في ركن ظاهر داخل المتحف الرائع لنادي بايرن ميونيخ الألماني، المقام داخل التحفة المعمارية المسماه إستاد اليانز ارينا، والذي يعد توثيقا تاريخيا حقيقيا لتاريخ وبطولات ونجوم ومدربي ومنشآت هذا النادي العملاق منذ تأسيسه عام 1900 حتى الأن، وضعت "خوذتي رأس" من تلك التي يستخدمها عمال البناء خلال عملهم، في مكان متميز وسط الكؤوس والدروع الكثيرة التي فاز بها الفريق البافاري على مدار تاريخه. وبقراءة بطاقة المعلومات، الموضوعه تحت كل مقتنى داخل هذا المتحف التاريخي، أكتشفت ان الخوذتين تخصان اثنين من العمال اللذين ساهما في بناء وتشييد الملعب خلال الفترة من عام 2002 وحتى عام 2005، وتقديرا ووفاء من النادي البافاري الكبير لجهود كل من ساهم في بناء هذه التحفة المعمارية والذي يعد أحدى النقاط المضيئة في تاريخ النادي، قرر تخليد اسم هذين العاملين في متحفه ووضع خوذتيهما مع الكؤوس والألقاب التي تتوج سجل شرف النادي العريق. القصة.. قصة وفاء لأي مجهود يبذل للمساهمة في صنع مراحل تطور النادي، أي نادي، حتى لو كان هذا الجهد جهد عاملي بناء ربما لم تستهويهما كرة القدم يوما، ولا يعرفان الوان قميص هذا النادي ولا ذلك. وليست القضية قضية ركن فارغ في متحف، لم يجد مصمموه ما يضعوه فيه، رغم كم الكؤوس والدروع والميداليات والتذكارات التي تكظ بها جنبات المتحف، ولكنها رسالة للإجيال القادمة بأهمية أي عمل ولو صغير في بناء هذه السجل الحافل من الإنجازات. اما المناسبة التي جعلتني أستدعي هذه الملاحظة من ذاكرتي، رغم مرور ما يزيد عن العام على مشاهدتها، فهي واقعة إقدام رئيس نادي الزمالك المصري الحالي، على طمس اسم ملعب الفريق والذي يحمل أسم محمد حسن حلمي ( زامورا) أحد أبرز رؤساء القلعة البيضاء السابقين عبر تاريخه، - تولى من 1967 حتى 1984 - ويوصف بأنه أفضل رئيس نادي تولى إدارة نادي الزمالك، علاوة على انه أول لاعب زملكاوي يصبح رئيسا لناديه، كما تولى رئاسة الإتحاد المصري لكرة القدم. وقدم زامورا خدمات للنادي وللكرة المصرية تفوق بمراحل ما قدمه وسيقدمه الرئيس الحالي، والذي كان أبرز ما قدمه لناديه أنه حاول في يوم ما أن يمنح فريق كرة اليد لقبا فأشترى له كأسا مزيفا ونزل إلى أرض الملعب، بعد إلغاء المباراة النهائية بسبب حضوره، ومنحه للاعبين وطاف معهم الصالة المغطاء إحتفالا بالكأس الفالصو.. علما بانه لو لم يحضر لفاز فريقه باللقب، لكنه تعامل بعنجهية، ففقد الزمالك لقبا ومنع من المشاركة في الدوري الموسم التالي. ولم تكن خطوة إزالة أسم رئيس النادي الراحل، والذي يعد علامة من علامات هذه القلعة الرياضية من على الملعب، ومنحه أسم (عبد اللطيف أبورجيلة) - أحد رؤساء النادي الكبار والهمام ايضا - سوى خطوة لمحو أهمية وقيمة التاريخ، قبل هدم الملعب وبيعه من أجل بناء مركز تجاري كبير على أرضه، يزيد الحياة زحاما وضجيجا وجحودا ونكرانا. ربما يكون ما فعله الرئيس الحالي، الذي لا يتوان يوميا على إهدار كل القيم والثوابت، لا يختلف كثيرا عما كان يفعله بعض قدماء الفراعنة المصريين من طمس وهدم إنجازات من سبقوهم، خاصة الناجحين منهم في سبيل الحفاظ على إنجازاتهم فقط، ولكن فات عنهم - وعنه - ان التاريخ لا يحتاج إلى دليل مادي كي يتذكر العظماء، ولكنه بالتأكيد يحتاج لمثل هذه الأفعال كي يذكرها.. في كتب الطرائف والعجائب.