- نص مترجم- D توطئة عامة: ولد القديس والكاتب الأمازيغي الكبير أوريليوس أغسطينوس أو أغسطين أو أوغستان (Saint.Augustin) في 13نوفمبرمن سنة 354م من أم بربرية مسيحية اسمها مونيكا، وأب وثني روماني عبارة عن موثق بسيط، كان يسمى پاتريسيوس في مدينة تاگيسته (سوق الهراس) بالجزائر (نوميديا). وقد دافع أوغسطين كثيرا عن هويته الأمازيغية وكنعانيته السامية في رسالة له إلى أهل روما، وكان يقول:” إذا سألتم سكان البوادي عندنا في نوميديا، قالوا: نحن كنعانيون”، ويعني هذا أن لغة أوغسطين هي النوميدية المتأثرة باللغة الفينيقية الكنعانية أو هي الأمازيغية النوبية ذات الجذور الكنعانية. بيد أن ثقافته لاتينية ، ولايتقن من الإغريقية إلا النزر القليل.2 هذا، وقد تلقى أوغسطين تعليمه في تاگيسته و مودوروس منذ السادسة عشرة من عمره، وسافر إلى قرطاج ليستكمل دراساته . وبعد ذلك، انتقل إلى إيطاليا في مرحلة الغزو اللاتيني لشمال أفريقيا للتعلم والدراسة في روماوميلانو. وقبل سفره كان متأثرا بالأفلاطونية المحدثة. وقد مارس أوغسطين مهنة التعليم، و كان يعطي دروسا في البلاغة في مدينة قرطاج و مدن إيطاليا، وانتقل حيال مدينة عنابة سنة 388م ، حيث أقام فيها ديرا للتعبد والاعتكاف الديني ليتقلد عدة مناصب دينية إلى أن عين في منصب أسقف مدينة عنابة سنة 395 م . وبعد ذلك، صار أبا للكنيسة اللاتينية. وقد توفي أوغستان في29/08/ 430 م بمدينة عنابة(Hippone). وقد تشبع أوغسطين بالمعتقد المسيحي تأثرا بأمه القديسة مونيكا، وتأثر كذلك بأسقف ميلانو القديس أومبرواز( Ambroise ) ، وذلك سنة386م. هذا، وقد دافع أوغسطين كثيرا عن مبادئ المسيحية الكاثوليكية الرسمية التابعة للكنيسة الرومانية، ووقف في وجه الحركة الدوناتية ذات الملامح الثورية الشعبية. وكان” خطيبا وكاتبا من طراز عال، فلم يتح للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط.”3 ويعرف على أوغيسطينيوس أنه في بداية حياته كان ماجنا متهتكا وشابا عربيدا. إلا أنه تاب، بعد ذلك، وأصبح متدينا وزاهدا متقشفا. وبالتالي، كان القديس أوغسطين” ثاقب الذهن، واسع الفكر، غزير العلم، ارتوى من مبادئ الديانة المسيحية، فأصبح من أكبر القسيسين ورجالات الكنيسة الكاثوليكية. وقد كرس حياته الصالحة في مقاومة الزنادقة ومكافحة المذاهب الأخرى التي من شأنها أن تقف حجر عثرة في سبيل تقدم الديانة المسيحية؛ وكان يستعمل سائر الوسائل لمحاربة المذهب الدوناتي(donatisme ) الذي كان يرمي الكاثوليكيين بتسرب الضعف إلى عقيدتهم الدينية، كما كان يحارب المذهب المانكي( Manichéism ) الآري الذي سينتحله، فيما بعد، القائد جنسريق، ملك الوندال.”4 وعلى الرغم من ثقافة أوغسطين اللاتينية ، فإنه كان يقدم قداسه ومواعظه باللغة المحلية أو اللغة الفينيقية ؛ لأن الأمازيغيين في شمال أفريقيا كانوا يجهلون اللغة اللاتينية؛ لكونها لغة المثقفين الذين درسوا بروما، وأصبحوا من مؤيدي الحكومة الرومانية، بل كانوا يرفضونها؛ لأنها لغة المستعمر. وكان الهدف من نشرها في الأوساط الأمازيغية هو العمل على نشر سياسة الرومنة والترومن. وفي هذا، يقول الأستاذ الحسن السايح:” وعلى الرغم من هذا التأثير الروماني، فقد ظل الشعب المغربي يتكلم ، ويحدثنا القديس(أوغسطونيوس) وهو أحد رجال الدين المغاربة، أنه كان يستحيل عليه أن يلقي قداسه باللغة اللاتينية لأن معظم الناس الذين يستمعون إليه لايعرفون حرفا واحدا من اللاتينية، وإنما كانوا يعرفون اللغة الفينيقية، التي كانت منتشرة انتشارا واسعا، حتى إن العرب الذين جاؤوا المغرب وجدوا الناس يتكلمون اللغة الفينيقية، وهي لغة سامية أخت العربية، بل إنها لهجة من اللهجات العربية فكان الانتقال منها إلى لغة ، كالانتقال من اللهجة المغربية إلى المشرقية.”5 هذا، وقد كان أوغسطينيوس شخصا مثقفا وفيلسوفا لاهوتيا موسوعيا، لم يستطع أحد أن يصل إلى مستوى هذا العالم إبان العصر القديم ، فقد امتلك ثقافة لاتينية عميقة وواسعة المدارك ومتنوعة المستويات والمفاصل، وعد في المجال الديني ضمن آباء الكنيسة. ولا يمكن أن نضع إلى جانب أوغستان الجزائري إلا شخص واحد يقترب منه فكريا، وهو المثقف المغربي الكبير يوبا الثاني الذي نهل من معارف عدة، وتمكن من لغات مختلفة، وتبحر في الكثير من المعارف العلمية والأدبية والفنية والسياسية والإدارية. ومن جهة أخرى، ترك لنا أوغسطين نظرية فلسفية دينية متكاملة مازالت تدرس وتناقش إلى يومنا هذا في الملتقيات اللاهوتية والفكرية، وتنسب إليه تحت اسم” الأوغسطينية ( Augustinienne ). وعليه، فثمة عوامل عدة تحكمت في توجيه شخصية أوغسطين، ويمكن إجمالها في: خطابة شيشرون، وقراءة الإنجيل، و الاطلاع على تأويلاته، وفحص لغة كتابته، وخاصة الإنجيل الإفريقي، والانسياق وراء العقيدة الثنائية التي تسمى بالمانيكية، كما تأثر كثيرا بفلسفة أفلاطون والفلسفة الأفلوطينية المحدثة. ومن مرتكزات نظرية أوغسطين: الإيمان الروحي، والحب، والعقل، والحكم العادل، والقدر الإلهي، والإرادة، والخير، و التذكر بدل الجهل والنسيان، والحرب العادلة، والخطيئة الأصلية، والطبيعة، والتعويض، والتجسيد الحلولي ، والملكية الخاصة. وينضاف إلى هذا، أن أوغيسطينوس قد أكثر من مائتي كتاب باللاتينية ، وتصنف كتبه وردوده ضمن إطار الثورات الدينية والأدبية التي كانت تشتعل في نوميديا، وبالخصوص بين الدوناتية والكنيسة الأفريقية المسيحية. وكان المناضل الأمازيغي دوناتوس هو الذي يقود الحركة الدوناتية ، ومن المعلوم أن هذه الحركة ذات طابع ديني شعبي ثوري راديكالي، تتشكل من الفقراء والمعدمين والبؤساء والثوار المحليين والعبيد الضعفاء، تدافع عن هوية الساكنة، واستقلال دولة تامازغا، وتحارب الرومان، وتطالب السكان المحليين بطردهم بالقوة من شمال أفريقيا . أما الكنيسة الكاثوليكية الأمازيغية التي يتزعمها أوغستان، فقد استهدفت نشر العقيدة المسيحية كما هو متعارف عليها في الكنيسة المركزية الرومانية ، بيد أن هذه الكنيسة كانت في خدمة الإمبراطور الروماني قسطنطين، تهادن الحكومة الرومانية في حالات السلم والحرب، وتعطي المشروعية الدينية للمعمرين الأجانب والمرابين وأصحاب النفوذ، وتبرر استغلال الإقطاع الروماني لساكنة نوميديا بصفة خاصة، وشمال أفريقيا بصفة عامة. وعليه، لابد من وضع مؤلفات أوغيسطينوس ضمن هذا السياق التاريخي الذي ينحصر في الصراع الأمازيغي ضد الرومان والوندال، وضمن الصراع الديني والاجتماعي والعسكري الذي كانت تخوضه الكنيسة الكاثوليكية ضد المذهب الدوناتي وحركة الدوارين الاجتماعية . وكانت لا تناصر في ذلك سوى القوات الرومانية، مؤيدة كل القرارات التي تصدرها الحكومة اللاتينية لإبادة المعارضين الأمازيغيين. وجل الكتب التي ألفها القديس أوغسطينيوس كانت باللغة اللاتينية، لكن قداسه الديني كان يقدمه أوغستان باللغة الفينيقية أو اللغة المحلية التي كان يفهمها الشعب الأمازيغي. لأن اللاتينية مقصورة فقط على كبار المثقفين والموظفين الإداريين التابعية لحكومة روما، وفي هذا، يقول القديس أوغسطين:” إن الدولة الرومانية التي تعرف كيف تحكم الشعوب؛ لم تفرض على المغلوبة منها سيطرتها فحسب، بل لغتها أيضا.”6 وعلى أي حال، فالقديس أوغسطين عميق التفكير، ورجل دبلوماسي في تعامله مع الرومان، كثير الجدال والمناظرة، وهو كذلك:” فيلسوف قبل كل شيء، رجل يحلل الآراء ، ويرى كل ماتحوي ومبدأها الأول ومداها ونتائجها النهائية. وهو فوق ذلك خطيب عظيم مؤرخ، أو بالأحرى فيلسوف للتاريخ في كتابه( مدينة الله)، وهو أخيرا شاعر للقلب والوجدان الممتع في( اعترافاته) الخالدة. وربما كان هذا الرجل أغرب رجل في العالم القديم كله.”7 ومن أهم كتب أوغسطين: اعترافاتي، ومدينة الله، والثالوث المقدس، والنعمة. وتبقى سيرته (اعترافاتي/ Mes confessions ) بمثابة البداية الحقيقية للكتابة الأوطبيوغرافية في الفكر الإنساني. ويعني هذا أن هذا المؤلف هو أول كتاب وصل إلينا في باب السيرة الذاتية الروحية، ذات الطابع الديني الذي يشتبك بالطابع التاريخي ، حيث يقدم فيه الكاتب اعترافاته بكل صدق وصراحة، ويفصل حياته الغريبة، ويوضح انسياقه وراء الأهواء والشهوات، ولاسيما في قرطاج ، حيث كان مولعا بالمسرح والحب والجنس، ويبين لنا كيف تعرف الله ، وكيف انتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي. كما يكشف لنا عن تصوره وموقفه من الصراع العقائدي والاجتماعي والتاريخي الذي كان يعيش فيه أوغسطين إبان مرحلة الصراع الأمازيغي / الروماني. وفي الأخير، يدعو الكاتب في هذا المؤلف الديني إلى سلام الروح ومحبة الإله، والارتماء في أحضان الرب من أجل الاستراحة النورانية.وتعني الاعترافات في المفهوم المسيحي بوح الإنسان، واعترافه للراهب بأخطائه وذنوبه قصد الحصول على العفو. ويسير الكتاب في هذا المنحى الاعترافي المسيحي، فيعترف أوغسطين بكل جرأة بأخطائه ومجونه من أجل الظفر بالتوبة والغفران الرباني. ومن المعروف أن هذا الكتاب قد صنف ما بين391 و400م في حياة الكاتب أوغسطين ، بينما كتاب ( مدينة الله ) و(الثالوث المقدس) لم يكتبا ويستكملا إلا بعد وفاته، وبالضبط في 400 م. وإذا أراد الدارسون التأريخ للسيرة الذاتية في الغرب، يبدأون بالقديس أوغسطين ليتبع بجان جاك روسو بكتابه( اعترافات روسو)، على الرغم من أن أوغسطين مفكر عبقري أمازيغي لايمت بصلة كبيرة إلى الهوية الأورپية من حيث اللغة والهوية والشعور والوجدان. ومهما حاول الرومان رومنة المثقفين الأمازيغيين وتجنيسهم، فقد ظل هؤلاء متشبثين بهويتهم الأصلية، والدفاع عن وطنهم، كما فعل أوغسطين لما مات شهيدا من أجل حرية مدينته عنابة. والدليل على ريادة سيرة أوغسطين ومكانتها في الأدب الإنساني والعالمي ما قاله الدكتور إحسان عباس في كتابه( فن السيرة):” وفي السير الذاتية بالغرب معالم كبيرة، كان لكل معلم منها أثره في كتابة السيرة الذاتية وطريقتها، وفي طليعة تلك السير” اعترافات القديس أوغسطيس”، فإنها فتحت أمام الكتاب مجالا جديدا من الصراحة الاعترافية، وشجعت الميل إلى تعرية النفس، في حالات كثيرة تلتبس بالآثام، أو يثقل فيها عناء الضمير.”8 ومن أهم مميزات كتاب( اعترافاتي) أنه كتب بطريقة شاعرية روحانية وجدانية، يستقطر فيها الكاتب دموع المعاصي و الذنوب ليعوضها براحة التوبة والغفران، مقابلا بين الحياة والموت، والدنيا والآخرة. Dخلاصة النص: يعد القديس أوغستان المنظر العالمي الثاني للمسرح بعد الفيلسوف اليوناني أرسطو في كتابه(فن الشعر)، بل ينطلق أوغستان أثناء حديثه عن وظيفة المسرح في كتابه(اعترافاتي) من نظرية أرسطو نفسها، ألا وهي نظرية التطهير. وفي هذا الصدد، يقول أرسطو:” والتراجيديا هي محاكاة لفعل جاد، تام في ذاته، له طول معين، في لغة ممتعة لأنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني. كل نوع مهما يكون أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية؛ وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي، لا في شكل سردي، وبأحداث تثير الشفقة والخوف، وبذلك يحدق التطهير من مثل هذين الانفعالين.وأعني هنا باللغة الممتعة اللغة التي بها وزن، وإيقاع، وغناء. وأقصد بقولي يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية: أن بعض الأجزاء يعالج باستخدام الشعر وحده: وبعضها الآخر باستخدام الغناء.”9 ويعني هذا أن وظيفة المسرح عند أرسطو، وخاصة في التراجيديا، هي التطهير، وذلك بإثارة الخوف والشفقة في نفوس الجمهور.بمعنى أن تكون المسرحية ذات وظيفة سيكولوجية وأخلاقية تعنى بتحرير النفس الإنسانية من الغرائز العدوانية، وتحريرها من كل ظلم وشر وحقد. هذا، ويقدم المنظر الأمازيغي أوغستان للمسرح الوظيفة الأرسطية نفسها، وخاصة حينما كان شابا مزهوا بنفسه في الحياة، مغرما بالعروض المسرحية التي كانت تعرض على خشبات مسرح قرطاج بتونس إبان المرحلة الرومانية، قبل التوبة والغفران والاعتراف بذنوبه. وعليه، يشير أوغستان إلى أن العروض المسرحية التي تقدم فوق ركح قرطاج عبارة عن تراجيديات ممتعة ومثيرة، تختلط فيها المأساة مع الرومانسية، وتتقاطع فيها الآلام مع الحب؛ مما كان يثير فضول الجمهور بحال من الأحوال. ويعني هذا أن المسرح حسب أوغستان كان يعتمد على المعايشة النفسية الصادقة – كما يقول ستانسلافسكي-. وينضاف إلى ذلك أن الناس يقبلون على المسرح لمشاهدة المآسي والتراجيديات الحزينة ؛ لأنهم يجدون في ذلك متعة وسعادة وراحة نفسية. ويرى أغستان أن المسرحيات المعروضة على خشبة مسرح قرطاج تستنبط أحداثها من الواقع أو تكون ممزوجة بالخيال. ومن جهة أخرى، تصاغ هذه العروض بأسلوب فني جميل، وتتسم أيضا بروعة الإخراج والتشخيص والسينوغرافيا. علاوة على ذلك، فالمسرح حسب أوغستان له وظيفة أخلاقية ونفسية تقوم على التطهير ، وذلك عن طريق إثارة الخوف والشفقة كا سبق لرسطو إثبات ذلك في كتابه(فن الشعر). ويضيف أوغستان أن الناس لايحبون أن يعيشوا الألم في واقعهم الحياتي، ولكن يحبون معايشته دراميا وفنيا وجماليا. ومن ثم، يرتاح المشاهدون كثيرا للتراجيديات، وكلما ضعفت صنعتها الإخراجية، ثار الجمهور غاضبا، وخرج من المسرح. وبالتالي، لايركز الراصدون في العروض المسرحية انتباها واندماجا، إلا حينما تكون العروض تراجيديات مأساوية ، تثير الشفقة والخوف والرحمة. ويزداد التطهير مأساة وتعقيدا ودرامية ، حينما تقدم مشاهد الحب والغرام، وخاصة مشاهد الفراق والعذاب، فيثير هذا الراصد المشاهد، ويسعده كثيرا؛ بسبب ما يبثه العرض من أحزان وآلام سيكولوجية. بيد أن مايهم أوغستان في المسرح هو الإشباع أو الارتواء، فبعد اندماج المتفرج في المسرحية، وذلك بمعايشة مآسيها، والانسياق وراء أجوائها الغرامية والرومانسية، والتلذذ بأحزانها وآلامها المقرفة، يتحقق لدى المتفرج نوعا من الإشباع الغريزي أو نوعا من الراحة النفسية، سرعان ما تتحول إلى نزيف تراجيدي مؤلم. ومن ثم، فالمسرح الحقيقي هو الذي يحقق للمتفرج نوعا من الإشباع والارتواء النفسي والأخلاقي والبيولوجي، مثل: تلك النشوة الجنسية التي يستمتع بها المحبان العاشقان. وبتعبير آخر، لاينبغي أن يقدم المسرح للجمهور عرضا دراميا ناقصا في مكوناته الفنية والجمالية والتأثيرية، فلابد أن يتحقق الإشباع لدى الراصد المتفرج:” ذلك هو الحب الذي كنت أكنه لهذه الآلام، والذي لم أكن أتوقع أن يمر (الحب) على قلبي وروحي؛ لأنني لم أرد قط رؤية الأحزان في الأشياء التي أفضل رؤيتها فوق خشبة المسرح ، ولكنني كنت مرتاحا جدا؛ لأن موضوع المسرحية التي كانت تعرض أمامي تشعرني بالإشباع، كما لو أنني أصبت بحكة جلدية، فحككت جلدي، وحققت ذلك الإشباع، لكن سرعان ما يتحول الحك المتكرر إلى جرح ينزف، فيختلط الدم بالوحل. هذه هي حياتي، ولكن هل نستطيع أن نسميها حياة؟ يا إلهي!”10 وبهذا، يكون المنظر المسرحي الأمازيغي أغستان رائد نظرية الإشباع المسرحي، مع الاستفادة بشكل من الأشكال من نظرية أرسطو القائمة على التطهير بإثارة الخوف والشفقة. D النص المترجم: في الوقت نفسه، كان عندي حب عنيف تجاه مشاهد المسرح التي كانت تطفح بصور مأساتي ، وصور الحب الحارق الذي يؤجج مشاعري.لكن ما هو الدافع الذي يجعل الناس يتسابقون إلى المسرح بهذا النشاط والحماس لمشاهدة أشياء حزينة وتراجيدية، على الرغم من كونهم لايحبون أن يشاهدوا ما يؤلمهم؟ فقط لأن الجمهور يريد أن يحس بهذا الألم. وبالتالي، فهذا الإحساس هو سبب سعادتهم. إذاً، من أين يأتي كل هذا؟ أليس هذا مرضا غريبا يصيب الروح؟ كلما تأثرنا بهذه المغامرات الأدبية، كلما كنا أكثر تأثرا بالحب العميق بداخلنا. إن الحزن هو ذلك الأذى الذي نسببه لأنفسنا، والشفقة عبارة عن أحاسيس نتقاسمها مع الآخرين. ولكن، مانوع هذه الشفقة التي سنتقاسمها في أشياء كاذبة وزائلة تقدم على خشبة المسرح؟ لانشجع المتفرج في المسرح، ولا نطلب منه إنقاذ الضعفاء والمقموعين، ولكن ندعوه فقط إلى معايشة مآسيهم وآلامهم الكبيرة. وتقدم هذه المواضيع المسرحية الحقيقية أو المفترضة بطريقة فنية درامية، وبنوع من الصناعة المتقنة. وقد يخرج المشاهدون ثائرين غاضبين على الممثلين.ولكن كلما كان المشهد مؤثرا وتراجيديا، تجد المتفرج أكثر تركيزا وانتباها ، يتأرجح إحساسه بين السعادة والدموع، ولكن بما أن كل الناس يفضلون المتعة، كيف سيحبون دموعهم وآلامهم؟ إذا كان الناس لايحبون أن يعيشوا الألم في الواقع، فإنهم يفضلون أن يعيشوه دراميا، من خلال مشاهد الشفقة والرحمة والخوف. وقد تصبح دموع المتأثرين منبعا للحب الحقيقي الذي نحس به تجاه بعضنا البعض.ولكن أين تصب مياه هذا المنبع؟ إنها تصب في تيار عنيف وقوي وجارف، تخرج منه مشاعر الحب المثالي، والمتعة المادية التي تتجسد في ممارسة غريزية ، يبتعد فيها الحب عن النقاء والصفاء الإلاهيين. هل يجب الابتعاد فعلا عن الإحساس بالشفقة والرأفة؟ أبدا، لأن هناك أوقاتا نحب فيها الآلام. فاحترسي يا نفسي من الرأفة على من اقترف الفواحش؛ لأن هناك إحساسا بالشفقة أنقى وأطهر. وبالرغم من ذلك، سآخذ قسطي من السعادة التي يحس بها العشاق على خشبة المسرح، عندما ينجحون في تجسيد المشاهد الغرامية غير العفيفة، على الرغم من أنه ليس هناك من شيء حقيقي في هذه العروض، وحين كان هؤلاء الممثلون العشاق يواجهون ألم الفراق، كنت أتعذب كثيرا، وأحس بالشفقة تجاههم. و اليوم، لم أعد أحس بالشفقة تجاه هؤلاء الذين يستمتعون بممارسة الحب الفاحش، ولا تجاه الذين لايمارسون هذا الأخير. فهذا هو الذي نسميه شفقة. ليس الألم الذي نحس به من خلال آلام الآخرين وعذابهم هو الذي يشعرنا بالسعادة .إن الشفقة أو الرحمة إحساس يشعر به الشخص عندما يرى عذابات الآخرين .هذه هي الشفقة الحقيقية، بل أكثر من ذلك، إن الرحيم أو الرؤوف هو الذي لايحب أصلا رؤية مواقف تدعو إلى الشفقة . ويتمنى عدم وجود البؤساء لكي لايضطر إلى الشعور بهذا الإحساس، ويتمنى ألا يصاب أحد من أقربائه بالأذى. ولكن هناك بعض الآلام التي نتقبلها، ولكن لانحبها. إن الأشياء، التي تبينها لنا ياسيدي ويا إلهي، أنت الذي تحب الأرواح بدون قيد أو شرط، عكس بني البشر، تعطينا الإحساس بالشفقة، دون أن نشعر بأي ألم، ولكن من هو هذا الذي يستطيع منا أن يكون بهذه الدرجة من المثالية؟ أنا عكس كل هذا، فقد كنت بائسا لدرجة أنني كنت أحب الشعور بالآلام، ليس هناك ما هو أفضل من مشاهد ومسرحيات درامية رائعة، والتي كانت تؤثر في نفسيتي لدرجة البكاء. وماهو الغريب في حزن ماعزة مسكينة ابتعدت عن القطيع وضاعت؟ أشعر وكأني مصاب بمرض معد. ذلك هو الحب الذي كنت أكنه لهذه الآلام، والذي لم أكن أتوقع أن يمر (الحب) على قلبي وروحي؛ لأنني لم أرد قط رؤية الأحزان في الأشياء التي أفضل رؤيتها فوق خشبة المسرح ، ولكنني كنت مرتاحا جدا؛ لأن موضوع المسرحية التي كانت تعرض أمامي تشعرني بالإشباع، كما لو أنني أصبت بحكة جلدية، فحككت جلدي، وحققت ذلك الإشباع، لكن سرعان ما يتحول الحك المتكرر إلى جرح ينزف، فيختلط الدم بالوحل. هذه هي حياتي، ولكن هل نستطيع أن نسميها حياة؟ يا إلهي! D النص الأصلي: Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d'Arnauld d'Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993, p. 89-92. J'avais aussi en même temps une passion violente pour les spectacles du théâtre, qui étaient pleins des images de mes misères, et des flammes amoureuses qui entretenaient le feu qui me dévorait. Mais quel est ce motif qui fait que les hommes y courent avec tant d'ardeur, et qu'ils veulent ressentir de la tristesse en regardant des choses funestes et tragiques qu'ils ne voudraient pas néanmoins souffrir ? Car les spectateurs veulent en ressentir de la douleur ; et cette douleur est leur joie. D'où vient cela, sinon d'une étrange maladie d'esprit ? puisqu'on est d'autant plus touché de ces aventures poétiques que l'on est moins guéri de ses passions, quoique d'ailleurs on appelle misère le mal que l'on souffre en sa personne, et miséricorde la compassion qu'on a des malheurs des autres. Mais quelle compassion peut-on avoir en des choses feintes et représentées sur un théâtre, puisque l'on n'y excite pas l'auditeur à secourir les faibles et les opprimés, mais que l'on le convie seulement à s'affliger de leur infortune ; de sorte qu'il est d'autant plus satisfait des acteurs, qu'ils l'ont plus touché de regret et d'affliction ; et que si ces sujets tragiques et ces malheurs véritables ou supposés, sont représentés avec si peu de grâce et d'industrie qu'il ne s'en afflige pas, il sort tout dégoûté et tout irrité contre les Comédiens. Que si au contraire il est touché de douleur il demeure attentif et pleure, étant en même temps dans la joie et dans les larmes. Mais puisque tous les hommes naturellement désirent de se réjouir, comment peuvent-ils aimer ces larmes et ces douleurs ? N'est-ce point qu'encore que l'homme ne prenne pas plaisir à être dans la misère, il prend plaisir néanmoins à être touché de miséricorde : et qu'à cause qu'il ne peut être touché de ce mouvement sans en ressentir de la douleur, il arrive, par une suite nécessaire, qu'il chérit et qu'il aime ces douleurs ? Ces larmes procèdent donc de la source de l'amour naturel que nous nous portons les uns aux autres. Mais où vont les eaux de cette source, et où coulent-elles ? Elles vont fondre dans un torrent de poix bouillante, d'où sortent les violentes ardeurs de ces noires et de ces sales voluptés : et c'est en ces actions vicieuses que cet amour se convertit et se change par son propre mouvement, lorsqu'il s'écarte et s'éloigne de la pureté céleste du vrai amour. Devons-nous donc rejeter les mouvements de miséricorde et de compassion ? Nullement : et il faut demeurer d'accord qu'il y a des rencontres où l'on peut aimer les douleurs. Mais, [...] garde-toi, mon âme, de l'impureté d'une compassion folle. Car il y en a une sage et raisonnable, dont je ne laisse pas d'être touché maintenant. Mais alors je prenais part à la joie de ces amants de théâtre, lorsque par leurs artifices ils faisaient réussir leurs impudiques désirs, quoiqu'il n'y eût rien que de feint dans ces représentations et ces spectacles. Et lorsque ces amants étaient contraints de se séparer, je m'affligeais avec eux comme si j'eusse été touché de compassion ; et toutefois je ne trouvais pas moins de plaisir dans l'un que dans l'autre. Mais aujourd'hui j'ai plus de compassion de celui qui se réjouit dans ses excès et dans ses vices, que de celui qui s'afflige dans la perte qu'il a faite d'une volupté pernicieuse, et d'une félicité misérable. Voilà ce qu'on doit appeler une vraie miséricorde. Mais en celle-là ce n'est pas la douleur que nous ressentons des maux d'autrui qui nous donne du plaisir. Car, encore que celui qui ressent de la douleur en voyant la misère de son prochain lui rende un devoir de charité qui est louable, néanmoins celui qui est véritablement miséricordieux, aimerait mieux n'avoir point de sujet de ressentir cette douleur : et il est aussi peu possible qu'il puisse désirer qu'il y ait des misérables, afin d'avoir sujet d'exercer sa miséricorde, comme il est peu possible que la bonté même puisse être malicieuse, et que la bienveillance nous porte à vouloir du mal à notre prochain. [Aussi il y a bien quelque douleur que l'on peut permettre, mais il n'y en a point que l'on doive aimer. Ce que vous nous faites bien voir, ô mon Seigneur et mon Dieu, puisque vous qui aimez les âmes incomparablement davantage et plus purement que nous ne les aimons, exercez sur elles des miséricordes d'autant plus grandes et plus parfaites que vous ne pouvez être touché d'aucune douleur. Mais qui est celui qui est capable d'une si haute perfection ? Et moi au contraire] [...] j'étais alors si misérable que j'aimais à être touché de quelque douleur et en cherchais les sujets, n'y ayant aucunes actions des Comédiens qui me plussent tant, et qui me charmassent davantage que lorsqu'ils me tiraient des larmes des yeux, par la représentation de quelques malheurs étrangers et fabuleux qu'ils représentaient sur le théâtre. Et faut-il s'en étonner, puisque étant alors une brebis malheureuse qui m'étais égarée en quittant votre troupeau, parce que je ne pouvais souffrir votre conduite, je me trouvais comme tout couvert de gale ? Voilà d'où procédait cet amour que j'avais pour les douleurs, lequel toutefois n'était pas tel que j'eusse désiré qu'elles eussent passé plus avant dans mon cœur et dans mon âme. Car je n'eusse pas aimé à souffrir les choses que j'aimais à regarder : mais j'étais bien aise que le récit et la représentation qui s'en faisait devant moi m'égratignât un peu la peau, pour le dire ainsi, quoique ensuite, comme il arrive à ceux qui se grattent avec les ongles, cette satisfaction passagère me causât une enflure pleine d'inflammation, d'où sortait du sang corrompu et de la boue. Telle était alors ma vie : mais peut-on l'appeler une vie ? mon Dieu. 1- Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d'Arnauld d'Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993, p. 89-92. 2 – الدكتور عز الدين المناصرة: المسألة الأمازيغية في الجزائر والمغرب، دار الشروق، الأردن،الطبعة الأولى، 1999م،ص:80. 3 – شارل أندري جوليان:تاريخ شمال أفريقيا،تعريب محمد مزالي والبشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر،ص:305. 4 – محمد محيي الدين المشرفي: أفريقيا الشمالية في العصر القديم، الطبعة الرابعة، 1969، دار الكتب العربية، ص:102-103. 5 – الحسن السايح: الحضارة المغربية، منشورات عكاظ، الجزء الأول، الرباط، الطبعة الأولى ، 2000م، ص:122. 6 – شارل أندري جوليان: تاريخ شمال أفريقيا، الجزء الأول، ص:248. 7 – إميل فوگيه: مدخل إلى الأدب، ترجمة مصطفى ماهر،رقم الكتاب201 ، الطبعة الأولى ، 1958، طبع ملتزمة الطبع والنشر لجنة البيان العربي، مصر، ص:51. 8 – الدكتور إحسان عباس: فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، لبنان،ص:114. 9 – أرسطو: فن الشعر، مكتبة المسرح رقم3، ترجمة وتعليق: إبراهيم حمادة، مركز الشارقة للإبداع الفكري،الشارقة، ص:111. 10- Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d'Arnauld d'Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993, p. 89-92.