مرت قرابة أسبوعين على الحرب الجوية التي تستهدف قوات الحوثيين في اليمن، دون تغيير أساسي لميزان القوى على الأرض. التطورات المتسارعة تشير إلى دول التحالف (دول الخليج + باكستان والمغرب ومصر والأردن) بصدد أن تدخل مرحلة ثانية تتمثل في شن حرب برية. بدأ ذلك علنا في باكستان، التي عرضت القرار على البرلمان الذي صوت بالرفض، في حين وافقت مصر على إرسال قوات من 700 جندي من قوات التدخل السريع إلى الأراضي السعودية، في ما لم يعلن المغرب عن أي شيء لحد الآن. لكن تطور الأحداث يطرح السؤال التالي: هل يوافق المغرب على المشاركة في حرب برية في اليمن؟ يتزامن هذا التساؤل مع قرار الملك محمد السادس القيام بزيارة خاصة إلى الإمارات، منذ أول أمس الاثنين، لكن دون الإفصاح عنها وعن أهدافها. وتعتبر هي الزيارة الثانية من نوعها خلال أقل من ستة أشهر. وربط مراقبون حدث الزيارة بالنقاش المتصاعد حاليا حول المرور إلى المرحلة الثانية من «عاصفة الحزم»، وبعدما تحدث مسؤولون سعوديون بشأنها عن «حرب برية ضرورية». حسان بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد ل»اليوم24» على القناعة نفسها، إذ اعتبر أن الحرب البرية ستكون ضرورة لقوات التحالف من أجل الشرعية، إذا هي أرادت تغييرا فعليا لميزان القوى على الأرض، لكن مثل هذا القرار يطرح إشكالات دستورية وموضوعية بالنسبة إلى المغرب. وأوضح بوقنطار أن الدستور المغربي يسمح للجيش المغربي بالمشاركة في الحرب في ثلاث حالات: الأولى تتعلق بالدفاع عن حوزة التراب الوطني إذا كانت مهددة تهديدا فعليا، والثانية تتعلق بالتضامن العربي، فيما تتعلق الحالة الثالثة بالمشاركة في إطار قوات حفظ السلام الأممية، وهي مهمات يغلب عليها الطابع الأمني وليس الدفاعي. وفي حالة اليمن، يرى بوقنطار أنها «وضعية جديدة تتطلب نقاشا جديدا»، لأن قرار المشاركة يعني «أن يعمل الجيش وفق منطق جديد»، وصفه بوقنطار ب»المنطق الصعب» في هذه الحالة، سواء من حيث «صعوبة تبريره، أو من حيث نتائجه». وبرر المغرب قرار انضمامه إلى التحالف السعودي ضد جماعة الحوثيين في اليمن، بمبررات: أولها أنه جاء استجابة لطلب من الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور وللدفاع عن الشرعية والتضامن مع مناصريها، وثانيا بالالتزام الموصول للدفاع عن أمن السعودية والحرم الشريف، وعن بقية دول مجلس التعاون الخليجي الذي تجمعه بالمغرب شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد. وتشير تلك التبريرات إلى مرتكز التضامن العربي والإسلامي، وفق ما أشار إليه نص بلاغ وزارة الخارجية في الموضوع حين أكد على تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة، عسكريا وسياسيا وأمنيا ولوجستيكيا، بما في ذلك وضع القوات الجوية المغربية بالإمارات رهن إشارة التحالف. لكن المبررات المغربية الرسمية تترك الباب مفتوحا لكل تأويل، لأن الدفاع عن أمن السعودية والحرم الشريف شيء، والتدخل بقوات عسكرية في حرب برية، قد تصل إلى عمق اليمن الدفاعي، هو شيء آخر. وقد يضع قوات التحالف بقيادة السعودية في مأزق أخلاقي، حتى وإن تغطى بهدف استعادة الشرعية الدستورية، وعودة مؤسسات الدولة اليمنية إلى العمل. كل ذلك يطرح على أطراف التحالف تحديات وصعوبات، منها بحسب بوقنطار أن «الأهداف السياسية لهذه الحرب غير واضحة»، فهل تريد السعودية «تحييد الحوثيين من المعادلة السياسية داخل اليمن تماماً، أم تريد إضعافهم حتى تتوازن القوى الداخلية بما يسمح بحوار سياسي داخل توافقي؟ بوقنطار اعتبر أن «الأهداف غير محددة»، ما يجعل أي قرار بخوض حرب برية مهددا بالانزياح نحو احتلال، قد يتكرر خلاله للسعودية ما حدث لأمريكا في العراق، «لأن الحرب قد تخلق قوى جديدة وأعداء جددا»، خاصة في ضوء التقاطب الإقليمي بين السعودية وإيران. ويرى فؤاد فرحاوي، باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية بتركيا، أن السعودية تبحث عن تدخل بري محدود، لكنها لا تريد ذلك لوحدها، وقال ل»اليوم24» إن الرفض الباكستاني للمشاركة في أي حرب برية باليمن، أَضعفَ احتمال خوض حرب واسعة النطاق. وذهب إلى أن السعودية تهدد بحرب برية للضغط على إيران، من أجل تحسين موقعها التفاوضي خلال أي تسوية إيرانية خليجية قادمة بضغط أمريكي، قد ترسم معالمها في قمة كامب ديفيد المقبلة، آخر هذا الشهر بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي. أما سعيد الحسن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس أكدال، فقد استبعد احتمال وقوع حرب برية تماماً، لسببين: الأول أن الخبرة السعودية، ومعرفة الملك سلمان بالملف اليمني شخصيا، قد يدفع إلى خيار تقوية القوى الاجتماعية والسياسية اليمنية لتكون سدا منيعا ضد أي اختراق خارجي (إيراني) من خلال جماعة الحوثي، ويعني ذلك أن الحل الأنجع والبعيد المدى ليس عسكريا، في نظر سعيد الحسن، بل سياسي تنموي. أما السبب الثاني فهو الدور المحتمل للمغرب في هذه الحرب، إذ رجح الحسن أن الأخير يمكن أن يلعب، من خلال نفوذه المعنوي والسياسي والدبلوماسي، دورا جديدا في الأزمة بهدف التوصل إلى حل سياسي، «يوظف الصحوة العربية في مواجهة الأطماع الخارجية، وبناء أمن قومي عربي، كما كان يؤكد على ذلك الملك محمد السادس في كل خطبه أمام الجامعة العربية». وأضاف سعيد الحسن ل» اليوم24» أن ما يجري باليمن كان ضروريا ل «إبلاغ إيران أن تدخلها في الإقليم العربي غير مقبول»، لكن هذه الرسالة كشفت للعرب، أيضاً، أن مواجهة الأطماع الخارجية تستوجب «الاعتماد على الذات في تطوير قدرات عربية، عسكرية وتسليحية مشتركة»، وأن الاعتماد على الحلفاء، خاصة في الغرب، «لا يعول عليه كثيرا».