لشكر في مؤتمر الأممية الاشتراكية: إفريقيا تقدم نموذجا للتحدي والأمل.. وعلى الدول أن تعترف بفلسطين    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون تصريحات عزيز غالي بخصوص قضية الصحراء المغربية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الهمجية في قطاع غزة إلى 45227 قتيلا    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    وجدة.. الإطاحة بتاجر مخدرات كان يحاول الهرب باستعمال سيارة إسعاف خاصة    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أحر التعازي في وفاة والدة أخينا الكريم السيد محمد بولخريف    القوات الملكية الجوية المغربية تعزز قدراتها بأسلحة دقيقة جديدة    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    سابينتو يغادر الرجاء…ومدرب مؤقت يشرف على قيادة الفريق    عامل الحسيمة يترأس مراسيم المشاركة في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة    في اتصال هاتفي.. ولي العهد السعودي يطمئن على صحة الملك محمد السادس    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الملك محمد السادس يتلقى اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة            "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    "هيركوليس" تقرر عدم حضور مباراة فريقها اتحاد طنجة أمام الدفاع الحسني الجديدي        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    إيطاليا تغرّم "تشات جي بي تي" 15 مليون أورو بتهمة انتهاك خصوصية البيانات    التوفيق: وزارة الأوقاف تعمل حاليا على ترجمة معانى القرآن الكريم إلى الأمازيغية    وزيرة المالية تعترف بعدم انخفاض أسعار المحروقات في المغرب بمستوى الانخفاض العالمي في 2024    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الأمن يرفع مستوى اليقظة في برلين    اجتماع بوزنيقة.. الأطراف الليبية تتفق على تشكيل حكومة موحدة    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    زينب أسامة تطلق أغنيتها الجديدة "حدك هنا"...    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان أريفينو مع غرائب الفنانين الحلقة 23: شادية ترتدي الحجاب بعد وفاة والدها وشقيقيها.. والشعراوي ينصحها بالابتعاد عن أصدقاء الشيطان
نشر في أريفينو يوم 09 - 07 - 2015

شاءت إرادة الله أن يرحل والدها وشقيقاها «طاهر، ومحمد»، فنصحها أصدقاؤها والمقربون منها بإغراق نفسها في العمل حتى تنسى، وكان ذلك فعلا، لكنها عندما تعود إلى بيتها كانت تغرق في الدموع، ثم تقرأ القرآن بانتظار الموعد الجميل، «صلاة الفجر» والبكاء بدون أن تعرف سببا محددا لبكائها، فاندهشت والدتها من تكرار ذلك المشهد وأصرت على أن تسألها وتعرف السبب:
– أبدا يا ماما سلامتك مفيش حاجة.
– الله يا ماما بقالي زمان مسمعتش منك اسم «فتوش».
– قولتلك يا ماما مفيش حاجة.
انفجرت «فتوش» بالبكاء وهي تجيبها بجملة واحدة:
– عايزة أحج يا ماما.
ضمتها أمها إلى صدرها بينما بكت شادية بحرقة:
– يا رب أحج وأزور بيتك يارب.
وتحققت لها الأمنية بعد إجراء جراحة في صدرها لاستئصال كيسا دهنيا، وعادت من الولايات المتحدة الأمريكية لتذهب لأداء العمرة، لتودع بعدها «دلوعة السينما المصرية، ومعبودة الجماهير، وبنت مصر، وقيثارة العرب، وشادية الفن»، وتقرر البعد تماما عن الأضواء، وكل ما يذكرها بالوسط الفني، وترتدي الحجاب، لتسدل الستار على مشوار أيقونة السينما ومعشوقة الجماهير وربيع الغناء والبهجة والمرح بعدما ظلت متربعة على عرش السينما المصرية لأعوام طويلة.
وتعرض كتب «الفن الواقع والمأمول.. قصص توبة الفنانات والفنانين» للدكتور خالد عبدالرحمن الجريسي، و«التائبون إلى الله» تأليف إبراهيم الحازمي، «دار الشريف» 1998، «وعرفت الشعراوي» للدكتور محمود جامع، قصة توبة الفنانة شادية واعتزالها الفن وارتدائها الحجاب في 25 نوفمبر 1987.
رحلة التوبة
وعرض كتاب «الفن الواقع والمأمول.. قصص توبة الفنانات والفنانين» رحلة شادية كما ترويها لصحيفة «المسلمون»: «ذات ليلة، قبل 10 أعوام، بدأت الفكرة تسيطر على عقلي، وبدأت أحاسيسي كلها تستيقظ وتطالبني بالنجاة.. وأنا أمضي في طريقي مفتونة بأنين داخلي يتردد في كل جوارحي.. فكرة الاعتزال ملأت قلبي وعقلي.. وبدأت رغبتي في الصلاة تزداد بشكل منتظم».
وأضافت شادية أن فكرة الاعتزال لم تكن تتزحزح من بالها، وكانت دائما تقول لننفسها: «لا بد من العودة ولا بد من النجاة.. هذه رغبة أبي وأمي برغم أنهما يخفيانها عني.. هذه رغبتي الحقيقية والكامنة داخلي، لماذا لا أعود؟ وحين انتهى اليوم الأول من عرض مسرحية (ريّا وسكينة)، وعدت إلى منزلي، دخلت حجرتي مسرعة، واستيقظت أمي على صوت أنين ونحيب، وقد استمر أنيني ونحيبي حتى أعلن المؤذن (الصلاة خير من النوم)».
الفجر الجميل
وتابعت شادية: «وكنت في كل ليلة أعود فيها إلى المنزل أسارع إلى الصلاة وأبدأ في قراءة القرآن الكريم انتظارا للموعد الجميل مع الفجر، وكنت في كل ليلة أبكي بشدة، تسألني أمي عن السبب؟ فلا أجيب لأنني لا أعرف ماذا يحدث، وفي ذات ليلة استحلفتني أمي أن أخبرها عن سبب بكائي، فخرجت مني جملة واحدة، لا أدري كيف خرجت، جملة لن أنساها طوال حياتي قلت لها: (عايزة أحج) ، ضمتني أمي إلى صدرها وسمعتني وأنا أدعو الله قائلة: (يا رب أحج)».
قرار الاعتزال
ووفقا لكتاب «التائبون إلى الله»: «وبعد هذه الليلة، سرت سكينة في جسمها وهدأت واستراحت، وفي اليوم التالي أخبرت منتجي المسرحية أنها ستتوقف لكنهم طلبوا منها أن تمهلهم أياما، وبالفعل بعد أيام أغلقت أبواب المسرح على أشهر مسرحية استعراضية في القرن العشرين».
وذكر الكتاب أن «استقبال الجمهور لها كان حافلا، وحققت نجاحا لم يشهده المسرح المصري منذ سنوات، لدرجة أنه في العرض الأخير خرجت أكثر من 3 مرات لتحيّي الجمهور، كأنها تلتقيه لتودعه الوداع الأخير ليس في المسرحية لكن لشادية الفنانة».
واستكملت شادية حديثها: «قررت بعدها الاعتزال والذهاب على الفور إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة لتأدية العمرة».
لا أتذكر عناوين أغنياتي
أوضحت شادية: «كنت أنوي منذ سنوات بعيدة إجراء عملية جراحية، وكنت أؤجلها في كل سنة، لكنني في هذه المرة قررت أن أسافر إلى أمريكا لإجراء هذه العملية، وطوال وجودي في أمريكا كنت أصلي، وفوجئت بمقدرة عجيبة لدي على حفظ آيات الله بسهولة ويسر، وشعرت بعدها بأنني أزحت من فوق أكتافي هموما وأحزانا علقت بي سنوات طوالا، شعرت بحلاوة التوبة، وروعة الإيمان بالله، صرت أحفظ الآيات بسهولة ويسر، وفي الوقت نفسه لا أتذكر شيئا من ماضيّ الفنيّ، حتى عناوين الأغاني التي كنت أرددها وأحفظها عشرات المرات».
وقالت شادية: «أصبحت إنسانة أخرى، لقد دخل الإيمان في قلبي وغمرني تماما، استغرقت العملية 12 ساعة، كنت قبلها وفي أثنائها في منتهى السعادة؛ هدوء واطمئنان وراحة لم أشعر بمثلها طوال حياتي، انتهت العملية وعدت إلى مصر، ثم ذهبت إلى مكة المكرمة ودخلت بيت الله الحرام ومتعت عينيّ برؤية الكعبة المشرفة وارتويت من زمزم وبدأت رحلة إيماني».
اللقاء الأول مع الشعراوي
وفي كتابه «وعرفت الشعراوي» يروي الدكتور محمود جامع اللقاء الأول الذي جمع شادية مع الشيخ الشعراوي، موضحا أنه كان لقاء مصادفة في مكة المكرمة عندما نزلت من المصعد أو «الأسانسير» ليدخل الشيخ الشعراوي ولم يكن يعرفها، فتعرفت عليه، وقالت: «عمي الشيخ الشعراوي أنا شادية»، فرحب بها، وقالت له: «ربنا يغفر لنا»، فقال لها: «إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك.. وإن الله تواب رحيم».
وكانت شادية وقتها تؤدي العمرة مع الشاعرة علية الجعار التي كانت قد ألفت أغنية في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم «خد بإيدى» وغنتها شادية علي المسرح ليلة المولد النبوي الشريف، انهمرت دموعها: وهي تقول «يانبينا ياختام المرسلين.. آدي حالي وحال جميع المسلمين.. خد بإيدي يانبينا.. خد بإيدي ياختام المرسلين»، وكانت هذه الأغنية في هذه الليلة المباركة نقطة التحول في حياة شادية والمرة الأخيرة التي تغني فيها شادية بعد 40 عاما من تربعا على عرش الفن.
نسيت أنني فنانة
وأضافت شادية: «أقسم لكم أنني نسيت بعدها عملي، نسيت كل الأغاني والأفلام، نسيت كل شيء يربطني بحياتي الفنية، انتهت رحلة الضياع وبدأت رحلة الإيمان».
وتابعت: «لكم أن تتخيلوا إنسانة لها 40 عاما من العمل المتواصل في مجال الفن ثم تنسى بعد هذه الحقبة المتطاولة كل أغانيها وأفلامها، لقد نسيتُ حتى ما كنت أعمل».
نفحة إلهية
وذكرت شادية: «وجئت من العمرة، وراودوني مرارا كي أعود إلى المسرح فرفضت بشدة، وكانت العروض الفنية تُعدّ بالمئات ولكنني اتخذت القرار، مع أني لم أمانع من أداء أغنية دينية».
وتصف لنا مشاعرها بعد أداء الأغنية فتقول: «بالرغم من فرحة الناس بالأغنية لأنها دينية وتدعو إلى قيم أخلاقية، فقد شعرت بعدها بالقلق والتوتر والرغبة الشديدة في العودة إلى مكة المكرمة مرة ثانية لتأدية العمرة».
وتضيف: «وجاءت نفحة إلهية أخرى تمثلت في عدم مقدرتي على حفظ أي أغنية دينية جديدة، وانصرفت للترتيب لبداية رحلتي الإيمانية وارتديت الحجاب».
نصيحة الشيخ الشعراوي
جاء في كتاب «التائبون إلى الله» أن «شادية اتصلت بالشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ليأخذ بيدها إلى التزام طريق النور، وأخذت منه موعدا للقائه في منزله».
ووفقا للكتاب: «ودارت ذكريات حياتها والرحلة الطويلة، بحلوها ومرها، في عقل شادية، بسرعة خاطفة وهي تقف على باب منزل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في منطقة مولانا الحسين في حي الأزهر الشريف، تنتظر أن يأتي حارس فضيلة الشيخ ليأذن لها بالدخول.. أو تنصرف».
وأفاقت شادية من ذكرياتها على صوت الحارس وهو ينبهها: «اتفضلي يا أستاذة.. فضيلة الشيخ في انتظارك».
وشعرت شادية بثقل خطواتها وهي تتجه إلى غرفة فضيلة الشيخ الشعراوي، ليس ترددا، لكن خوفا، ودرا في رأسها أسئلة كثيرة: «ماذا يمكن أن يقول لها؟ هل تأخرت في الوصول إليه؟ هل سيفتح لها باب التوبة؟ ومن قال إن مفتاح باب التوبة بيد عبد من عباد الله يمكن أن يفتحه أو يغلقه في وجه عبد مثله؟»، لكنها كانت تهدأ نفسها، قائلة: «من المؤكد أن لديه رؤية أوضح عن بداية الطريق ليدلني عليه.. نعم هو البداية ومؤكد سيكون الدليل»، وفقا للكتاب.
ودارت هذه الأسئلة في رأس شادية وهي تقترب من باب الشيخ الشعراوي، وما أن دخلت حتى شعرت بأن كل شيء اختفى من رأسها، لم تعد تتذكر شيئاً حتى اسم شادية لم يعد شيء يذكرها به عندما ناداها الشيخ الشعراوي:
– أهلا يا ست فاطمة... اتفضلي.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. اتفضلي أقعدي.
جلست شادية.. تفكر بماذا تبدأ ومن أين؟ وقبل أن تنطق بادرها:
– عمرة مقبولة إن شاء الله
ردت بلا تردد:
– الحمد لله.. هذا من فضل ربي.. وفضل الله عليك.
– إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء..
– قبل كل شيء عاوز أسألك سؤال.
– إنت إيه اللي جابك هنا؟
– ولو جاوبتك هتلتزمي باللي هقولك عليه؟
– يبقى لازم قبل أي حاجة إنك تنسي خالص إنك كنت شادية المغنية، إنت الآن السيدة الفاضلة فاطمة.. اللي عرفت طريق الحق تبارك وتعالى.. ولازم تلتزمي بكلامك مع الله.. المسألة بسيطة مش محتاجة واسطة مع الله.. وإن شاء الله ربنا يقبل منا ومنك.
وقال الشيخ نصيحته: «اسمعي يا ابنتي سيقابلك الناس بوجوه مختلفة، سيغيظونك بالكلمات تلميحا أو تصريحا، وبعضهم سيحاول تذكيرك بعملك وجذبك إليه مرة أخرى، كل هؤلاء أصدقاء الشيطان، لا تلتفتي إليهم، ولا تعيريهم اهتماما، لكن هناك آخرين، وهم الأغلبية بإذن الله تعالى، سيفرحون وسيفرحون لك».
كانت هذه الكلمات هي بداية التحول الجذري في حياة شادية الفنانة، خرجت من منزل الشيخ الشعراوي وهي تشعر براحة وسكينة غير عادية، وجدت نفسها تبكي وتردد: «الحمد لله... حاسة إني اتولدت من جديد».
«كلمات قصيرة لخصت بها شادية حالتها بعدما استقرت على قرار الاعتزال وارتداء الحجاب، شعرت، وهي تهبط درج السلم في منزل الشيخ الشعراوي، أنها لا تهبط بل ترتقي وتصعد إلى عنان السماء، كان عليها أن تنسى لحظات حياتها، حلوها ومرها، نجاحاتها ومحطاتها، مراحل صعودها وتألقها، ولا تتذكر إلا لحظة الاهتداء إلى الطريق الذي كانت تبحث عنه دوما.. لكنه كان يتوه في داخلها»، وفقا للكتاب.
وقالت شادية: «وتحققت توقعات الشيخ الناصح، وكنت سعيدة تماما وفرحتي أكبر من أعمالي كلها، التي قالوا عنها أمجادا».
ولادة جديدة
اتجهت إلى بيتها، وأغلقت باب غرفتها عليها، وعندما خرجت كانت كأنها ولدت من جديد بالفعل لكل من شاهدها وهي ترتدي الحجاب، شعرت أسرتها بمقدمات هذه الخطوة، غير أنها لم تتصوّر أن تكون بهذه السرعة، ربما لم يساورها الشك، مثلما ساور آخرين، حول وجود شخص ما وراء هذه الخطوة، وقبل أن تسألها، كانت الإجابة على لسان شادية: «اللي حصل ده حصل بإرادتي الكاملة، أنا من نفسي رحت لفضيلة الشيخ الشعراوي، واتخذت القرار بالاعتزال والحجاب، مش معنى كده إني كرهت حياتي اللي قبل كده، أبدا، أنا احترمت فني، وبحب ذكرياتي وأفلامي وكل ذكرياتي الحلوة، وإذا كنت عملت شيء غلط، فلا يوجد إنسان معصوم من الغلط، ربنا يسامحني ويغفر لي، ويسامحنا كلنا».
وكان أول أمر فعلته شادية بعد ذلك أن اتصلت بعلية الجعار:
– ليه هي مش عاجباكي؟
– اتفضلي قولي... خير في إيه؟
وتخلصت شادية من كل ما كان يربطها بالماضي، حتى ملابسها وأفلامها وشرائط أغنياتها استبدلتها بمكتبة قرآنية بناء على نصيحة فضيلة الشيخ الشعراوي، الذي رسم صورة حقيقية لما كانت تشعر به شادية، وللحال التي كانت عليها عندما حضرت للقائه مفسراً ما حدث لها، سأله البعض عن سرّ هذا التحول وماذا فعل معها:
ويجيب الشعراوي: «لم أفعل شيئا، لكن الله يهدي من يشاء، من نفسها شعرت بما تريد، وبحثت عنه، هذه السيدة التي ظلت، طيلة عمرها، تغني وتطرب الناس تحولت، وجاءت لتطرب طربا آخر، لكن ليس من صوت رقيق، إنما من صوت خشن أجش، وهذا له معان كثيرة، المشكلة تنتهي عندما يرى الإنسان نور الله وتهتك الأستار والحجب التي يضعها الشيطان بين الإنسان وربه، وأعتقد أن السيدة شادية لو عرفت هذا الطريق من قبل لاتخذته عملا يمسح ما كان في الماضي، إذا ما كان في هذا الماضي شيء، شادية الآن سعيدة بإيمانها، وترى أنه جعلها تشعر بالاطمئنان والاستسلام لقضاء الله وبصبر على الشدائد».
وباتت شادية لا تقدم على خطوة أو عمل قبل الرجوع إلى الشيخ الشعراوي، فإذا لم يرضَ عن أمر من الأمور التي تنوي القيام بها، كأن تتم دعوتها إلى مهرجان أو جهة ما تكرمها، يأتي رده حاسما غير ملزم: «بيني وبينك رسول الله».
بعد التوبة
اختزلت شادية رحلتها مع الفن بكلمات بسيطة قالتها وهي تنظر إلى نفسها في المرآة بعدما ارتدت الحجاب: «مررت في عمري بالكثير من الآلام، ومساحة الدموع أكبر بكثير من مساحة الابتسامات، والحمد لله، لقد تلقيت كل ما أصابني الله سبحانه وتعالى بصبر ورضى بقضائه وقدره، ولا أستطيع أن أنكر أن استرجاعي لكل هذه الذكريات المؤلمة كان له دور كبير في اختيار حياتي الجديدة، فحياة الفن لم تعد هي الحياة التي أحلم بها رغم العمر الطويل الذي قضيته فيها، السعادة الحقيقية التي كنت أحلم بها لم أجدها في الفن، ولكن وجدتها في القرب من الله سبحانه وتعالى وطاعته.. مؤكد أننا كلنا مؤمنون والحمد لله، إنما أنا في فترة ما وجدت طريقي بالشكل الذي اخترته، جسمي كان يحتاج إلى هذا وعقلي وإحساسي ونفسي.. أنا مرتاحة في الطريق الذي اختاره الله لي.. والحمد لله».
وعندما سألتها الكاتبة سكينة فؤاد عن غيابها الكامل، كان من بين ما قالت شادية: «فجأة انفتح لي الطريق الكامل.. طريق الإيمان وبدأت أتذوق حلاوته بالتدريج.. وبدأ القلق يتراجع والأمن يتقدم.. والخوف من الزمن والعوز وفقد الأحباب والصحة والمال وكل ما يمكن أن يأتي به الغد من خوف أو خطر ينهزم، وبدأت قوى داخلية تنمو داخلي.. والليل يضيء بنور لا يأتي من الإضاءات الكهربائية.. وعكارات كثيرة تصفو.. ونفسي تحب العالم كله وترى المحبة لونا للعلاقات والوجوه والبشر.. حتى من يصيبها بضرر.. ثم من يستطيع أن يصيبك بضر لو مددت يدك إلى من لا يخذل يدا تمتد إليه، ومن إذا مشيت إليه خطوة يهرول إليك.. ومن يعطيك بحجم ما تطمع من كرمه ومنحه..».
وأضافت: «وعلى كل ما أعطاني النجاح والشهرة والمجد وكل المسميات التي يمكن أن يسمى بها ما كنت فيه، وكلها أحببتها واستمتعت بها لكنها كانت مقدمات لنعمة أكبر لم أعرفها إلا عندما نزلت بحار حب ورحمة.. لا يتبدل فيها الحب إلي كراهية ولا الرحمة إلي قسوة.. وليس فيها فقد ولا ضياع.. ولو جاءت الشدة فهي اختبار عارض، أما الجائزة فقادمة.. وقائمة من السكون والجمال والرضا والراحة التي تحل في أعماق النفس. واحتجبت لأحصل علي تجربتي بالكامل وأتأملها بعمق وأعرف إلي أين أمضي..».
وتابعت: «ثم فترة الاحتجاب الكامل أيضا كانت لأعوض دينا علي عندما استغرقتني الأيام والدنيا فأنستني واجبات المحبة.. فكان لابد من جرعة مكثفة من التأمل والعبادة والقراءة والمعرفة».
واستكملت: «أكبر غلطة تقع فيها المطربة هي أن تتصور أن عجلة الزمن لن تتغير وأن أذواق الناس لن تتطور.. وأنا أعرف أنه سيأتي يوم أترك فيه مكاني على المسرح لأنتقل إلى مقاعد المتفرجين، ولذلك فالمطربة الذكية هي التي تعرف بالضبط اللحظة التي تنسحب فيها من المسرح والوقت الذي تودع فيه الجمهور وهى مرفوعة الرأس قبل أن يودعها الناس بالبيض والطماطم».
وتعرضت شادية لضغوط كثيرة، وطاولتها إشاعات شرسة في محاولة لثنيها عن قرار الاعتزال والحجاب، وتلقت عروضاً مغرية منها عرض بمليون جنيه للعودة إلى المسرح، كذلك أشيع أنها تقاضت مليون دولار مقابل الاعتزال والحجاب، لكن شادية تحولت برضاها من «معبودة الجماهير» إلى الإنسانة المسلمة الطامعة في مغفرة الله.
عمل الخير
وفي حوار لها مع الكاتبة سكينة فؤاد، قالت شادية عند سؤالها عما إذا كان انتابها الشك في مصدر أموالها التي ادخرتها من عملك في الفني: «حتى لا أضع نفسي في هذه الريبة، تبرعت بكل ما ادخرته من عملي طوال السنوات الماضية كفنانة لصالح الجمعيات الخيرية واعتبرت هذه هي الخطوة الأولى من رحلتي في رحاب الله ولم أتردد لحظة في ذلك، أما ما أملكه من غير الفن فقد استثمرته في بعض الأعمال التجارية كما سبق وذكرت ليدر لي عائدا أواصل به ما بدأته والحمد لله فقد من الله عليَ فهو سبحانه وتعالى ذو فضل عظيم».
وانطلقت شادية تشق طريقها بعد ذلك في العمل الصالح وحضور مجالس العلم والإيمان في مسجد الدكتور مصطفى محمود، ودعتها هذه التوبة إلى القيام ببعض الأعمال الخيرية منها، مساعدة الفقراء، والتبرع ببناء مسجد ومستوصف ومجمع خيري، وإقامة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وعمل مونتاج لأشرطة «كاسيت»تحتوي على تلاوة مرتلة للقرآن الكريم كاملاً مع تفسيره باللغة الإنجليزية، ومن ثَمّ توزيعه على المراكز الإسلامية، وفقا ل«الفن الواقع والمأمول.. قصص توبة الفنانات والفنانين».
واختتمت شادية حديثها، قائلة: «أنا الآن في قمة السعادة، فخلال رحلة العمر الطويلة زرت جميع بلاد العالم ما عدا روسيا، وبالرغم من ذلك فإنني لم أجد أعظم من مكة المكرمة والمدينة المنورة فقد ملكَتَا كياني، حتى أصبح حبهما يجري في دمي».
وتضيف: «كل الأعمال التي يسميها بعض الناس أمجادا لا تساوي شيئا أمام عمل واحد أرضيت فيه ربي سبحانه وتعالى، وأقول للفنانين والفنانات (حاولوا دائما ألا تقعوا ضحية لبريق الشهرة وتنسوا تماما ذلك اليوم الذي ستأتون فيه مجردين من الألقاب، ومن كل شيء)».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.