ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل اخباري مطول: مليلية… طريق الموت من أجل "داعش" "الجزء 1 و 2″
نشر في أريفينو يوم 22 - 12 - 2014

الصباح تسلط الضوء على أبرز العوامل التي ساهمت في تحويل المدينة إلى حاضنة للخلايا الإرهابية
مليلية التي يراها الإسبان بوابة أوربا الأولى، هي في الواقع سوق مفتوح لكل شيء، هنا في حي «لاكانيادا» يمكن أن تحصل على ما تريد، من مخدرات وسيارات مزورة، وحتى الأسلحة النارية، ولن يكون مستغربا أيضا أن تصادف مطلوبين لدى الأمن يتجولون بكل حرية، أو تسمع من ينادي بالنصر لخليفة «الدولة الإسلامية».. لأول مرة ستتاح الفرصة لوسيلة إعلام مغربية لتسليط الضوء على هذه التناقضات، من قلب «حي الموت» كما تسميه وسائل الإعلام الإسبانية. تكشف «الصباح»، في هذا التحقيق، حقائق مثيرة، وفي مقدمتها كيف تحولت هذه الضاحية المهمشة إلى حاضنة للحركات المتشددة...
خلف الهندسة الأوربية الفاتنة لمليلية، تتوارى عوالم أخرى وتتعايش ظواهر تكمل مع بعضها البعض فسيفساء من المتناقضات، هذا ما يحدث بالضبط في «لاكانيادا»، والمثير أكثر أن هذا الحي صار محط أنظار المخابرات الإسبانية والأجنبية، والسؤال الملح، هو: هل أصبحت مليلية حاضنة الخلايا النائمة وقاعدة لاستقطاب الجهاديين؟
كيتوهات إفريقية
تقدر مساحة «لاكانيادا» ب1.5 كيلومتر مربع تقريبا، تمثل 13 في المائة من المساحة الإجمالية لمليلية، وتقطن به حوالي 25 ألف نسمة، أي ما يعادل 29 في المائة من مجموع سكان المدينة، 99 في المائة منهم من المسلمين من أصول مغربية أو من أصحاب الجنسية المزدوجة.
لم يكن السكان المسلمون الذين تسابقوا للظفر بقطعة أرضية فوق هذه الضاحية القريبة من الحدود مع بداية الثمانينات والى حدود 1985 يتوفرون على أدنى الخدمات الأساسية، إلا أن المنازل المتواضعة سرعان ما نبتت بسرعة مع بداية التسعينات متخذة طابعا هندسيا عشوائيا يفتقد لأبسط المقومات العمرانية الحديثة.
اليوم، دخول أي غريب إلى هذا الحي المعروف محليا ب»قامايو» يشبه اقتحام «حقل تجارب» تجري فيه أكثر المناورات تعقيدا، وقد يفاجأ الزائر لأول مرة بأنه يركب مجازفة غير محمودة العواقب بين دروب وأزقة لا تلوح في أفقها سوى أسوار الحدود الشائكة التي تعزلها عن دواوير فرخانة وماريواري وغيرها..
حسب أحد شباب المنطقة « الفقر ضارب بجذوره في مختلف الأسر، أما الشباب، فأغلبهم عاطلون عن العمل، يعيشون على الإعانات التي تقدمها الدولة بشروط صارمة للغاية، أو من خلال ممارسة أنشطة التهريب أو الاشتغال في مهن بسيطة..».
تمثل هذه الحالة المزرية الوجه الآخر لمليلية، وهو ما وقفت عليه «الصباح» خلال زيارتها الميدانية، فمظاهر البؤس الشديد وانتشار الأمية بادية للعيان، وتكفي جولة للوقوف على الغياب التام لأبسط سبل الحياة أو أي أنشطة تجارية أو صناعية داخل الأحياء التي يقطنها المسلمون.
هذه العوامل شكلت وقود «انتفاضة اجتماعية» غير مسبوقة قادها شباب هذه الضاحية المهمشة خلال السنوات الماضية، ورغم طابعها السلمي إلا أن تلك الاحتجاجات تطورت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن الاسبانية.
وتدقيقا في الوصف، يعتبر المتحدث ذاته، أن هذا التجمع السكاني لا يقطنه إلا المسلمون وبضع عشرات من المسيحيين فقط، «لقد تحول إلى مرتع لتفريخ الإجرام بكافة أنواعه، ومع ما يحتضنه من فوارق اجتماعية صارخة لا شيء يمنع من تشبيهه ب»كيتوهات» الفصل العنصري الذي عاشته جنوب إفريقيا».
حاضنة الخلايا الإرهابية
في مدخل الحي كتابات على الجدران يعبر من خلالها الشباب عن التهميش والإقصاء الممارسين ضدهم، لكن بعض العبارات بالعربية والاسبانية لا تخلو من رسائل قوية تشي بتغلغل الأفكار المتشددة وحضور خطابات «داعش» وقبلها «القاعدة» في مفاصل الحياة اليومية.
ويوضح أحد أبناء مليلية في حديثه إلى «الصباح»، أن الحركات المتشددة وجدت أرضية خصبة، والنتيجة، أن سكان المنطقة الذين كانوا بالأمس القريب يعيشون نوعا من الاستقرار باتوا متعودين على منظر قوات الأمن الخاصة التي تحل بين الفينة والأخرى لاعتقال مطلوبين في قضايا الإرهاب.
هذا ما تعكسه الأرقام بوضوح فبين مارس وغشت الماضيين وصل عدد الموقوفين من داخل الحي إلى 24 متهما، من بينهم فرنسيان، ويظهر من التحقيقات بوضوح أن أغلب الخلايا المفككة لها ارتباطات داخل دول أوربية أخرى وخيوط وثيقة بالضواحي القريبة الواقعة خلف الحدود، خصوصا في فرخانة وبني شيكر وسلوان والعروي، ومهمتها الأساسية تكمن في استقطاب المتطوعين لإرسالهم للقتال في بؤر التوتر، وخصوصا سوريا والعراق.
ويتنبأ البعض بوضع أكثر قتامة، ويرجع أصحاب هذا الرأي المتشائم إلى الوراء قليلا، فالسلطات الاسبانية تحصد اليوم نتائج قراراتها غير العادلة منذ إصدارها لقانون الأجانب مع بداية الثمانينات، وما خلفه حينها من ردود فعل قوية من قبل مسلمي المدينة الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية للمطالبة بحقهم الكامل في المواطنة والمساواة في الحقوق مع الإسبان.
والى جانب هذه الذكرى التي مازال المليليون يستحضرونها بالكثير من التوجس والخوف، يقول فاعل جمعوي مقيم بمليلية ل»الصباح»، إن للحركات المتشددة جاذبية خاصة لدى الشباب المسلم بمليلية، لسببين: على المستوى الديني، يحرص أتباع هذه الحركات على أن تكون عمليات الاستقطاب مدروسة، بحيث يتم التركيز على عينة من الشباب كانوا إلى وقت قريب رمزا للتحلل الأخلاقي والديني وتحت تأثير عوامل اجتماعية واقتصادية صعبة.
والسبب الثاني، بحسب المتحدث ذاته، أن نشاط الخلايا المتطرفة يخضع نسبيا داخل مليلية لحرية أكبر، على عكس المناطق الأخرى خارج الحدود، مع ضمانة أخرى تتمثل في أن العديد من أتباع تلك الحركات يرتبطون بروابط عائلية في كل من بني شيكر وفرخانة وماريواري... هذا الاتصال المباشر بين الجانبين لا يحتاج سوى لاجتياح المعابر الحدودية.
مسجد الجماعة والأمير
المعطيات، التي حصلت عليها «الصباح» تدل على شيء واحد، وهو القلق الذي يعتري السلطات الاسبانية من التحولات التي يشهدها هذا الحي الهامشي، لكن مصدر الخوف الرئيسي صار اليوم هو كيفية محاصرة التنظيمات المتطرفة التي هيئت لها الظروف المناسبة لبث خطاباتها وسط شباب أغلبهم عاطل عن العمل وبدون مؤهلات تعليمية.
في زقاق ضيق يدعى «اوسا مايور» لا تفصله إلا مسافة صغيرة عن المسجد الأبيض (لامسكيتا بلانكا) في قلب الضاحية المهمشة كان يقطن محمد سعيد محمد، الشاب العشريني الذي التحق شقيقه زكرياء قبله بمعسكرات القاعدة بمالي لينتهي به المطاف في سوريا بين صفوف المقاتلين إلى جانب «داعش».
وقبل أن يحتل اسم سعيد واجهات وسائل الإعلام، يتذكر الجميع هنا زعيم خلية أخرى، يتعلق الأمر بمصطفى مايا أمايا (51 سنة) الذي تحركت أجهزة الأمن لاعتقاله في مارس الماضي برفقة فرنسيين كان قد نجح في استقطابهما عبر الأنترنت وحلا ضيفين على شقته المتواضعة استعدادا للسفر نحو سوريا.
في كل مرة، تتوجه الأنظار مجددا صوب هذا المسجد الشهير بمرتاديه من أصحاب اللحية الطويلة واللباس الأفغاني، هذا يعني من جملة ما يعنيه في تقارير الأجهزة الأمنية أن هذا الفضاء الروحي تحول إلى بؤرة لتغذية الفكر المتطرف واحتضان السلفيين المتشددين من داخل وخارج مليلية.
فالتناقضات الكبيرة التي يعيشها الحي، تقول مصادر «الصباح» إنها وجدت من يحتضنها ويغذيها، فهذا المسجد الذي يعد معقلا تقليديا لجماعة «الهجرة والتكفير» ليس مكانا للصلاة فحسب، وإنما صار قبلة لسلفيين يتقاسمون أفكارا ومنهجا محددا على رأسهم «أمير» توجب له الطاعة وتطلب منه المشورة.
هذا ما تؤكده المعطيات التي جمعتها «الصباح» على مدى أسابيع من التحري، والأمر في نظر السلطات لم يعد مجرد تخمينات أو توقعات، وإنما خلاصة تقارير أمنية محلية ودولية تدق ناقوس الخطر حول تغلغل الحركات المتشددة، لكن ما قد لا يستوعبه الكثيرون هو تلك العلاقة الملتبسة ببين أدبيات التطرف وخدمة السيادة الإسبانية فوق تراب مليلية.
ونحن نتجول في مليلية بحثا عن بعض هذه التفاصيل، سنكتشف أمورا غريبة تتعلق ببعض مسؤولي الجمعيات المسلمة الذين لعبوا في فترة من الفترات أدوارا لصالح هذه الجهة أو تلك، أو أجادوا الرقص على الحبلين قبل أن تقذفهم العاصفة خارج دائرة الاهتمام.
وبين هذا وذاك، والقول لفاعل جمعوي بمليلية تلتقيه «الصباح» ب(مقهى أمين) وسط الناظور: «هناك دائما خيط ناظم في حسابات الاسبان، وكلها تصب في كيفية التحكم في مصير المدينة عبر خلخلة حقل الهوية والانتماء الروحي وضرب أي مشروعية منافسة».
لتأكيد هذه الرواية، يوضح الفاعل الجمعوي أكثر: «ما أعرفه جيدا هو أن الدعم لم ينقطع عن المسجد الذي يوصف بأنه مركز للسلفية المتشددة، وهنا لا بد أن نتوقف عند واقعة أثارت الكثير من الجدل، وهي تعامل الحكومة المحلية مع شركة للأشغال العمومية يملكها المدعو مصطفى علال محمد أحد الموقوفين الستة ضمن خلية دولية تم تفكيكها نهاية ماي الماضي، إذ اكتشف الجميع أن العقود الممنوحة له درَّت عليه ما يزيد عن 300 ألف أورو بين 2009 و2014.
ورقة التأطير الديني
يفتح الحديث في محاولة لرسم صورة عن سر تغلغل الحركات المتشددة بمليلية الباب على مصراعيه لمزيد من الأسئلة المتداخلة، ومن ضمنها ما يعرفه حقل التأطير الديني لمسلمي المدينة من تجاذبات، لعل ذلك ما يترجم سعي السلطات الإسبانية في العقدين الأخيرين إلى تكوين «إسلام خاص ومستقل» بمليلية.
فإذا كان التحكم في الشأن الديني يعني ضبط بوصلة الولاء الروحي لمسلمي المدينة الذين يشكلون نسبة تزيد عن 52 في المائة من مجموع السكان، فان الصراع حول هذه المسألة في المدينتين السليبتين بين الرباط ومدريد يبدو حيويا، وتبرز بعض الأحداث كيف كانت سلطات مدريد تسعى بشتى الوسائل إلى تجريد وزارة الأوقاف المغربية من بعض الصلاحيات المهمة التي ظلت تحتفظ بها، كتعيين الأئمة وبث خطب على أسماع المصلين تختتم بالدعاء لملك المغرب، باعتباره أميرا للمؤمنين.
هذه المواجهة المفتوحة تجلت أكثر من مناسبة، لكن الأصوات التي تنادي بإخراج الشأن الديني من وصاية المغرب ليست بالضرورة جهات رسمية، بل إن الانقسام حول هذه المسألة افرز اتجاها متشددا داخل جمعيات تمثل مسلمي المدينة ما فتئت تطالب بفك الارتباط بصفة نهائية مع وزارة الأوقاف.
ويخلص جمعويون بالمنطقة في حديثهم إلى «الصباح» إلى القول: لا يخفى على أحد كيف يلعب الخصم على هذه التناقضات لفصل مسلمي المدينة عن ولائهم الروحي للمغرب، وقد نجح في فترة من الفترات في توظيف موقف بعض التيارات المتشددة من المؤسسات في المغرب حتى تخوض «معارك بالوكالة»، والغاية من ذلك معروفة.
مليلية التي يراها الإسبان بوابة أوربا الأولى هي في الواقع سوق مفتوح لكل شيء، هنا في حي «لاكانيادا» يمكن أن تحصل على ما تريد، من مخدرات وسيارات مزورة، وحتى الأسلحة النارية، ولن يكون مستغربا أيضا أن تصادف مطلوبين لدى الأمن يتجولون بكل حرية، أو تسمع من ينادي بالنصر لخليفة «الدولة الإسلامية».. لأول مرة ستتاح الفرصة لوسيلة إعلام مغربية لتسليط الضوء على هذه التناقضات، من قلب «حي الموت» كما تسميه وسائل الإعلام الإسبانية تكشف «الصباح»، في هذا التحقيق، حقائق مثيرة، وفي مقدمتها كيف تحولت هذه الضاحية المهمشة إلى حاضنة للحركات المتشددة...
خلف الهندسة الأوربية الفاتنة لمليلية، تتوارى عوالم أخرى وتتعايش ظواهر تكمل مع بعضها البعض فسيفساء من المتناقضات، هذا ما يحدث بالضبط في «لاكانيادا»، والمثير أكثر أن هذا الحي صار محط أنظار المخابرات الإسبانية والأجنبية، والسؤال الملح، هو: هل أصبحت مليلية حاضنة الخلايا النائمة وقاعدة لاستقطاب الجهاديين؟
العيد يقسم الجمعيات
الخطير، يضيف مصدر «الصباح» أن «الشأن الديني تم توظيفه بشكل كبير لاستمالة أصوات الناخبين المسلمين لهذا الحزب أو ذاك، لذلك لا يدخر بعض السياسيين جهدا في لعب هذه الورقة بالاستعانة بجمعيات مسلمة مقربة في الغالب من الحزب الشعبي أو التحالف المحلي من أجل مليلية للتأثير في الانتخابات».
ويؤكد المصدر ذاته، أن هذا القرب من الأحزاب السياسية المتنافسة، ينعكس بالضرورة على تقريب بعض الجمعيات المسلمة من دواليب القرار المحلي ومدها بمساعدات مالية سخية لخدمة أجندة معينة، ومن جملة تلك الأدوار التي تتولاها تلك الجمعيات معارضة وصاية وزارة الأوقاف على الحقل الديني بالمدينة.
تمثل الجمعية الإسلامية، مدافعا شرسا عن هذا التوجه، وأعلنت لعدة مناسبات أن وصاية وزارة الأوقاف يجب أن تختفي نهائيا من المساجد وأن ينعم المليليون باستقلالهم الروحي في ممارسة الشعائر الدينية، طالما أن المدينة تخضع للسيادة الإسبانية.
هذا الموقف بدا جليا في صلاة عيد الفطر الماضي، فلأول مرة تخلو هذه المناسبة من الدعاء لملك المغرب، بعد أن أم المصلين إمام يدين بالولاء لجماعة العدل والإحسان المعروف أنها تناهض الثوابت التي يجمع عليها المغاربة وفي مقدمتها إمارة المؤمنين..
يعتبر عبد الرحمان بنيحيى، رئيس الجمعية الإسلامية، أن المسألة الدينية شأن داخلي، لذلك فقد استغل مناسبة إحياء عيد الأضحى الأخير ليوجه انتقادات حادة للمجلس العلمي المحلي بالناظور بسبب إشرافه على بعض مفاصل الحياة الدينية لمسلمي مليلية، إلا أن هذه الانتقادات وصلت إلى حد مطالبته للحكومة الاسبانية باستفسار نظيرتها المغربية عن تدخل وزارة الأوقاف للدعوة لإحياء عيد الأضحى بالمدينة، متهما في الوقت نفسه اللجنة الإسلامية من أجل مليلية بالتنسيق مع المغرب لبسط سيطرته على الشأن الديني خدمة لأهداف سياسوية، على حد قوله.
عيون على الجنود المسلمين
تطلب تغلغل الخلايا المتشددة وحاجتها المتزايدة لمتطوعين للقتال في بؤر التوتر، عملا يتعدى حدود استقطاب الشباب العاطل عن العمل وغير ذي مؤهلات تعليمية عالية ليطرق أبواب الجنود من أصول مسلمة والمتحدرين من مليلية أو سبتة، بعدما أصبح الفكر المتطرف ينفذ تدريجيا إلى داخل الثكنات العسكرية التابعة للجيش الإسباني.
ولقد أثارت تقارير لأجهزة الاستخبارات الإسبانية والأمريكية النزوعات المتطرفة لبعض الجنود من أصول مسلمة، لكن الجديد هو التطور الذي عرفته أساليب استقطاب هذه الفئة المتمرسة على حمل السلاح، ومراهنة الخلايا المتطرفة على المعلومات التقنية العالية التي تتوفر عليها من خبرتها في صفوف الجيش الإسباني.
وتؤكد بعض التحليلات أن وزارة الدفاع الإسبانية تشعر بالقلق بخصوص العشرات من هذه الحالات، التي تشك في مشاركتها في منتديات إسلامية متطرفة عبر شبكة الأنترنت، أو من خلال الاحتكاك المباشر مع موالين لبعض الخلايا وعقد اجتماعات سرية بهم يكون موضوعها الرئيسي تعبئتهم لوضع تجربتهم العسكرية رهن إشارة «إخوانهم في معارك الجهاد».
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر من داخل مليلية ل»الصباح» عن وجود تركيز على استقطاب الجنود من أصول مسلمة المتحدرين من هذه المدينة، نظرا لاكتسابهم تكوينا عسكريا عاليا من مشاركتهم ضمن مهام القوات الإسبانية ببعض بؤر التوتر، خصوصا ذوي الخبرة في مجال زرع الألغام والمتفجرات وتوجيه المدفعية، باعتبارها من الوسائل الأكثر قدرة على حسم المعارك.
خلايا تجنيد المقاتلين
وإن لم يكشف رسميا لحد الآن عن أي معلومة تتعلق بالأعداد الحقيقية للملتحقين بصفوف ما يسمى «الدولة الإسلامية»، إلا أن الأخبار المتداولة بمليلية تفيد بانقطاع أخبار العديد من الشباب الذين سبق أن عملوا بالجيش الاسباني، بعدما تأكد خبر التحاقهم بسوريا عبر الحدود التركية.
ومن مستقطبين إلى صفوف الحركات المتشددة، إلى زعماء خلايا تتولى تجنيد المتطوعين للقتال خصوصا في سوريا والعراق، يبرز اسم الجندي الإسباني من مواليد البيضاء في يناير 1977 المسمى جمال الكالا ضمير، إذ شرع فور تركه للخدمة العسكرية سنة 2005 في زيارة العديد من المدن المغربية، من بينها الناظور، التي أقام بها لمدة ثم تطوان والحسيمة، وتازة ومراكش وفاس، من اجل استقطاب متعاطفين وأتباع للخلية التي نجحت المصالح الأمنية المغربية في تفكيكها مطلع السنة الجارية.
وعلى غرار الكالا عمل محمد سعيد محمد الجندي السابق في صفوف الجيش الاسباني وزعيم الخلية المفككة أخيرا بين الناظور ومليلية على تجنيد المتطوعين لتعزيز تنظيم «الدولة الإسلامية» بسوريا والعراق، إلى أن تم توقيفه داخل مليلية بفضل معلومات دقيقة وفرتها مصالح مديرية حماية التراب الوطني «ديستي».
جندي آخر شارك ضمن القوات الإسبانية في العديد من الجبهات قبل أن يفر من الخدمة العسكرية، يتعلق الأمر بزكرياء سعيد محمد والذي ثبت التحاقه بسوريا بعد مدة قضاها بشمال مالي في صفوف «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وحليفه «حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا».
في شارع حيدرا رقم 24 بحي «لاكانيادا» يقع منزل «زكرياء» الذي صار مطلوبا بموجب مذكرة بحث أصدرتها السلطات العسكرية بمليلية في 13 يوليوز 2010، إلا أن مكان وجوده بقي مجهولا، إلى أن ظهرت صورته ضمن قائمة تضم أكثر من عشرين متطوعا للقتال في مالي كانت السلطات المغربية أعلنت عن تحديد هوياتهم في أعقاب تفكيك خلية إرهابية أواخر 2012 .
"جهاد" بلا عودة
الطريق إلى «داعش» ليس سهلا، لكنه يبدأ من استقطاب المرشحين للسفر إلى سوريا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض الصفحات الشخصية التي يجري تداولها على نطاق واسع كمرجع لتلقين «فكر الجهاد». يتطلب الأمر المرور عبر مجموعة من المراحل واختبار قدرات «المتطوعين» على تحمل بعض المشاهد قبل الحسم في فكرة تهجيرهم بواسطة وسطاء.
هذا بالضبط ما كان يقوم به «مصطفى مايا أمايا» من داخل منزله بحي لاكانيادا» بمليلية، فقد انشأ منذ 2012 أرضية افتراضية للاستقطاب مكونة من أزيد من 40 بوابة الكترونية ومنتدى لتبادل المحتويات «الجهادية» المكتوبة والمرئية باللغة العربية والفرنسية والإسبانية، بالإضافة إلى فتح إمكانية التواصل المباشر مع مرشحين مفترضين في كل من فرنسا واسبانيا والمغرب وهولندا وأمريكا الجنوبية عبر عدد من الحسابات الشخصية في «فيسبوك» و»تويتر» والبريد الالكتروني.
وتؤكد معلومات حصلت عليها «الصباح» أن زعيم الخلية بعد أن عاش لفترة بمدينة العروي ضواحي الناظور، ربط علاقات قوية مع متشبعين بالفكر الجهادي، إلا انه عاد للاستقرار في مليلية قبيل تفكيك خلية إرهابية من قبل المصالح الأمنية المغربية، وانطلاقا من ذلك التاريخ شرع في توسيع قاعدة الاستقطاب واستقبال المرشحين للسفر داخل منزله للتحضير لآخر الترتيبات قبل موعد السفر.
وبحسب ما كشفته التحقيقات الأمنية، فقد حولت بعض الخلايا النائمة خطتها في تجنيد المرشحين للقتال في بؤر التوتر، عن طريق تغيير الوجهة من الرحلات الجوية عبر المغرب، إلى مطارات أوربية، بما فيها بعض المطارات الإسبانية كمطار برشلونة، ويتم في البداية استضافتهم من قبل أعضاء التنظيم بمدينة مليلية، التي يقيمون بها لعدة أيام.
ويحكي بعض الجيران، أن الشيخ المقعد (مصطفى مايا أمايا) يبدو أنه اعتكف خلف شاشة جهاز الحاسوب، إذ لم يكن يظهر له أثر في الخارج إلا نادرا، لكن منزله كان يعرف حركة غير عادية، ويستقبل ضيوفا من أصول أوروبية، أغلبهم من الشباب الذين يحيل مظهرهم الخارجي على أنهم ينتمون إلى تيارات متشددة أو حديثو العهد بالإسلام، إلا أن مقامهم بين ظهراني الحي لم يكن يدوم طويلا، قبل أن يختفوا عن الأنظار.
وتفيد المعطيات التي حصلت عليها «الصباح» أن عملية الاستقطاب داخل هذه الضاحية المهمشة تبدأ بالتدرج، أولا بالتقرب من بعض الشباب وحثهم على تغيير سلوكهم «المنحرف» والالتزام بتعاليم الشريعة، ثم في الخطوة الموالية دعوتهم للتمسك بالصلاة إلى جانب «إخوانهم» من أتباع الجماعة، إلا أنه وبعد أسابيع من اللقاءات التعبوية، يتم الانتقال إلى المرحلة الموالية من خلال منح الشباب كتبا دينية أو عناوين بوابات إلكترونية تحث على «الجهاد في سبيل الله».
هكذا يبدأ التغيير الجذري يظهر تدريجيا على شباب عرفوا بين أقرانهم إلى وقت قريب بإدمانهم على المخدرات والكحول. بهذه الطريقة كانت بداية التجربة بالنسبة للكثيرين نحو «التوبة» عبر تلقي دروس وحضور حلقات دينية ثم الانخراط في لقاءات محدودة العدد، وغالبا ما كان الملتحقون ب»الجماعة» يستقبلون بطريقة مدروسة داخل بيوت مغلقة يتم خلالها شحنهم بواجب الجهاد في سبيل الله.
بهذه الطريقة المحكمة وبفضل خدمات شبكات التجنيد النشطة بمليلية والناظور تمكن العديد من المتطوعين من وضع خطواتهم الأولى في طريق محفوف بالمخاطر يقود في نهاية المطاف إلى جبهات القتال الحامية تحت راية ما يسمى «الدولة الإسلامية».
من إنجاز: عبد الحكيم اسباعي (مليلية)
تعليق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.