حلقة اليوم من برنامج "حكايات من زمن فات"، الذي يُقدمه "اليوم 24" لمتصفحيه خلال شهر رمضان المُعظم، عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظماء، وأحد العشرة المُبشرين بالجنة والمُلقب بجواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه. ولد الزبير رضي الله عنه قبل 28 سنة من الهجرة لأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه العوام ابن خويلد، وكانت عمته أم المؤمنين خديجة، وأسلم بمكة على يد الصِّدِّيق أبي بكر، وكان عمره حينئذٍ 15 سنة، وعذّبه عمه نوفل عذاباً شديداً كي يترك الإسلام، فكان يُعلقه في حصير، ويوقد تحته النار، إلا أنه ثبت على الإسلام وكان يقول "لا أكفر أبدًا." وكان رضي الله عنه أول من استل سيفاً في الإسلام، حيث سرت شائعة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُخِذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وبيده سيفه، وصعد الجبل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: ما لك يا زبير؟، فقال له: أتيت أضرب بسيفي من أخذك، فدعا صلى الله عليه وسلم له ولسيفه، ثم هاجر رضي الله عنه مع من هاجروا إلى الحبشة، ولم يستمر هناك طويلاً، حيث عاد وهاجر إلى المدينة، حيث تزوج من أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأنجب منها أول مولود للمسلمين بالمدينة، عبد الله بن الزبير. وشهد رضي الله عنه كل الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي غزة بدر أُصيب عدة إصابات، وكان يلبس يومها عمامة صفراء، فنزلت الملائكة وعليها عمائم صفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمَلائِكَةَ نَزَلَتْ عَلَى سِيمَاءِ الزُّبَيْرِ. وعُرف عنه رضي الله عنه توكله على الله، وبينما كان يُوصي ولده بقضاء ديونه قال له: إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي، فسأله عبد الله: أي مولى تعني؟، فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير، يقول عبد الله فيما بعد: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دَيْنِهِ إلا قلت: يا مولى الزبير، اقضِ دينه. فيقضيه. وبعد استشهاد عثمان بن عفان أتمَّ المبايعة الزبير وطلحة لعليٍّ، وخرجوا إلى مكة معتمرين، ومن هناك خرجوا إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت وقعة الجمل عام 36ه؛ وكان طلحة والزبير -رضي الله عنهما -في فريق، وعليٌّ بن أبي طالب في الفريق الآخر، فانهمرت دموع عليّ عندما رأى أم المؤمنين عائشة في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت؟، ثم قال للزبير: يا زبير، نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، ألا تحب عليًّا؟، فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني؟، فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم، فقال الزبير: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك. وانسحب طلحة والزبير -رضي الله عنهما -عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمنًا لانسحابهما، ولقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا؛ فقُتل طلحة رضي الله عنه بسهم رماه به مروان بن الحكم، وتعقب الزبير رجل اسمه عمرو بن جرموز فلما نزل بوادي السباع ليُصلي، أتاه ابن جرموز من خلفه فقتله وهو يُصلي، وسارع إلى عليٍّ يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه، فصاح عليّ قائلاً: "بشِّرْ قاتلَ ابن صفية بالنار، وأمر بطرده، وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبَّله الإمام علي، وأمعن في البكاء وهو يقول: سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد أن انتهى عليّ من دفنهما، رثاهما بكلمات كان أخرها: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}، ثم نظر إلى قبريهما وقال: سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة. وقد قُتل الزبير رضي الله عنه في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين من الهجرة، وله ست أو سبع وستون سنة.