اتصلت الأم الشابة المغربية يسرا لتشكو من حالة خاصة جداً، وهي أن ابنتها التي تبلغ العام لا تعترف بها الدولة المغربية على أرض هولندا، حيث اختارت لها اسم يارا، وهو اسم زكاه الأب حسن الأيوبي، الذي يعتبر الاسم أمازيغي رمزاً لثقافته وانتمائه البربري، فهو من أبناء الريف المغربي بالناظور، الناطقين بالأمازيغية، أو تريفيت بتعبير أهل المنطقة.. أتمت الطفلة يارا سنتها الأولى مع نهاية العام الماضي، لكنها لا تحظى بعد بتدوين اسمها رسمياً في سجلات الحكومة المغربية، تقول الأم يسرا: لا أعرف أي منطق أو قانون يمنع أماً تحب أن تسمي ابنتها اسماً يعجبها وتريده لابنتها، والاسم كما ترون سليم في النطق ولا يحمل أي معنى قدحي أو يمس بقيم المجتمع، وقد بحث زوجي ووجد أن الاسم فعلاً يحمل أصولاً أمازيغية فما المانع؟ بدت الأم متذمرة من منعها من أن تحظى باختيار اسم ابنتها، وهي التي احتفلت بولادتها في هولندا بمدينة أوتريخت، وسجلتها في سجلات الحالة لدى الحكومة الهولندية، بينما لا تتوفر على شهادة ميلاد من دولتها الأم بالمغرب. عنصرية أفراد يقول محمد عصيد، من المعهد الأمازيغي بالرباط: أن ما يحدث على أرض دول أخرى من طرف بعض موظفي الحالة المدنية تعد حالات فردية، وعدم مواكبة لما يحدث أصلاً في المغرب، حيث إن المغرب أنهى هذا الموضوع، ويوجد معهد أمازيغي، وتدرس اللغة الأمازيغية في المدارس، للأسف هناك عنصرية فردية ومزاجية لبعض الموظفين، وقد حسمنا نحن في المعهد هذا الخلاف مند أزيد من ثلاث سنوات بعدما منع اسم نوميديا في “الناظور والحسيمة”، وهو اسم أمازيغي متداول اليوم في المغرب، وأنا نفسي لدي بنت تحمل نفس الاسم، لقد راسلنا الملك وأعطى أوامره بحل المشكلة وانتهى الموضوع، ويضيف نحن للأسف نواجه عنصرية أفراد، وليس عنصرية الدولة، التي تعترف باللغة الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من هوية المغاربة وانتمائهم. أما عن اسم “يارا ” فلا يرى فيه عصيد مشكلة انطلاقاً من مبدأ حرية اختيار الأسماء، وإذا كان الاسم في الأصل فينيقياً، فإن حوض البحر الأبيض المتوسط شهد تداخلاً للحضارات الفينيقية والرومانية، ويمكن أن يكون فعلاً أمازيغياً، ويمكن للأب في هذا السياق مكاتبة المعهد لإيجاد حل للمشكلة. أما منير قجي، ناشط جمعوي في الحركة الأمازيغية، فيعتبر الاسم غريبا عنه، وإن كان يعرف جيداً مشاكل المغاربة مع اختيار الأسماء الأمازيغية، مثل تارا، وتعني بركة الماء الصافية، وهي الأسماء التي تثير مشكلة لدى السلطات، فالاسم يحمل معنى ودلالة، غير أن اللغة مختلفة، ويرجع ذلك للائحة التي سنها المغرب عام 1995م، وتتضمن أسماء معينة لا يجب الحياد عنها، الأمر الذي خلق مشاكل كبيرة انتهت إلى المحاكم، كما حصل مع عدد من الأمازيغيين، وهو يعتبر أن الأسماء الأمازيغية قد تفيد نفس المعاني بالعربية، كالوردة والزهرة وغيرهما، ويعتبر جزءاً من الهوية المغربية التي لا يجب إغفالها. ويعتبر القنصل العام في هولندا، عبد الرحيم بيوض، أن الاسم يخضع لرأي لجنة مختصة في الأسماء من وزارة الداخلية، في حالة وجود اسم غير معروف أو غريب، لكن أمام إصرار الآباء يمكن أن يسجل الاسم ولا مشكلة، وهو ما تم فعلاً في حالة الطفلة يارا، التي تم رفض اسمها من طرف اللجنة، وهو قانون يسري على جميع المغاربة سواء بالمغرب أم خارجه. أسماء ومواقف ولكن ما هو سر اختيار أسماء مختلفة عما هو سائد؟! سألنا محمد بوغابة، رجل في الثمانين، اختار لأبنائه أسماء مختلفة، مثل شكلة وسباق وميدن ولقمان، وهي أسماء يقول عنها إنها جاءت عن طريق القرعة، فاختيار اسم لمولوده كان يتم عن طريق أخذ مجموعة من الأسماء التي كان يستلهمها من قراءاته، ويعتبر اختياراته فيها نوع من الخروج عن المألوف. لكن هناك من الأسماء ما يحمل ثقافة خاصة، وإصراراً على المساهمة في تعزيز كيان هويته، مثلما يحصل مع عدد من المتحمسين للهوية الأمازيغية، فتأتي أسماء غريبة جداً بالنسبة لباقي الناس، بينما يعتبرها الآباء الأمازيغيون جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الأمازيغية العريقة في المغرب، وأبو “يارا” منهم، لأنه يصر على اسم ابنته الذي يعتبر جذوره أمازيغية مثل نوميديا وكاهنة وليديا. وتتحدث زكية حادوش، عن اختيار خاص لابنتيها “التزام ودرة”، وهما اسمان يرتبطان بإيمانها هي وزوجها بمبادئ النضال من أجل مجموعة من الأفكار، فالالتزام كان اسماً مشتركاً لمعنى علاقة ود ونضال جمعتها بزوجها، وهو المعنى الذي يطبع أيضاً حياتهما، حيث اختارا اسم ابنتهما البكر معاً، حتى قبل ولادتها. أما الدرة، فهو التزام من نوع آخر، فقد جاء تضامناً مع القضية الفلسطينية، التي كان من شهدائها الطفل محمد الدرة. أما محمد الإدريسي، فله قصة أخرى مع اسم ابنه الذي لم يتجاوز السنة بعد، حيث اختار لمولوده الذكر اسم “أنير” وهو اسم أمازيغي يعني النجم الساطع، رفض الاسم بعد أن ذهب لتسجيله في مقاطعة حي الرياض بالعاصمة الرباط، يقول: عاملني موظف الحالة المدنية بلامبالاة، واعتبر أن الاسم غير مقبول من طرف اللجنة العليا للأسماء التي تقترحها وزارة الداخلية، لكني أصريت على حقي، واتصلت بالحركة الأمازيغية التي ساندتني وقدمت شكوى في الموضوع. يقول موظف بالحالة المدنية يرفض الإشارة لاسمه، أن لا مشكلة في اسم معين، اللهم إن كان غريباً أو أجنبياً، فقد تم اليوم مع الانفتاح على الثقافة الأمازيغية أسماء غريبة فعلاً علينا، لم نكن نفهمها، لكنها أصبحت اليوم متداولة، ومبدأ الرفض عموماً للاسم كان يتم بناءً على توصية اللجنة العليا للأسماء من وزارة الداخلية، لكن إن تشبث الآباء بالاسم، غالباً ما يتم قبوله، على اعتبار أن الاسم حرية شخصية تعني الفرد، يحرص المغاربة على إعادة الاعتبار للأسماء المغربية الأصيلة، والأسماء التي تحمل معاني تراثية، ومن هذه الأسماء: سارة، زينب، فاطمة الزهراء، خديجة، طه، غيتة، منال، هناء، صفاء، مروة، آلاء، كوثر، سندس، رانيا، ملاك، لينا، أم هاني. نموذج من الأسماء المقبولة في المغرب: إيزاية، إيميليا، أفنان، أويس، بتيل، نارين، أملال (الغزال)، أوس، إسكندر (بينما الإسكندر بالألف واللام مرفوضة)، أطوار، دانية مقبولة بالتاء ومرفوضة إن كتبت بالألف المقصورة. ينص قانون الحالة المدنية المغربي في المادة 21 على ما يلي: يجب أن يكتسي الاسم الشخصي الذي اختاره من يقدم التصريح بالولادة قصد التقييد في سجلات الحالة المدنية طابعاً مغربياً، وألا يكون اسماً عائلياً، أو اسماً مركباً من أكثر من اسمين، أو اسم مدينة، أو قرية، أو قبيلة، وألا يكون من شأنه أن يمس بالأخلاق أو النظام العام. يجب أن يثبت الاسم الشخصي المصرح به قبل الاسم العائلي حين التقييد في سجل الحالة المدنية، وألا يكون مشفوعاً بأي كنية أو صفة مثل “مولاي” أو “سيدي” أو “لالة”. يجوز لكل مغربي مسجل بالحالة المدنية أن يطلب تغيير اسمه الشخصي إذا كان له مبرر مقبول بواسطة حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية المختصة. عن سيدتي