من أسماء ربنا جل وعلا "الرّزّاق"، وقد ورد هذا الاسم مطلقا معرّفاً مراداً به العَلميّة ودالاّ على كمال الوصفية في قوله تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) . وإذا كان الناس يرزق بعضهم بعضاً فإن الله تعالى :) هو خير الرازقين) لأنه رازقهم كلهم، وهو خالق الرزق وخالق الإنسان وخالق السبب الذي يوصل إلى الرزق. معناه:الرزّاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعّال من اسم الفاعل الرّازق. والرزّاق سبحانه هو الذي يُفيض بالأرزاق على خلقه رزقا بعد رزق وهو خير الرازقين. ورزقه سبحانه وتعالى نوعان: الأوّل: الرزق العام بمقتضى ربوبيته المنعمة لكل البشر مؤمنهم وكافرهم، برّهم وفاجرهم، كما قال سبحانه وتعالى:) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )، فالدواب على ظهر الأرض وفي الفضاء والأفلاك بل في أعماق البحار كلها تكفّل الله برزقها جميعا. وكلّ ذلك مكتوب في السماء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض كما قال عز وجلّ: ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) . النوع الثاني: الرزق الخاص، رزق الهداية والإيمان والتقوى، وثمرته سعادة قلبية هي عاجل بشرى المؤمن في الدنيا. قال تعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). من آثار معرفة اسم الله الرزّاق على العبد: إذا عرف العبد ربه الرّزّاق استشعر نعم الله تعالى عليه التي تغمره من كل جانب، فالعافية رزق، والعقل رزق، والطعام والشراب رزق، والولد والمال والجمال والشباب والقوة والفتوة والطبيعة والإلهام كلّ ذلك رزق....فيشعر العبد باليأس من عدّ هذه الأرزاق لكثرتها، كما يشعر بالتقصير في شكرها. وهكذا لا يمُدّ عينيه إلى ما متّع الله به غيره من زهرة الدنيا. بل تقرُّ عينه ويُذَكّر نفسه بمثل قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا". المؤمن الذي أيقن باسم الله الرّزّاق فإنه يعلم أن البشر ماهم إلا أدوات ينفذ من خلالهم قضاء الله تعالى وقدره. وعليه فالا مانع لما أعطى الرزّاق ولا معطي لما منع، كما قال جل وعلا:(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ). فرزق الله تعالى مكتوب لا تدفعه كراهة كاره ولا يجلبه حرص حريص. لذلك فالمؤمن لا يحمله استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصيته، لعلمه أن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته. ) إن أعظم الرزق في هذه الدنيا رزق معرفة الله تعالى ومحبته، فمن عرف الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى سعد بهذه المعرفة في الدنيا والآخرة، ولذلك قال بعض أهل العلم: من وجد الله فقد وجد كل شيء ولو فقد كل شيء(في ميزان أهل الدنيا، كالمال مثلاً)، ومن فقد الله تعالى فقد فقد كل شيء ولو وجد كل شيء. ولذلك لا غرابة أن نجد كثيراً من الأغنياء أشقياء وفي المقابل كثيراً من الفقراء سعداء. لست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد فاللهم ارزقنا حبّك وحبّ من يحبك وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبك. )