي لا يدار وإنما يقاد إليه، ولن يقودونا إلى النجاح قيد أنملة مادامت كل حركاتهم غدوات وروحات بين المؤسسة الضائعة والنيابة التائهة،والتي مع الأسف لا يملكون اتجاه سلطتها وعجزها شيئا ؟ كم من أكاديمية افتضح أمر امتحاناتها وهي لا تكاد تؤتمن على أمر هام غير هذا؟ وكم من نيابة ولتلوالسنين والسنين لا تستطيع جلب مقعد أوسبورة جديدة فبالأحرى أن تجلب أستاذا أوتبني قاعة المؤسسة في أمس الحاجة إليها ولكن للبيروقراطية عراقيلها؟.. أصلا، أليست بعض النيابات والأكاديميات في نظامنا التعليمي حلقات إضافية لا مبرر لوجودها، ألا يمكن للمديريات أن تقوم مباشرة بأعمالها بشفافية وفعالية وفقط بعشر معشار ميزانياتها ناهيك عن «الهاربين» من أطرها؟ إن أمر الإصلاح أي إصلاح ينبغي أن يكون شموليا وتدريجيا الأولى فالأولى، وعلى مستويين على الأقل، على المستوى التربوي الذي يشمل البنية التحتية والطاقم الإداري والتربوي وليس مصلحة التلميذ فحسب.. لذا نتساءل: هل يمكن لمخططات المسؤولين عن الفساد أن تصلح؟... ما هي الضمانات التي يمكن أن نتحاسب على ضوئها بعد عقد الصفقات وصرف الميزانيات وتغيير الوزارات؟ وعلى المستوى المجتمعي لا إصلاح بدون ديمقراطية حقيقية ومشاركة فعلية وحقوق الإنسان كل الإنسان.. لا إصلاح بدون ممارسة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية وطنية ديمقراطية مخلقة تدعم في الأول وفي الأخير حب المدرسة والحملات الميدانية والمستمرة والجماعية من أجل ذلك والتي من شأنها أن تمس كافة الفعاليات المتعاملة مع المحيط المدرسي وليس التلاميذ وحدهم، تجعل من جهود الجميع ملحمة متكاملة وسمفونية متناغمة لإنعاش مدرسة وطنية محبوبة تكون ذات مصداقية ومردودية، ورافعة فعلية للتنمية والرقي والازدهار،؟ وأخيرا وليس آخرا،لا إصلاح بدون بناء مدرسة تحب التلاميذ وتوفر لهم أهم حاجياتهم، مدرسة يجد فيها الأستاذ المربي والإداري راحته وما يحفزه ويرفع من همته وعزيمته ومردوديته، مدرسة يندمج فيها ويتناغم ويتكامل كل الفاعلين والمتدخلين وبكل بساطة وسلاسة ووضوح للمسؤولية ووقوع للمحاسبة، ترى ما هي مواصفات المدرسة التي نريدها؟ وما مواصفات الإطار التربوي والإداري الذي سيعمل فيها؟ وما مواصفات البرامج التربوية التي نريدها فيها؟ وما مواصفات المنتوج التربوي المنتظر، وكيف نصل إليه، وكيف نتابع ونقيم ونقوم سيرنا إلى ذلك؟ وعلى أي، لنتذكر دائما أن تعليم الناشئة ليس هومحوأميتها،ولا تدبير أوتبدير وقتها وحياتها كيفما كان وبما كان وأنى كان ومع من كان... ولا أدري إلى متى سنظل نستخف بإيجاد مدرسة محبوبة ومحبوبة بجد كان مسؤولا عن ذلك من كان.