الشعوذة مصدرها شعوذ ، وشعوذ الرجل بمعنى مهر في الإحتيال وخداع الناس بطرق تعتمد على الخفة في اليد والسحر (1) ، يكتسب على إثرها المشعوذ الشهرة ، ويدعي التحكم في عالم الغيب و الإنس والجن ، والقيام بأمور لايقدر عليه الإنسان العادي باستعمال مستلزمات و مستحضرات طبيعية ( الأعشاب) ، والذهب ، ويمارس أعماله أيضا بالإعتماد على الإنسان الحي والميت ، والحيوان وأعضائه بأوصاف والوان محددة ، … الخ ، للنصب والإحتيال على النساء والرجال السذج من الأغنياء والفقراء ، و المثقفين والأميين من كلا الجنسين ، سنحاول في هذا الموضوع التطرق الى أهم الأسباب التي أدت الى تفشي هذه الظاهرة في المجتمع ، والى مخاطرها ، ثم الى موقف الشريعة الإسلامية و بعض القوانين الوضعية بالعالم العربي خاصة منها . 1) أسباب اللجوء الى المشعوذين يلجأ بعض الناس الى المشعوذين للأسباب التالية : ضعف الوازع الديني بسبب الإبتعاد عن القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومانتج عنه من هواجس نفسية جثمت على صدور بعض الناس ، حيث منهم من يظن أنه مسحور ، أو فيه عين ، أوأكل شيئا مضرا … الخ . غياب الوعي بدور وأهمية العلاج النفسي العصري ، وعجز الطب الحديث على علاج بعض الأمراض العضوية والنفسية المستعصية والخطيرة . ضعف الإيمان بقضاء الله وقدره ، واختباره للإنسان في الأرض . قلة الصبر عن بعض الأمراض المزمنة التي تتطلب وقتا طويلا للعلاج ، وغلاء الأدوية و تكاليف العلاج العصري . غياب قوانين صارمة للحد من الظاهرة . هناك أيضا من يلجأ الى المشعوذين للتخلص من العنوسة ، أو العقم ، أو للزواج أو الطلاق ، أو لجذب الحبيب أو الحبيبة أو الزوج أوالزوجة ، أو لمنع الزوج من التفكير في التعدد ، أو إقامة علاقات غير شرعية خارج بيت الزوجية ، أو للنجاح في الإمتحان ، أو للحصول على وظيفة ، أو للإنتقام من العدو، أو الزوج أو الزوجة ، أو لتحقيق السعادة و إبعاد الشر ، أو لاستخراج الكنوز من الأرض … الخ . 2) أخطار الشعوذة من أخطار الشعوذة نجد مايلي : المشعوذون ينافسون الأطباء من مختلف التخصصات الذين أفنوا أعمارهم في الدراسة والتحصيل العلمي ، ويؤدون الضرائب لخزينة الدولة . الأعمال الناتجة عن الشعوذة تضر بالناس من جميع الشرائح ، وتهدد حياتهم و مستقبلهم ومستقبل أسرهم ، وتخرب العلاقات الإجتماعية المبنية على التعايش ، والسلم ، والمحبة ، والإحترام المتبادل ، و تؤدي الى عجز جسم الإنسان عن القيام بأدواره ووظائفه الطبيعية ، وتزيد في مشاكله (السحرالحقيقي). المشعوذ يسلب أموال زواره بخدع متقونة ، واحتيال مدروس ماكر ، و يشترط القربان و الهدايا و الوليمة … الخ ، ويستقبل مريضه أو مريضته في مكان محدد ، و في زمن محدد أيضا ، وينعزل بالنساء خاصة في غرف بدون محارم ، قد يؤدي ذلك الى ارتكاب جرائم خطيرة ، خاصة إذا كان من المتعاطين للمخدرات و الخمور، كالفساد والخيانة الزوجية ، والإغتصاب ، والسرقة ، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد … الخ . المشعوذ يشجع الناس على الإيمان بالشعوذة ، والسحر، والخرافات ، و بقوى الغيب ، ويكرس في المجتمع الجهل ، والتخلف ، والتواكل والكسل ، ويدعو الى الشرك و الإبتعاد عن طريق الله عز وجل . 3) موقف الشريعة الإسلامية من الشعوذة لقد أجمع علماء وفقهاء الإسلام على تحريم الشريعة الإسلامية الذهاب الى المشعوذين ، لأنهم يجمعون بين الشعوذة والسحر والكهانة والعرافة … الخ ، وعملهم هذا كفر بالله ، مستدلين بذلك بنصوص من القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالسحر عبارة عن رقى محرمة وغير شرعية ، يؤثر الحقيقي منه في الإنسان ، ويفرق بين المرء وزوجه ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في الآية : 102 من سورة البقرة {{ فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه }} ، وتعليمه كفر كما توضح نفس الأية من نفس السورة ، {{ وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}} . وقد أمرنا الله عز وجل بالتعوذ من إذاية السحرة الماكرين في سورة الفلق ، {{ قل أعوذ برب الفلق، من شر ماخلق ، و من شر غاسق إذا وقب ، ومن شرف النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد . }} . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (( اجتنبوا الموبقات السبع ، قيل يارسول الله وماهن قال : الشرك بالله ، و السحر، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق ، و أكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات . )) ، رواه البخاري ومسلم . وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إتيان الكهان والعرافين ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (( من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد )) ، وقد روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، (( من أتى عرافا فسأله عن شيئ فصدقه بما يقول لاتقبل صلاته أربعين يوما )) ، وعن عمر بن حصين مرفوعا ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له ، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .)) ، رواه البزار بإسناد جيد ، و الطبراني بإسناد حسن . (2) لقد أجمع علماء الإسلام على شرك من يزور المشعوذين و العرافين والكهنة … الخ (3) ، ليصرفوا عنه أحزانه وهمومه ، لأن الله سبحانه وتعالى هو المنقذ الوحيد للعبد ، والرافع الوحيد لمشاكله في الأرض ، و يقول الله عزوجل في الآية : 180 من سورة الأعراف ، {{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }} ، و يقول أيضا في الآية : 22 من سورة البقرة :{{ فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون }} (4) ، و دعا الإنسان في الأية : 159 من سورة ال عمران الى التوكل على الله وحده : {{ فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين }} . إذن يبدو من خلال الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية الشريفة المذكورة ، بأن موقف الشريعة الإسلامية واضح من الشعوذة و السحر و الكهانة و التطير … الخ ، فهي أفعال تقرب صاحبها الى الشيطان ، و تبعده عن طريق الله سبحانه وتعالى ، و كفر و شرك به ، و حرام على المسلم زيارة من يمارسها ، ويقول الله عز وجل في الآية : 281 من سورة البقرة : {{ واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون }} ، و يقول أيضا في الآية : 58 من سورة الأحزاب ، {{ و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا }} . لقد دعا الإسلام الى الرقية الشرعية التي تكون بالقرآن و الأدعية ، مالم تكن شركا أو عبارات غير واضحة ومفهومة ، حيث يقول الله تعالى في الآية : 82 من سورة الإسراء ، {{ و ننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا }} . وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( عليكم بالشفاءين العسل و القرآن )) ، و قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات (5) وينفث (6). وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل بيت زوجته أم سلمة رضي الله عنها ووجد صبي يبكي ، فذكروا أن به العين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الا تسترقوا له من العين ؟ . )) ، أخرجه البخاري و مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خير يصب منه )) ، أخرجه البخاري .(7) . 4) الشعوذة و القانون الوضعي ( أمثلة من بعض الدول العربية ) إن معظم القوانين الوضعية في العالم العربي خاصة لم تعرف الشعوذة و السحر … الخ ، وبعضها تصنفها ضمن الأفعال والمخالفات الشرعية القولية و الفعلية ، و لا تتضمن عقوبات زجرية محددة وواضحة ، ضد ممارسيها أو ضد من يتوارد على عياداتهم التي غالبا ما تشتغل بطرق سرية . فالمملكة العربية السعودية يبدو أنها لا تتوفر على قانون جنائي مكتوب ، يعاقب مرتكب جريمة الشعوذة و السحر ، لكن السلطات الدينية قد تتدخل في بعض الأحيان و تقوم بحملات تمشيط ضد المشعوذين و السحرة و الكهنة … الخ ، بتهمة خروجهم عن القانون ، و مخالفتهم لتعاليم الشريعة ، و يمكن أن تصل العقوبة الى إعدام الساحر . ويعاقب القانون السوري معقل الديكتاتورية بالعالم العربي من يتعاطى للشعوذة بالحبس التكديري ( تتراوح مدته من يوم الى خمسة عشرة يوما )، و بالغرامة تتراوح مابين 25 و 100 ليرة ، و يعاقب من يكررها بالحبس لمدة ستة أشهر و بغرامة 100 ليرة ، و إبعاد المتهم من البلاد إذا كان أجنبيا . و قد تطرق القانون البحريني الى الشعوذة و السحر ، ونص على عقاب من يمارسها بالحبس و الغرامة ، لكن بدون تحديد مدة الحبس ، و لا قيمة الغرامة . ويصنف القانونان المصري و العراقي التعاطي للشعوذة و السحر والكهانة … الخ ، ضمن جرائم النصب و الإحتيال ، حيث تتراوح مدة عقوبة ممارسها بمصر بالحبس من سنة الى سنتين ، أما في العراق فالعقوبة هي أشد وقد تصل الى خمس سنوات . والقانون الجزائري لم يرد فيه أي نص صريح يجرم الشعوذة و السحر … ، و قد تم إدراج ذلك ضمن الجرائم المترتبة عنها ، كالإحتيال و القتل و السرقة و الإغتصاب و الفساد … الخ . أما القانون الجنائي المغربي فلا يتضمن هو أيضا أية عقوبة من أي نوع ضد من يمارس أعمال الشعوذة و السحر، لكنه قد نص في الفقرة 35 من الفصل : 609 على عقاب من احترف التكهن و التنبؤ بالغيب ، أو تفسير الأحلام ، بغرامة تتراوح مابين 10 و 120 درهما ، ويعتبر هذا الفعل مجرد مخالفة فقط من الدرجة الثالثة ، لكن الفصل : 726 من قانون الإلتزامات و العقود ، قرر إلغاء و بطلان أي اتفاق يكون موضوع تعليم أو أداء أعمال الشعوذة و السحر ، أو القيام بأي عمل مخالف للأخلاق الحميدة ، و القانون ، و النظام العام . و إذا تم متابعة المشعوذ و الساحر بالنصب و الإحتيال على المواطنين ، ففي هذه الحالة يمكن أن يطبق عليه الفصل : 540 من القانون الجنائي ، الذي نص على” عقاب من سنة الى خمس سنوات ، و بغرامة من خمسمائة الى خمسة الاف درهم ، من ارتكب جريمة النصب ، و استعمل الإحتيال لخداع أو إخفاء و قائع صحيحة ، أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ، و يدفعه بذلك الى أعمال تمس مصالحه ، أو مصالح الغير المادية ، بقصد الحصول على منفعة مالية له ، أو لشخص اخر … “. لكن من الخطأ في هذه الحالة اعتبار أعمال الشعوذة و السحر من قبيل جرائم الإحتيال و النصب بسبب خطورتها ، إذ لابد من وضع مادة محددة مطبقة على الفعل الحقيقي ، طالما أن لكل جريمة في العالم المتقدم نص يحكمها ويعاقب من يرتكبها . إن القوانين الغربية تحاول الآن تقنين المهنة وقبولها ، و تعمل على تشجيع الدجالين و العرافين و المنجمين … ، خاصة في جمعيات مهنية معترف بها ، لكن شريطة أن لاتضر بالمواطنين ، و يتحمل فيه أصحابها كامل المسؤولية أمام القانون ، لكن يجب الحذرمن التقليد الأعمى ، لأن الفرق شاسع بينها وبين الدول الإسلامية ، فهي دول علمانية تؤمن بالإباحية ، وقوانينها غير دينية ، تخالف شريعتنا وثقافتنا بشكل واضح . خلاصة : التعاطي للشعوذة جريمة خطيرة لاتقل خطورة عن الدعارة ، و التعاطي للمخدرات ، و الخمور، والميسر ، … الخ ، أسبابها متنوعة ، وعواقبها وخيمة ، تهدد كل شرائح المجتمع ، و تكرس الجهل و التخلف … الخ ، و لابد من و ضع قوانين صارمة ضدها ، و من الواجب على كل مسلم التبليغ عنها لدى السلطات المختصة لاستئصالها من جذورها . (1) معجم اللغة العربية المعاصر (2) التطير كلمة مشتقة من الطير كانت معروفة في العصر الجاهلي ، حيث كان بعض الناس يستعينون بالطير عند خروجهم لقضاء أغراضهم ، فإذا طار يمينهم استمروا في طريقهم ، وإذا طار يسارهم عادوا عن أمرهم ، وكان هناك أيضا من يتشاءم من حيوانات أخرى ، أو من الإنسان الذي فيه عيب أو مرض أو ما شابه ذلك ، وقد حرمته الشريعة الإسلامية . (3) الكاهن يقصد به العراف الذي يضرب بالحصى وغيره ليخبرعن الماضي . أما العراف فهو الكاهن الذي يخبر عن المستقبل ، وهناك من يرى بأنه الإسم العام للكاهن و المنجم وغيرهما . (4) الند جمع أنداد هو المثل و النظير عند العرب ، و يفسره فقهاء الإسلام بالشرك بالله . (5) المعوذات هي سور: الإخلاص و الفلق والناس ، (6) لقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا اشتكى من مرض ، يقرأ المعوذات ثم يخرج الريح من فمه بيده مع شيئ من ريقه و يمسح به على جسده . (7) يفسره علماء الإسلام بمايلي : إن الله سبحانه وتعالى يرسل المصائب الى الإنسان ليطهره من المعاصي و الذنوب و ليرفع درجته .