من خلال الثقل الديني والسياسي والدستوري الذي يربط العرش بالشعب ألقى جلالة الملك خطابا بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لتربعه على العرش مما يجعل الخطاب والمناسبة حدثين مهمين في حياة المملكة، وبذلك يجسد المسؤولية الكبرى لجلالته دستوريا ودينيا وسياسيا واجتماعيا والتي يواصلها وهو متشبث بمشروع الدولة الشامل والمتفرع تنمويا ومصبوغ بطابع التضامن والحكامة الجيدة لتستثنى استمرارية المغربفي محيط دولي وإقليمي متصدع ومعقد وسريع التطور. ويعكس هذا الخطاب سر نجاح النموذج المغربي مقارنة بأية دولة من حجم المغرب أو أكثر والذي يتجلى في كون نظام الحكم يقوم على المكانة البارزة للملك في المغرب وثقل مهامه والتي تتجلى من خلال أسس ومرتكزات الخطاب التالية: الأسس: 1- الخديم الأول للشعب: باعتباره يتولى مهمة اعتلائه للعرش والأمانة الملقاة على عاتقه برابطة البيعة فيترجم ذلك بالأوراش الكبرى التي أنجزها منذ تقلده سدة الحكم كما أن المؤسسات تعمل على تكريس مجهوداته على كل الأصعدة وتكمل دوره باستمرار. 2- الضامن لاستمرار الدولة واستقرار النظام:ويتجلى ذلك في حرصه على استكمال مؤسسات الدولة وترسيخ مبدأ دولة الحق والقانون بوازع الحكامة الجيدة والمسؤولية المقرونة بالمحاسبة واستكمال البنيات الأساسية والتجهيزات الكبرى والتكيف مع الظروف الداخلية والدولية والتخطيط على المدى البعيد. 3- الحامي لثوابت الأمة وسيادتها: باعتبار الأمة المغربية لها موروث وثوابت لا يمكن زعزعتها ولا الاستهتار بها وهي مهمة جسيمة تتمثل في الدفاع عن مستلزمات العيش المشترك وفرض الانفتاح والتسامح والحفاظ على الموروث الديني والتاريخي للمغرب وثقافاته المتنوعة الروافد وصد كل خطر يهدد البلاد. 4- الحكم بين المؤسسات: حيث يعد هذا الخطاب خطابا مفصليا في عدة قضايا بعد مرور سنتين على الدستور الجديد، نظرا للتجاذبات الحزبية وتصدع العلاقة بين البرلمان والحكومة الحالية حيث أعطى جلالته الاشارة إلى مفهوم جديد للممارسة السياسية ودعا إلى إعمال الحكامة السياسية الأمنية أي ربط الممارسة السياسية بالاستقرار الأمني وتجنب الغلو وإثارة الفتنة والاضطرابات المعكرة للأجواء الأمنية. أما مرتكزات الخطاب فقد جاءت شاملة وتلامس كل جوانب الدولة الخارجية والداخلية العمودية والأفقية والقطاعية والاستراتيجية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وبيئيا وثقافيا... مما يعكس أهمية هذا الخطاب التوجيهية. وفي مقدمة المرتكزات التي وردت في الخطاب تم عرض المنجزات المتمثلة في الأوراش الاقتصادية والاجتماعية والاصلاحات السياسية والمؤسساتية والمبادرات والأعمال الحازمة وكرامة الموطن المغربي وازدهاره والمقاربات التشاركية والحكامة الجيدة وآليات التعاون المتأقلمة دوليا ووطنيا. استكمال بناء الدولة: كما جاء في الخطاب فيما يتعلق باستكمال البناء في الدولة والتجهيزات الكبرى المنجزات في مجال الماء والكهرباء والسكك الحديدية والنقل الحضري وجلب الاستثمار الأجنبي وتحسين سوق الشغل وميزان الأداءات نموذج مخطط إقلاع. تقييم العمل الحكومي: ودعا في نفس الوقت الحكومة لمواصلة العمل لتوسيع النسيج الصناعي وتوفير الظروف الملائمة وفق مقاربة تشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص مذكرا بأهمية الحكومات المتعاقبة والاعتراف بمجهوداتها وفي ذلك إيقاف للنظرة السلبية لماضي الحكومات المتعاقبة وربط مجهوداتها بنفس مجهودات الحكومة الحالية وذلك لرفع التصدي السلبي لها بقوله "حكومتنا الحالية" اي حكومة جلالة الملك. وأشار إلى المجهود الكبير في مجال الطاقة البديلة الشمسية والريحية بما يتماشى مع الميثاق الوطني للبيئة، وأيضا المغرب الأخضر من خلال النهوض بصغار الفلاحين واستثنائهم من الضريبة وإحداث وكالة خاصة تعمل على ملائمة الاستراتيجية الفلاحية وإخراج المناطق الجبلية من تخلف استغلال الأراضي بما يتماشى مع برامج التهيئة المجالية والاعفاءات الضريبية المصاحبة والنهوض بالقطاع البحري (اليوتيس) ودعا إلى ضرورة دعمه. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: وفي إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باعتبارها ورشا متطورا باستمرار وتتوخى التوسيع فئويا ومجاليا وقطاعيا ، فقد اشاد ببرامج محو الأمية التي انطلق بالمساجد منذ 2004 وأبرز أهمية الثقافة في إغناء الهوية الوطنية وتشجيع التعبير الابداعي وتجنب كل مظاهر الانغلاق والتحريف التي تأتي بالفهم الخاطئ لديننا حيث أشار الى استراتيجية احداث (ميثاق العلماء) لتأمين الأمن الروحي للمملكة والحفاظ على الهوية الاسلامية المغربية. استقلال القضاء: وبالنسبة لورش القضاء حسب جلالته فهو يسير في اتجاه توفير مناخ الثقة وتحفيز التنمية بالضمير المسؤول والقوانين التنظيمية وآليات الاصلاح(حكامة قطاع العدل)، وبذلك ايصال منظومة العدالة إلى المستوى المطلوب بحوكمة هذا القطاع. الجالية المغربية: وأشاد بالجالية المغربية بالخارج لتشبثها بروح المواطنة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ويوليها عناية خاصة. الوحدة الترابية: أما بالنسبة للقضية الوطنية والدعم المتنامي للحكم الذاتي بفضل عنايته ورعايته للوحدة الترابية فقد حسم المنتظم الدولي فيما يتعلق بالمعايير المعتمدة للتوصل إلى الحل السياسي التوافقي والواقعي والتشخيص الدقيق لملابسات القضية الوطنية وتوريط الجزائر بشكل واضح وملموس في الأمر، وارتباطا بحقوق الانسان فإن المغرب يعتمد آليات وطنية المتمثلة في المجلس الوطني لحقوق الانسان المتفاعل مع الأممالمتحدة، مؤكدا على أن الجهوية المتقدمة هي النموذج التنموي الأمثل والأصلح لإعمال الحكامة الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز الحكامة الترابية والمؤسساتية واعتبر الحكامة السياسية الأمنية مهمة لحماية الحقوق والحريات والممتلكات وفق القانون، ودعا إلى تعبئة كل القوى الحية ومواكبة الجهود التي تبذلها السلطات العمومية لإنجاح الرهان، والعمل على مستوى السياسية الخارجية بنهج سياسة دولية متوازنة ومتعددة الاتجاهات. المغرب العربي: وعلى المستوى الاقليمي إن المغرب متشبث بوحدة المغرب العربي والمستقبل المشترك المتكامل والمندمج والحر. وعلى المستوى العربي لدى المغرب قناعة لبلورة منهجية جديدة ومقاربة جديدة للعمل المشترك حيث قدمت دول الخليج الدعم المالي للمغرب بفضل مكانة الملكوشكر بالمناسبة زعماء الدول المانحة وهو دليل على عمق الروابط وإمكانيات التعاون والاستثمار وإيجاد أسواق مالية جديدة. للقضية الفلسطينية: بالنسبةللقضية الفلسطينية فالمغرب يدعم مبادرة السلام العربية ويعمل جاهدا للحفاظ على الهوية الحضارية والدينية لمدينة القدس من خلال وكالة بيت مال القدس. القارة الافريقية: وعلى المستوى الافريقي فالمغرب يواصل سياسته التضامنية مع الدول الافريقية في اطار تعاون جنوب جنوب. الاتحاد الأوروبي: أما على المستوى الأوربي فالمغرب منفتح ومتفاعل بشكل إيجابي مع الشركاء الأوربيين ويعمل بالعلاقة الثنائية نموذج إسبانيا وفرنسا لتوطيد العلاقة مع الاتحاد الأوربي. كما يعمل على توسيع امتداده وإشعاعه إلى القارات الأخرى لرفع صوت إفريقيا والعالم العربي في مجلس الأمن. العالم العربي: وبالنسبة للشعوب العربية يعلن جلالة الملك تضامن المغرب مع الشعب السوري وجمهورية مالي وأقر بضرورة التعاون بالأليات المتأقلمة مع المتغيرات الدولية . ويعود الفضل في بقاء المغرب بلدا آمنا بفضل تبصر جلالة الملك الخديم والحكم والحريص والضامن والساهر والموجه والمشجع والمؤازر والمتضامن والمبادر والموحد والباني والمنفتح... وهو سر نجاح النموذج المغربي ومكمن الخصوصية. *أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي-متخصص في تحليل الخطاب