يعتبر قطاع العقار من القطاعات الأساسية التي ساهمت و لسنوات عديدة في ازدهار, تنشيط و إنعاش الاقتصاد الإسباني, الذي حقق معدلات نمو جد مهمة خاصة بين سنوات 1995 و 2005 و قد وصلت مساهمة هذا القطاع إلى حوالي %20 من الاقتصاد الإسباني بطريقة مباشرة, و حوالي %40 بطريقة غير مباشرة, لكن و ابتداء من سنة 2006 , بدأ القطاع يعرف بعض التراجع الطفيف, ثم جاءت سنة 2006 لتدشن فترة الانهيار الحقيقي لهذا القطاع الحيوي. و يعتبر هذا القطاع كذلك من القطاعات الأساسية و الحيوية بالنسبة للمهاجرين المغاربة, حيث شكل مصدر رزق لأكثر من %41 من العمال المغاربة القاطنين بإسبانيا, و هو ما مكنهم مثلهم مثل العديد من الإسبان و الأجانب, من الحصول و بسهولة على قروض عقارية لامتلاك منزل بإسبانيا, حيث وصل حجم هذه القروض العقارية بمختلف أنواعها, سواء الموجهة منها للعائلات أو شركات البناء إلى حوالي %60 من مجموع القروض العامة للاقتصاد الإسباني. و مع انهيار قطاع العقار و توقف عجلة الاقتصاد و ارتفاع معدلات البطالة بشكل مهول, عجز العديد من المهاجرين عن أداء مستحقات القروض التي أخذوها و التي حصلوا عليها بسهولة أيام سنوات الازدهار العقاري و الرخاء الاقتصادي, عبر وسطاء ماليين و أبناك همهم الوحيد هو الربح السريع, دون الاهتمام بقدرة المهاجر الحقيقية على أداء أقساط القرض المطلوب, علما أن أغبية المهاجرين لم يعرفوا حق المعرفة بكافة شروط هاته القروض و لم يعرفوا كذلك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في حال عدم سداد الأقساط, فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد فقدان المنزل بعد أن يسترده البنك بنصف قيمته الحقيقية, بل الأدهى و الأمر هو استمرار البنك في المطالبة بما تبقى من قيمة القرض و جميع الأقساط المتأخرة, و هكذا تحولت هذه القروض, و حسب رأي العديد من المختصين و المحللين إلى "شكل جديد من أشكال العبودية" أو ما يشبه دخول المتاهة, فالداخل مفقود و الخارج منها مولود, حيث أن مدة القرض قد تمتد إلى سنوات طويلة قد تصل إلى أربعين أو خمسة و أربعين سنة, كما أن الأبناك ترغم طالبي هذه القروض على تحويل حساباتهم البنكية إليها و كذلك تفرض عليهم عقود تأمين على الحياة بأسعار مرتفعة بدون وجه حق. و هكذا سقط القناع عن واقع مأساوي أصبح يتهدد المهاجرين بالإفراغ و التشرد مع عائلاتهم, و ضياع مجهود سنوات طويلة من التعب و المثابرة, فالمهاجرون أصبحوا يعتبرون من أكثر الطبقات الاجتماعية تضررا من أزمة القروض العقارية بإسبانيا, و ذلك نظرا لوضعية الهشاشة الاجتماعية التي يعيشونها بعيدا عن التضامن العائلي و التلاحم الأسري الذي قد يتمتع به غيرهم من أصحاب الأرض, فالمهاجر يجد نفسه وحيدا في مواجهة قساوة الواقع و"وحشية" الأبناك و قلة المساعدة أو انعدامها من طرف المؤسسات الحكومية, اللهم من بعض الجمعيات و الهيئات المدنية التي نشأت في ظل هذا الوضع المتأزم للدفاع عن حقوق المواطن في مواجهة سلطة المال و سلبية المؤسسات الرسمية خطة الحكومة الإسبانية للتخفيف من حدة الوضع القائم أمام التزايد المهول لعدد العائلات المحكوم علبها بالإفراغ و التي لا تجد لها مأوى سوى العراء و الشارع, و بعد احتداد و تصاعد الاحتجاجات الشعبية المتوالية ضد الأبناك و ضد قرارات الإفراغ, جاء تحرك الحكومة الإسبانية, و الذي وصف من قبل العديدين بالمحتشم و البارد, من أجل التخفيف من حدة الوضع المأساوي و الإنساني الذي تعيشه فئات عريضة من المجتمع الإسباني التي تعاني من البطالة و انعدام الموارد المادية من أجل أداء أقساط القروض المفروضة عليهم, فحسب الأرقام المتوفرة لدى الحكومة, توجد هناك مليون و نصف من العائلات التي يوجد جل أفرادها بدون عمل أو دخل قار, و في هذا الإطار صادق مجلس الحكومة الإسباني بتاريخ 9 مارس 2012 على مشروع قانون 2012 /6 للممارسات الجيدة بعد عرضه و مناقشته مع مجموع الأبناك المعنية بالأمر, و يهدف هذا القانون إلى تخفيف الضغط على العائلات التي تمر بظروف اقتصادية صعبة عبر توفير العديد من البدائل, من قبيل إعادة تمويل القروض المتعثرة, الإعفاء من أداء الأقساط الشهرية لمدة قد تصل إلى أربعة سنوات حتى تتمكن الأسرة من ايجاد مورد رزق لسداد الأقساط, إمكانية إلغاء جزء من القرض أو تحويل الأقساط الشهرية إلى كراء مؤقت بثمن مناسب حتى لا تفقد الأسرة مكان عيشها, ثم اعتبار استرداد المنزل من طرف البنك إلغاء للقرض, و كذلك إمكانية تمديد مدة القرض إلى أجل أقصاه 45 سنة و بالتالي تخفيض القسط الشهري ليلائم الدخل المحدود لبعض العائلات. و رغم كل هذه التوصيات و التدابير التي أتى بها مشروع قانون الحكومة, تبقى فعاليته و نجاعته رهينة حسن نية القطاع البنكي و مدى استعداده الجدي لحل هذه المعضلة العويصة أو على الأقل التخفيف من تداعياتها الصعبة علما أن مشروع القانون الحكومي غير ملزم لهذه الأبناك و هو ما انتقدته و بشدة العيد من الهيئات و جمعيات المتضررين من القروض العقارية بإسبانيا. جمعية المتضررين من القروض العقارية و المواجهة الدائمة تأسست جمعية المتضررين من القروض العقارية سنة 2009 متزامنة مع انفجار ما أصبح يطلق عليه "الفقاعة العقارية" بإسبانيا و تزايد عدد الذين لا يستطيعون أداء الأقساط الشهرية للقروض التي أخذوها, فالمعطيات و الأرقام حول عدد قرارات الإفراغ خلال الثلاث الأشهر الماضية من السنة الجارية, توضح حجم و هول هذه المأساة, فحسب إحصائيات حكومية لوزارة العدل, وصل عدد هذه القرارات إلى ما مجموعه 46559 بمعدل 517 قرار في اليوم, في حين أن العدد الإجمالي لقرارات الإفراغ ابتداء من سنة 2008 وصل إلى ما يناهز 400.000. و تحمل هذه الجمعية على عاتقها كهدف أساسي الدفاع عن حقوق كل المتضررين من هذه القروض العقارية, خاصة و أن قرارات الإفراغ في تصاعد مستمر بالتزامن مع تزايد أعداد العاطلين عن العمل, و ذلك عبر تنظيم احتجاجات شعبية لإسماع صوتها, تجمعات لإيقاف قرارات الإفراغ و المفاوضة مع الأبناك حول البدائل الممكنة لتمكين المتضرر من البقاء في منزله و ذلك أمام عجز الحكومة عن تقديم حلول ناجعة لتداعيات هذه الأزمة المادية ذات الأبعاد الاجتماعية و الإنسانية المأساوية. شهادات: محمد (35 سنة), خيرونا جئت إلى إسبانيا سنة 2001, اشتغلت في ميدان البناء في مدن عديدة حتى انتهى بي المطاف في مدينة خيرونا, لم يكن لدي أي مشكل في ايجاد فرصة عمل, أما الدخل الشهري فكان مهما و جيدا و هو ما حفزني لكي أقتني منزلا بواسطة قرض بنكي كما فعل العديد من أصدقائي, لم أكن أتوقع أن الأمور ستنقلب بهذا الشكل, فقد فقدت عملي بسبب إفلاس شركة البناء, و لم تعد هناك فرص عمل متوفرة لأن أغلبية الشركات أصبحت تسرح العمال و تغلق أبوابها, انقطعت عن أداء الأقساط الشهرية للقرض لمدة عام تقريبا حتى جاء قرار الإفراغ الذي لم أستطع إيقافه, فاسترد البنك المنزل و أنا الآن أقيم عند بعض الأصدقاء. مصطفى ( 45 سنة) رب أسرة, خيرونا وصلت إلى إسبانيا في فترة الازدهار و الرخاء عن طريق بعض الأقارب الذين وفروا لي عقد عمل مع إحدى الشركات, لم يكن الأمر صعبا حيث كنت دائما أجد عملا و هو ما شجعني على الإتيان بزوجتي و أطفالي من المغرب على أمل الاستقرار هنا بإسبانيا لفترة طويلة, و لتحقيق ذلك اشتريت منزلا لعائلتي الصغيرة, لم أجد أية صعوبة في السنوات الأولى في تسديد أقساط القرض, فالعمل متوفر و كل شيء يسير على ما يرام, لكن ما لم أكن أعلمه هو أن واقع الحال سيتحول إلى جحيم, حيث أصبحت في عداد العاطلين بعد أن لم أجد عملا في أية شركة, ثم انقضت مدة تعويض البطالة, فلم يكن أمامي سوى التخلي عن أداء الأقساط الشهرية لأوفر لعائلتي قوت يومها, أنا الآن أفاوض مع البنك كيفية حل هذه المعضلة قبل أن يأتي قرار الإفراغ فأجد نفسي مع أسرتي في الشارع.